تواضع أبو بكر الصديق
لقد كان الخلفاء الراشدون على أعلى مثل من التواضع، إذ كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب أغنام الحي الذي يقيم فيه وهو السنح، فلما بويع بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منايح (أغنام) دارنا، فسمعها أبو بكر رضي الله عنه، فقال: بلى، لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكان يحلب لهن. وبقي على ذلك ما أقام في السنح، فلما انتقل إلى المدينة بعد ستة أشهر من توليه الخلافة ترك ذلك بالضرورة.
وكان أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، إذا سقط خطام ناقته ينزل ليأخذه، فيقال له: لو أمرتنا أن نناولكه، فيقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نسأل الناس شيئاً.
أبو بكر الصديق الخليفة التاجر
لقد كان أبو بكر، رضي الله عنه، رجلاً تاجراً يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع، فلما استخلف أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر، وأبو عبيدة فقالا: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمور المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ فقالا: انطلق معنا حتى نفرض لك شيئاً. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة.
وجاء في الرياض النضرة أن رزقه الذي فرضوه له خمسون ومائتا دينار في السنة وشاة يؤخذ منها بطنها ورأسها وأكارعها، فلم يكن يكفيه ذلك وعياله، وكان قد ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت مال المسلمين، فخرج إلى البقيع فتصافق (بايع)، فجاء عمر، رضي الله عنه، فإذا هو بنسوة جلوس، فقال: ما شأنكن؟ قلن: نريد خليفة رسول الله، فانطلق يطلبه فوجده في السوق، فأخذه بيده فقال: تعال ها هنا. فقال: لا حاجة لي في إمارتكم، رزقتموني مالا يكفيني وعيالي. قال: فإنا نزيدك. قال أبو بكر: ثلاثمائة دينار والشاة كلها ،قال عمر: أما هذا فلا! فجاء علي، رضي الله عنه، وهما على حالهما تلك، قال: أكملها له. قال ترى ذلك؟ قال: نعم، قال: قد فعلنا. قال أبو بكر: أنتما رجلان من المهاجرين لا أدري أيرضى بها بقية المهاجرين أم لا؟ وانطلق أبو بكر، رضي الله عنه، فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس فقال: أيها الناس إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ مني بطنها، ورأسها وأكارعها، وإن عمر وعلياً أكملا لي ثلاثمائة دينار والشاة. أفرضيتم؟ قال المهاجرون: اللهم نعم قد رضينا. فقال أعرابي من جانب المسجد: لا والله ما رضينا فأين حق أهل البادية؟ قال أبو بكر: إذا رضي المهاجرون شيئاً فإنما أنتم تبع.
صفات أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
قالت عائشة، رضي الله عنها: كان أبيض، نحيفاً، خفيف العارضين، أجناً (منحنياً) لا يستملك إزاره، يسترخي عن حقويه (كشحيه) – والكشح عند الخاصرة – معروق الوجه، غائر العينين، نائي الجبهة، عاري الأشاجع.
الأشاجع: هِيَ مفاصل الأصابع، واحدها أشجع، أَي كان اللحم عليها قليلاً، وقيل: هُوَ ظاهر عصبها.
وقيل: الأَشاجع رؤوس الأَصابع الَّتِي تتصل بعصب ظاهر الكف، وقيل: الأَشاجع عُروق ظاهر الْكَفِّ.
الصديق قبل الإسلام
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، نسابة قريش، يقول ابن هشام في السيرة النبوية: كان أبو بكر، رضي الله عنه، أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاركاً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر : لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته .
وكان تاجراً يرتحل إلى البلاد، ودخل بصرى الشام، وكان مع أبي طالب في قافلته إلى الشام، وكان رأسماله جيداً، كريماً، فكان ينفق من ماله في كرمه وعلى أصدقائه، إذ كانت قريش تحبه، ويستشيره رجالها.
الصّديق في الجاهلية لاخمرة ولا سجود لصنمٍ قطّ؛
حرّم أبو بكر الصديق على نفسه الخمرة فلم يشربها قط لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وذلك أنه مرّ وهو في الجاهلية برجل سكران يضع يده في العَذِرة يدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صدف عنها، فحرمها أبو بكر على نفسه. وأخرج أبو نعيم بسند جيد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لقد كان حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية».
لم يسجد أبو بكر رضي الله عنه لصنم قط، قال رضي الله عنه، في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشمّ العوالي وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يجبني، فقلت: إني عار فاكسني فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه.
الصّديق في الجاهلية خدن النبي صلى الله عليه وسلم ومستودع سره؛
وكان خدناً للنبي وصفياً له قبل البعثة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الوحي إذا برز سمع من يناديه: يا محمد! فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فأسر ذلك إلى أبي بكر.
أبو بكر الصديق في الإسلام “مُدّ يدك فإني مبايعك”!
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر، رضي الله عنه، صديقاً له، فلما بعث انطلق رجال قريش إلى أبي بكر، فقالوا: يا أبا بكر، إن صاحبك…. قال: وما شأنه؟ قالوا: هو ذاك في المسجد يدعو إلى عبادة إله واحد، ويزعم أنه نبي! قال أبو بكر، رضي الله عنه: وقال ذاك؟ قالوا: نعم. فأقبل أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فطرق عليه الباب فاستخرجه، فلما ظهر له قال: يا أبا القاسم ما الذي بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني يا أبا بكر؟ قال: بلغني أنك تدعو إلى توحيد الله، وزعمت أنك رسول الله، قال: يا أبا بكر، إن ربي جعلني بشيراً ونذيراً، وجعلني في دعوة إبراهيم، وأرسلني إلى الناس جميعاً، قال أبو بكر، رضي الله عنه: والله ما جربت عليك كذباً، وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك، وصلتك لرحمك، وحسن فعالك، مُدّ يدك فإني مبايعك.
أبو بكر الصديق في الإسلام رفيق السّفر والحضر والغار؛
أخرج أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حكمت في الإسلام أحداً إلا أبى عليّ، وأرجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة، فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه»
وصحب أبو بكر، رضي الله عنه، النبي عليه الصلاة والسلام، من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفراً ولا حضراً، إلا فيما أذن له عليه الصلاة والسلام في الخروج فيه من حج وغزو، وشهد معه المشاهد كلها، وهاجر معه، وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله ، وهو رفيقه في الغار، قال تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ﴾ ، وقام بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع، وله الآثار الجميلة في المشاهد، وثبت يوم أحد، ويوم حنين، ويوم فر الناس.
أبو بكر الصديق في الإسلام
لم يشتهر بعدد الذين يقتلهم من الأعداء أو يأسرهم من الخصوم!
وكان رضي الله عنه من أشجع الناس، يثبت في المعارك كالجبال الرواسي لا يحيد خطوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدافع عنه، ويذود، ولذا لم تكن له تلك الحركة والصولة بين صفوف الأعداد كما يفعل بعض الصحابة أمثال حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وأبي دجانة رضي الله عنهم جميعاً. ومن هنا لم تظهر شهرته أمثالهم إذ يذكر الشجعان بعدد الذين يقتلونهم من الأعداء أو يأسرونهم من الخصوم، ويختلف عنهم أبو بكر، رضي الله عنه، إذ يبقى بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدافع عنه بكل شجاعة، ويتلقى الضربات عنه.
إنفاق أبا بكر رضي الله عنه
كان أبو بكر، رضي الله عنه، كريماً سخياً، وقد أنفق جل ماله في سبيل الله ورسوله، وقد نزلت في حقه: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر». فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟
وقد كان ماله يوم أسلم أربعين ألف دينار أنفقها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق منها يوم الهجرة إلا خمسة آلاف.
وأخرج أبو داود، والترمذي عن عمر بن الخطاب، قال: أمرنا رسول الله، عليه الصلاة والسلام أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي قلت: اليوم أسبق أبا بكر – إن سبقته يوماً ـ فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟ قلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسبقه في شيء أبداً.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه إلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر».
إسلام كبار الصحابة على يد الصديق رضي الله عنه
أسلم عدد من كبار الصحابة على يد أبي بكر، رضي الله عنه، ومنهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله وذلك في بدء الدعوة، بل كان هؤلاء من أول من أسلم، ثم تبعهم عثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجراح، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد
المخزومي.
وابتنى أبو بكر بفناء داره مسجداً، يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيجتمع عليه الناس ويستمعون إلى قراءته وصلاته وبكائه، فكان ذلك سبباً في إسلام كثيرين.
إسلام كبار الصحابة على يد الصديق رضي الله عنه
أسلم عدد من كبار الصحابة على يد أبي بكر، رضي الله عنه، ومنهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله وذلك في بدء الدعوة، بل كان هؤلاء من أول من أسلم، ثم تبعهم عثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجراح، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد
المخزومي.
وابتنى أبو بكر بفناء داره مسجداً، يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيجتمع عليه الناس ويستمعون إلى قراءته وصلاته وبكائه، فكان ذلك سبباً في إسلام كثيرين.
إعتاق أبو بكر رضي الله عنه للعبيد
كان أبو بكر، رضي الله عنه، إذا مرّ على أحد من العبيد يُعذّب اشتراه من سادته وأعتقه ابتغاء وجه ربه الأعلى: اشترى عامر بن فهيرة من سيده الطفيل بن عبد الله بن الحارث وأعتقه.
واشترى أبو بكر، رضي الله عنه، بلال بن رباح، وكان من قبل مولى لأمية بن خلف الجمحي الذي أذاقه العذاب المر، وقد اشترى أبو بكر بلالاً بخمس أواق من الذهب وبعد أن اشتراه قال أمية بن خلف لأبي بكر: لو أبيت إلا أوقية لبعناك، فقال أبو بكر: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته.
واشترى أبو بكر رضي الله عنه، زنيرة، وكانت أمة عمر بن الخطاب قبل أن يسلم وكان يعذبها ويضربها – وكانت قد أسلمت ـ، فأعتقها
واشترى جارية كانت أمة في بني عدي قوم عمر بن الخطاب، وقد أسلمت، وأعتقها.
واشترى أمة في بني عبد شمس، وكانت تدعى أم عبيس وأعتقها.
دفاع الصديق عن رسول الله ﷺ
كان أبو بكر، رضي الله عنه، أكثر من دافع عن رسول الله ﷺ، قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لما كان بعد وفاة أبي بثلاثة أيام اجتمعت قریش تريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلمﷺ، فلم يعنه يومئذ إلا أبو بكر. ولأبي بكر يومئذ ضفيرتان، فأقبل يجادل هذا، ويدفع هذا ويقول: «أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم». والله إنه لرسول الله. وتقطعت في ذلك اليوم إحدى ضفيرتي أبي بكر.
الصدّيق يرد إلى ابن الدغنة جواره، ويرضى بجوار الله عز وجل
أخرج البخاري عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار: بكرة وعشياً. فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد، لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض: وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج، ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع..
فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا رجلاً بكاء، لا يملك عينه إذ قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره..، فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن، فسله أن يرد إليك ذمتك..
فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر، قال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي، ..قال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.
صحبة الصديق لرسول الله ﷺ في الهجرة
كان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ﷺ في الهجرة، فيقول له: فإني أرجو أن يؤذن لي. قال أبو بكر: وترجو ذلك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال : نعم. فحبس أبو بكر نفسه لصحبة رسول الله ﷺ، وعلف ناقتين كانتا عنده.
وجاء الإذن لرسول الله ﷺ بالهجرة إلى المدينة، فأتى دار أبي بكر، رضي الله عنه، وأخبره بمجيء الإذن من السماء بالهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال: نعم، فبكى أبو بكر من شدة الفرح.
وسار رسول الله ﷺ وصديقه باتجاه غار ثور، وكان أبو بكر يمشي أثناء الطريق تارة أمام رسول الله، وتارة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له: ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك! قال: يا رسول الله: أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك.
ودخل أبو بكر، رضي الله عنه، الغار قبل رسول الله ﷺ، فسوى أرضه، ووجد فيه ثقوباً، فشق إزاره وسد تلك الثقوب، إلا أنه بقي اثنان منها، ثم قال لرسول الله ﷺ: ادخل.
فدخل رسول الله ﷺ، فجلس أبو بكر وقد سد الثقبين برجله، وطلب من رسول الله أن ينام على رجله، فوضع النبي رأسه في حجر أبي بكر ونام. فلدغت حشرة أبا بكر في رجله من الثقب، فلم يتحرك مخافة أن يتأذى رسول الله أو يتنبه، إلا أن الألم قد أبكاه وسقطت دموعه على وجه رسول الله ﷺ، فقال: مالك يا أبا بكر؟ قال: لدغت فداك أبي وأمي، فتفل له رسول الله على مكان اللدغ فذهب عن أبي بكر ما يجد من الألم.
شجاعة الصديق رضي الله عنه
يوم بدر استشار رسول الله له أصحابه فتكلم أبو بكر، رضي الله عنه، فأجاد، ويوم كانت المعركة، كان رضي الله عنه شاهراً سيفه يذود عن رسول الله ﷺ. وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يوماً، وهو في جماعة من الناس: من أشجع الناس؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين، قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أشجع الناس أبو بكر: لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله ﷺ عريشاً، وقلنا: من يكون مع النبي ﷺ لئلا يصل إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحد، إلا أبو بكر شاهراً السيف على رأس رسول الله ﷺ.
وكان عبد الرحمن بن أبي بكر يوم بدر من المشركين، فقال مرة لأبيه بعد أن أسلم: لقد أهدفت لي يوم بدر، فطفت عنك ولم أقتلك. فقال: لكنك لو أهدفت لي لم أطف عنك، أي لم يكن أبو بكر، رضي الله عنه، لتأخذه عاطفة الأبوة فيعدل عن قتل ابنه، إنه الإسلام، ..لن تكون مودة أبداً بين المسلمين والمشركين مهما كانت الصلات المادية في هذه الحياة الدنيا. قال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾
وثبت أبو بكر، رضي الله عنه، ثبوت الجبال يوم أحـد حـول رسول الله ﷺ يدافع عنه.
عفو الصديق عن الناس طمعا في عفو الله
وكانت غزوة بني المصطلق، وكان فيها حديث الإفك الذي افتري فيه على عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، ثم جاءت براءتها. وكان أبو بكر، رضي الله عنه، ينفق على مسطح بن أثاثة، وكان من الذين اشتركوا في حديث الإفك أو خاضوا فيه، فقال أبو بكر: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، ولا أنفق بنفع بعد الذي قال لعائشة، وأدخل علينا ما أدخل، فأنزل الله عز وجل في ذلك: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فقال أبو بكر، رضي الله عنه: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فأرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.
صدق وقوة يقين الصديق، رضي الله عنه
شعر المسلمون ببعض الانقباض من صلح الحديبية، ومنهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فقلت: یا رسول الله! ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: وألست كنت تحدثنا أننا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: أو أخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر! أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلی. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أيها الرجل! إنه رسول الله وليس يعصيه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق. قلت: أو ليس كان يحدثنا أننا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: أفأخبرك أنك تأتيه هذا العام؟ قلت: لا. قال: فإنه آتيه ومطوف به. فكانت أجوبته رضي الله عنه تشبه إجابة رسول الله ﷺ.
إصرار رسول الله ﷺ على إمامة أبي بكر
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لما ثقل رسول الله ﷺ جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس (قالت) فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف (سريع الحزن والبكاء)، وإنه متى يقم مقامك، لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر،
فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، (قالت) فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر. فقالت له،
فقال رسول الله ﷺ: إنكن أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، (قالت) فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله ﷺ من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض (قالت): فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه فذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله ﷺ أقم مكانك، فجاءه رسول الله ﷺ حتى جلس عن يسار أبي بكر قالت: فكان رسول الله ﷺ يصلي بالناس جالساً وأبو بكر
قائماً. يقتدي أبو بكر بصلاة النبي ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر.
حكمة الصديق، رضي الله عنه
على الرغم من قصر مدة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إذ لم تزد على سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، إلا أنها كانت مليئة بالأعمال الجليلة التي تحتاج إلى السنوات الطوال لإنجازها ولترسيخ معاني الإسلام في قلوب أبنائه إلا أن تطبيقه العلمي وإصراره على ما اعتقد، كل ذلك كان يدل على وعي تام بالإسلام وعزيمة ثابتة راسخة كالجبال بالإيمان، وهذه الأمور هي التي رسخت دعائم الإسلام، ووطدت أركانه، لذا يعد رضي الله عنه هو الذي أرسى الدعائم، وأثبت المفاهيم وكان رضي الله عنه بعيد النظر في الأمور كلها، واسع الأفق.
حفاظ الصديق، رضي الله عنه، على عُقد الإسلام
لما انتشر خبر وفاة رسول الله ﷺ أعلنت بعض القبائل العربية ارتدادها، وصرّحت بنبوءتهم وليت الأمر اقتصر على ذلك بل إن أكثر قبائل العرب قد أظهرت نفاقها وأعلنت عودتها إلى الجاهلية، ولم يسلم من ذلك سوى مدن المدينة المنورة، ومكة المكرمة، والطائف، وما أن قام أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بالأمر حتى أرسلوا رسلهم إليه، يطلبون منه أن يعفيهم من الزكاة، وظنوا أنه سيوافق على ذلك، ما دام الأمر لا يشمل إلا جزءاً صغيراً ومادياً، ولم تكن الناحية المادية ليهتم بها المسلمون ذلك الاهتمام الذي يجعلهم يقاتلون بسبب ذلك، ولم يعلم المنافقون من الأعراب أن الزكاة ركن من أركان الإسلام لا يمكن التساهل به أبداً، إذ أن التساهل به نسف للمبدأ كله فالإسلام نظام متكامل لا يمكن أن يطبق جزء منه ويترك جزء، وأيقنوا أن كثرتهم وقوتهم بجانب قلة وضعف جند المدينة سيضطر أبا بكر للموافقة على مطلبهم، وبذلك يتخلصون من الزكاة التي يعدونها لجهلهم ضريبة ولكن ظنهم قد خاب، فأبو بكر، رضي الله عنه، كان أقوى في إيمانه من أن يحل عقدة من الإسلام، أو يسكت على انتهاك ركن من أركانه ما دام فيه عرق ينبض. وأعلن أبو بكر، رضي الله عنه أنه سيقاتلهم وكان في الوقت نفسه قد أصرّ على إنفاذ جيش أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، وهنا كانت المعضلة الكبرى، وكانت قوة الصديق في إيمانه هي التي حلت المعضلة، وأنهت
المشكلة.
حكمة أبو بكر الصّديق، رضي الله عنه، في قتال مانعي الزكاة:
كان المرتدون فريقين أولهما قد سار وراء المتنبئين الكاذبين أمثال مسيلمة، وطليحة، والأسود، وآمنوا بما يقول هؤلاء الكذابون، وثانيهما بقي على إيمانه بالله، وشهادته بنبوة محمد ﷺ وإقام الصلاة، إلا أنه قد رفض تأدية الزكاة، وعدّها ضريبة يدفعها مكرهاً، وقد أرسل هذا الفريق الثاني وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة رسول الله، وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة، عدا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد وافق عدد من كبار المسلمين على قبول ما جاءت به رسل الفريق الثاني، وناقشوا في ذلك الأمر، أبا بكر، ومنهم عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، إلا أن أبا بكر، رضي الله عنه، قد رفض منهم ذلك، وقال قولته المشهورة: «والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لجاهدتهم عليه».
حرص الصديق، رضي الله عنه، على تنفيذ وصايا رسول الله ﷺ
بينما كان الجيش (جيش أسامة) يستعد، ويتجهز إذ مرض رسول الله مرضه الذي توفاه الله فيه، ولم يخرج آخر جندي من المدينة إلا والتحق رسول الله ﷺ بالرفيق الأعلى فتوقف أسامة بالجيش، فلما بويع أبو بكر، رضي الله عنه، بالخلافة، ومضى ثلاثة أيام على وفاة رسول الله ﷺ أمر أبو بكر الجيش بالحركة والسير إلى الجهة التي أمره رسول الله ﷺ.
فقال أسامة لعمر بن الخطاب: ارجع إلى خليفة رسول الله ﷺ فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس، ولا آمن على خليفة رسول الله ﷺ.. وقال الأنصار: فإن أبى إلا أن يمضي فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة. وما كانوا يعلمون أن أبغض شيء على أبي بكر أن يخالف أمراً من أوامر رسول الله ﷺ مهما كانت الظروف، ومهما كانت النتائج.
خرج عمر بن الخطاب بأمر أسامة وجاء إلى أبي بكر فأخبره، فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله ﷺ قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك، وإنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة؛ فوثب أبو بكر فأخذ بلحية عمر، فقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله ﷺ وتأمرني أن أنزعه!
ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم، وهو ماش، وأسامة راكب، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، والله لتركبن أو لأنزلن! فقال: والله لا تنزل ووالله لا أركب! وما عليّ أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعةً، فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له، وسبعمائة درجة ترتفع له، وترفع عنه سبعمائة خطيئة!
وفي إرسال جيش أسامة ما يدل على قوة إيمان أبي بكر، رضي الله عنه، ومحاولة تنفيذه لما أوصى رسول الله ﷺ مهما كانت النتائج، وهو
يعتقد أن النتائح لا تكون إلا خيراً ما دام رسول الله قد أمر بذلك.
وفي إرسال هذا الجيش قوة معنوية كبيرة للمسلمين، وإضعاف واضح لمعنويات المنافقين والمرتدين الذين شعروا أن لدى المسلمين على الأقل قوة معنوية كبيرة جداً، ولو لم يكن ذلك لما تم إرسال هذا الجيش إلى تلك المناطق النائية التي تقع على أطراف الجزيرة العربية وحتى خارج نطاقها أيضاً، ولم يخشوا أبداً ما يتهدد المدينة من الخارجين على حكمها، والذين يحيطون بها من كل جانب.
القائد أبو بكر الصديق، رضي الله عنه يواسي الصحابة بنفسه
رجع جيش أسامة غانماً ظافراً، فاستخلف أبو بكر أسامة بن زيد على المدينة، وقال له: أريحوا وأريحوا ظهركم، ثم خرج في الذين خرجوا إلى (ذي القصة) والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله، ألّا تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامكم أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن أصيب أمرت آخر، وجاء علي بن أبي طالب بزمام راحلته وقال له: أقول لك ما قال لك رسول الله ﷺ يوم أحد: شمّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة. فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً فقال: لا والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي. فخرج إلى (ذي الحسى) و (ذي القصة)، ثم نزل أبو بكر بمن معه على الربذة بالأبرق، وقاتل المنافقين وغلبهم، فولّوا الأدبار، ورجع أبو بكر إلى المدينة، وجاءت صدقات كثيرة إلى المسلمين تزيد على حاجاتهم، وكان جند أسامة قد أخذوا الراحة المطلوبة، فعقد أبو بكر أحد عشر لواء لقتال المرتدين في كل أنحاء الجزيرة العربية.
القائد أبو بكر الصديق، رضي الله عنه يواسي الصحابة بنفسه
رجع جيش أسامة غانماً ظافراً، فاستخلف أبو بكر أسامة بن زيد على المدينة، وقال له: أريحوا وأريحوا ظهركم، ثم خرج في الذين خرجوا إلى (ذي القصة) والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله، ألّا تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامكم أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن أصيب أمرت آخر، وجاء علي بن أبي طالب بزمام راحلته وقال له: أقول لك ما قال لك رسول الله ﷺ يوم أحد: شمّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة. فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً فقال: لا والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي. فخرج إلى (ذي الحسى) و (ذي القصة)، ثم نزل أبو بكر بمن معه على الربذة بالأبرق، وقاتل المنافقين وغلبهم، فولّوا الأدبار، ورجع أبو بكر إلى المدينة، وجاءت صدقات كثيرة إلى المسلمين تزيد على حاجاتهم، وكان جند أسامة قد أخذوا الراحة المطلوبة، فعقد أبو بكر أحد عشر لواء لقتال المرتدين في كل أنحاء الجزيرة العربية.
خطبة الصدّيق رضي الله عنه بعد توليه الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما بويع أبو بكر، رضي الله عنه، بالخلافة، ومضى ثلاثة أيام على وفاة رسول الله ﷺ،.. قام بالناس، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «يا أيها الناس إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله ﷺ يطيق، إن الله اصطفى محمداً على العالمين وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني، وإن رسول الله ﷺ قُبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها؛ ألا وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني، لا أؤثر في شعاركم وأبشاركم وأنتم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه! فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلموا آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قوماً نسوا آجالهم، وجعلوا أعمالهم لغيرهم، فإياكم أن تكونوا أمثالهم، الجد الجد! والوحا الوحا، والنجاء النجاء! فإن وراءكم طالباً حثيثاً، أجلاً مره سريع. احذروا الموت. واعتبروا بالآباء والأبناء والإخوان، ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات».
الصديق يستشير أصحابه في اختيار من يخلفه
شعر أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بشيء من الراحة النفسية بعد أن قضى على المرتدين، وانطلقت الفتوحات في كل الجهات، وتحطمت كبرياء الدولتين الكبريين اللتين كانتا تقفان في وجه الدعوة، وتدعمان المرتدين وتستنفران قواتهما ومن والاها من العرب المتنصرة، كل ذلك في سبيل القضاء على الفكرة الجديدة، وفي الوقت نفسه، فقد شعر أن مهمته في الحياة قد انتهت، فقد توطد الأمر، وثبت كيان الإسلام، وسيتابع الأمر الخلفاء من بعده، كما زاد شعوره في هذا الأمر أن سنه قد اقترب من سن حبيبه ورسوله محمد ﷺ عندما فارق الحياة الدنيا، وانتقل إلى الرفيق الأعلى. كما شعر أن استخلاف رجل من بعده وهو على قيد الحياة، يجنب المسلمين الكثير من الصعاب وقد أشفق عليهم أن يختلفوا، ويزهد في هذا المنصب أهله، ويبتعد عنه من يستحقه، وقد تداعى إلى ذهنه ما حدث عند وفاة رسول الله ﷺ عندما لم يخطر على بال المسلمين وفاة نبيهم، وحين ثقل عليهم مصابهم، والأمر لا بد له من خليفة يطبق منهج الله في الأرض. إذن لا بد من استخلاف رجل يخلفه، ولا بد من الاستشارة، ولاح في ذهنه أولئك الصحابة الذين كان رسول الله ﷺ يستشيرهم، وكبرت في نفسه شخصية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومواقفه في الإسلام، وقوته في الحق، وهيبته في النفوس، ونظرة المسلمين إليه، ولكن كان لا بد من أخذ رأيهم واستشارتهم، ولو كان الأمر منهم لكان أفضل.
وشعر أبو بكر بالمرض، واشتد عليه، وثقل فجمع عدداً من الصحابة المعروفين الذين كان رسول الله ﷺ يشاورهم في الأمر، وقال لهم: إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميتاً لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ عنكم عقدتي، وردّ عليكم أمركم، فأمّروا عليكم من أحببتم.
..فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، قال: فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده.
الصديق يستشير أصحابه في اختيار من يخلفه
شعر أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بشيء من الراحة النفسية بعد أن قضى على المرتدين، وانطلقت الفتوحات في كل الجهات، وتحطمت كبرياء الدولتين الكبريين اللتين كانتا تقفان في وجه الدعوة، وتدعمان المرتدين وتستنفران قواتهما ومن والاها من العرب المتنصرة، كل ذلك في سبيل القضاء على الفكرة الجديدة، وفي الوقت نفسه، فقد شعر أن مهمته في الحياة قد انتهت، فقد توطد الأمر، وثبت كيان الإسلام، وسيتابع الأمر الخلفاء من بعده، كما زاد شعوره في هذا الأمر أن سنه قد اقترب من سن حبيبه ورسوله محمد ﷺ عندما فارق الحياة الدنيا، وانتقل إلى الرفيق الأعلى. كما شعر أن استخلاف رجل من بعده وهو على قيد الحياة، يجنب المسلمين الكثير من الصعاب وقد أشفق عليهم أن يختلفوا، ويزهد في هذا المنصب أهله، ويبتعد عنه من يستحقه، وقد تداعى إلى ذهنه ما حدث عند وفاة رسول الله ﷺ عندما لم يخطر على بال المسلمين وفاة نبيهم، وحين ثقل عليهم مصابهم، والأمر لا بد له من خليفة يطبق منهج الله في الأرض. إذن لا بد من استخلاف رجل يخلفه، ولا بد من الاستشارة، ولاح في ذهنه أولئك الصحابة الذين كان رسول الله ﷺ يستشيرهم، وكبرت في نفسه شخصية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومواقفه في الإسلام، وقوته في الحق، وهيبته في النفوس، ونظرة المسلمين إليه، ولكن كان لا بد من أخذ رأيهم واستشارتهم، ولو كان الأمر منهم لكان أفضل.
وشعر أبو بكر بالمرض، واشتد عليه، وثقل فجمع عدداً من الصحابة المعروفين الذين كان رسول الله ﷺ يشاورهم في الأمر، وقال لهم: إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميتاً لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ عنكم عقدتي، وردّ عليكم أمركم، فأمّروا عليكم من أحببتم.
..فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، قال: فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده.
دعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال له: ما تسألني عنه أمراً إلا وأنت أعلم به مني. فقال له: وإن، فقال عبد الرحمن: هو أفضل من رأيك فيه.
ثم دعا عثمان بن عفان، فقال له مثل ذلك، فقال: علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك.
ثم دعا أسيد بن حضير فقال له مثل ذلك، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضا، ويسخط للسخط، والذي يسرّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وكذلك استشار سعيد بن زيد وعدداً من الأنصار والمهاجرين، وكلهم تقريباً كانوا برأي واحد في عمر إلا رجل خاف من شدته، وقد عاتبه بعضهم باستخلافه فقال أبو بكر: لا والله ولا نعمة عين، هو والله خير لكم، والله لو وليتك لجعلت أنفك في السماء ولرفعت نفسك فوق قدرك حتى يكون الله هو الذي يضعك، تريد أن تردني عن رأيي وتفتني في ديني؟ فوالله لئن بلغني أنك عصيته أو ذكرته بسوء لأفعلن ولأفعلن… ثم دخل على أبي بكر عثمان، وعلي، فقال لهما مباشرة: لعلكما تقولان في عمر ما قال فلان آنفاً؟
قالا: وماذا قال يا خليفة رسول الله؟
قال : زعم أن عمر أحدثكم إسلاماً و….
فقال عثمان، رضي الله عنه : بئس لعمر الله ما قال فلان، عمر بحيث يحب من قوته مع سابقته.
وقال علي، رضي الله عنه : بئس ما قال، عمر عند ظنك به، ورأيك فيه، فامض لما تريد..
ودخل بعض الصحابة على أبي بكر وقد علموا باستشارته في عمر، فقال أحدهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته، وهو إذا ولي كان فظ وأغلظ؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، فلما جلس، قال: أبالله تخوفونني؟ خاف من تزوّد من أمركم بظلم. أقول: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك.
الصديق يستشير أصحابه في اختيار من يخلفه (2):
دعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال له: ما تسألني عنه أمراً إلا وأنت أعلم به مني. فقال له: وإن، فقال عبد الرحمن: هو أفضل من رأيك فيه.
ثم دعا عثمان بن عفان، فقال له مثل ذلك، فقال: علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك.
ثم دعا أسيد بن حضير فقال له مثل ذلك، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضا، ويسخط للسخط، والذي يسرّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وكذلك استشار سعيد بن زيد وعدداً من الأنصار والمهاجرين، وكلهم تقريباً كانوا برأي واحد في عمر إلا رجل خاف من شدته، وقد عاتبه بعضهم باستخلافه فقال أبو بكر: لا والله ولا نعمة عين، هو والله خير لكم، والله لو وليتك لجعلت أنفك في السماء ولرفعت نفسك فوق قدرك حتى يكون الله هو الذي يضعك، تريد أن تردني عن رأيي وتفتني في ديني؟ فوالله لئن بلغني أنك عصيته أو ذكرته بسوء لأفعلن ولأفعلن… ثم دخل على أبي بكر عثمان، وعلي، فقال لهما مباشرة: لعلكما تقولان في عمر ما قال فلان آنفاً؟
قالا: وماذا قال يا خليفة رسول الله؟
قال : زعم أن عمر أحدثكم إسلاماً و….
فقال عثمان، رضي الله عنه : بئس لعمر الله ما قال فلان، عمر بحيث يحب من قوته مع سابقته.
وقال علي، رضي الله عنه : بئس ما قال، عمر عند ظنك به، ورأيك فيه، فامض لما تريد..
ودخل بعض الصحابة على أبي بكر وقد علموا باستشارته في عمر، فقال أحدهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته، وهو إذا ولي كان فظ وأغلظ؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، فلما جلس، قال: أبالله تخوفونني؟ خاف من تزوّد من أمركم بظلم. أقول: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك.
التاريخ الإسلامي | الخلفاء الراشدون – محمود شاكر
خَطَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ:
“إنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ، فَبَكَى أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقُلتُ في نَفْسِي ما يُبْكِي هذا الشَّيْخَ؟ إنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو العَبْدَ، وكانَ أبو بَكْرٍ أعْلَمَنَا، قالَ: يا أبَا بَكْرٍ لا تَبْكِ، إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ.”رواه البخاري
عن الحَسَنِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لمَّا احتُضِر أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: يا عائشةُ، انظُري اللِّقحةَ (أي: النَّاقةُ الحَلوبُ) التي كنا نشرَبُ من لبَنِها، والجَفنةَ (الجَفنةُ: القَصعةُ، وقيل: هي أعظَمُ ما يكونُ من القِصاعِ) التي كنَّا نَصطَبِحُ فيها، (اصطَبَح الرَّجُلُ: شَرِب صَبوحًا) والقطيفةَ التي كنَّا نلبَسُها، فإنَّا كنَّا ننتَفِعُ بذلك حين كنَّا في أمرِ المُسلِمين، فإذا مِتُّ فاردُديه إلى عُمَرَ، فلمَّا مات أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أرسَلَت به إلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: رَضِيَ اللهُ عنك يا أبا بكرٍ، لقد أتعَبْتَ من جاء بَعدَك!)
رواه الطبراني (1/60) (38). وثق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/234).