“لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح “
عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، القرشي الفهري المكي .
أحد السابقين الأولين ، ومن عزم الصديق على توليته الخلافة ، وأشار به يوم السقيفة ، لكمال أهليته عند أبي بكر يجتمع في النسب هو والنبي – صلى الله عليه وسلم – في فهر ، شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة ، وسماه أمين الأمة ، ومناقبه شهيرة جمة .
قال ابن سعد في ” الطبقات ” : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن مالك بن يخامر أنه وصف أبا عبيدة فقال : كان رجلا نحيفا ، معروق الوجه ، خفيف اللحية ، طوالا ، أحنى أثرم الثنيتين .
وقد شهد أبو عبيدة بدرا ، فقتل يومئذ أباه ، وأبلى يوم أحد بلاء حسنا ، ونزع يومئذ الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من ضربة أصابته ، فانقلعت ثنيتاه ، فحسن ثغره بذهابهما ، حتى قيل : ما رئي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة .
وقال أبو بكر الصديق وقت وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسقيفة بني ساعدة : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر ، وأبا عبيدة .
وثبت من وجوه عن أنس ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ” .
قال محمد بن سعد : حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، قال عمر لجلسائه : تمنوا ، فتمنوا ، فقال عمر : لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح .
وسفيان الثوري : عن أبي إسحاق; عن أبي عبيدة قال : قال ابن مسعود : ” أخلائي من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاثة : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة ” .
وفي ” الزهد ” لابن المبارك : حدثنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قدم عمر الشام ، فتلقاه الأمراء والعظماء ، فقال : أين أخي أبو عبيدة ؟ قالوا : يأتيك الآن . قال : فجاء على ناقة مخطومة بحبل ، فسلم عليه ، ثم قال للناس : انصرفوا عنا . فسار معه حتى أتى منزله ، فنزل عليه ، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال له عمر : لو اتخذت متاعا ، أو قال شيئا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا سيبلغنا المقيل .
قال ابن وهب : حدثني عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن عمر حين قدم الشام ، قال لأبي عبيدة : اذهب بنا إلى منزلك ، قال : وما تصنع عندي ؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي . قال : فدخل ، فلم ير شيئا ، قال : أين متاعك ؟ لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا ، وأنت أمير ، أعندك طعام ؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة ، فأخذ منها كسيرات ، فبكى عمر ، فقال له أبو عبيدة : قد قلت لك : إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين ، يكفيك ما يبلغك المقيل . قال عمر : غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة .
أخرجه أبو داود في ” سننه ” من طريق ابن الأعرابي .
وروى ابن المبارك في ” الزهد ” ، قال : أنبأنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن غنم ، عن حديث الحارث بن عميرة قال : أخذ بيدي معاذ بن جبل ، فأرسله إلى أبي عبيدة ، فسأله كيف هو ؟ وقد طعنا ، فأراه أبو عبيدة طعنة ، خرجت في كفه ، فتكاثر شأنها في نفس الحارث ، وفرق منها حين رآها ، فأقسم أبو عبيدة بالله : ما يحب أن له مكانها حمر النعم .
قال أبو حفص الفلاس : توفي أبو عبيدة في سنة ثمان عشرة ، وله ثمان وخمسون سنة ، وكان يخضب بالحناء ، والكتم وكان له عقيصتان . وقال كذلك في وفاته جماعة ، وانفرد ابن عائذ ، عن أبي مسهر أنه قرأ في كتاب يزيد بن عبيدة ، أن أبا عبيدة توفي سنة سبع عشرة .
سير أعلام النبلاء | الذهبي