هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي، وأمها أروى بنت كريز بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم. بهذا النسب كانت أختًا لأم عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فهي نصف أخت عثمان من جهة الأم. نشأت في بيت من بيوت قريش ذوي المكانة والسطوة، لكنها مع ذلك آمنت بدعوة الإسلام في مكة قبل الهجرة، رغم أن أباها عقبة كان من ألدّ أعداء النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الذهبي في السير: «كانت من المهاجرات الفاضلات، وأمّها أروى بنت كريز، فهي أخت عثمان بن عفان لأمّه».
إسلامها وهجرتها
أسلمت أم كلثوم في وقت مبكر، ويُروى أنها كانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة النساء. لكن قصتها الأبرز هي الهجرة؛ فقد كانت أول امرأةٍ تهاجر وحدها من مكة إلى المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
خرجت أم كلثوم دون حماية عشيرة، متحديةً قيود المجتمع القرشي القاسي على من يتركون دين آبائهم. وصلت إلى المدينة ماشيةً حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنت هجرتها إليه.
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى:
«هاجرت أم كلثوم بنت عقبة في الهدنة بعد الحديبية، وكانت أول من هاجر من النساء بعد الهجرة».
سبب نزول آيات الامتحان
قصة أم كلثوم كانت سببًا مباشرًا في نزول قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة: 10].
كان ذلك عندما جاء أخوها الوليد بن عقبة وآخرون من قريش يطالبون النبي صلى الله عليه وسلم بردّها وفق بنود صلح الحديبية، التي نصّت على إعادة من يأتي مسلمًا من قريش. لكن الوحي استثنى النساء المؤمنات من هذا الشرط، فثبتت مكانة أم كلثوم كمثال تاريخي مؤسس.
ذكر الطبري وابن كثير وغيرهما أن هذه الآية نزلت في شأنها.
حياتها في المدينة
بعد هجرتها، استقرّت أم كلثوم في المدينة، فكانت من نساء الصحابة المشهورات. روى عنها بعض المحدثين، كما حفظت الأجيال قصتها في صدر الإسلام كأيقونة للشجاعة.
وقد ذكر أهل السير أنها تزوجت أربعة من خيارهم على الترتيب التالي:
زيد بن حارثة رضي الله عنه – مولى رسول الله ﷺ والمحبوب عنده. تزوجها أولًا، ثم تُوفي عنها.
ثم تزوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه – أحد العشرة المبشرين بالجنة – فولدت له بنتًا اسمها زينب.
ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه – الصحابي الغني السخي، أحد العشرة المبشرين بالجنة – فولدت له إبراهيم وحميدًا.
وبعد وفاة عبد الرحمن بن عوف، تزوجها عمرو بن العاص رضي الله عنه – القائد الفاتح لمصر .
فتزوجت رضي الله عنها أربعة من كبار الصحابة الذين كان لهم أثر عظيم في تاريخ الإسلام
أثرها ورمزيتها
في التشريع: ارتبطت قصتها بآيات قرآنية وضعت أحكامًا فاصلة في معاملة المهاجرات المؤمنات، فأصبحت سيرتها جزءًا من النصوص الشرعية.
في التاريخ الاجتماعي: مثال على أن المرأة المسلمة في صدر الإسلام لم تكن متلقية سلبية، بل فاعلة ومبادرة، حتى في أحلك الظروف.
في الذاكرة الإسلامية: ظل اسمها يتكرر في كتب الطبقات والتراجم عند الحديث عن النساء المجاهدات بالهجرة.
قال الذهبي في السير:
«أم كلثوم بنت عقبة، من المهاجرات اللواتي امتحن الله قلوبهن للإيمان، فثبتن على دينهن».
وفاة أم كلثوم
لم يُذكر بالتفصيل تاريخ وفاتها، لكن المصادر تشير إلى أنها عاشت في المدينة المنورة إلى ما بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وظلت معروفة بين الصحابة بفضل قصتها وهجرتها.
أم كلثوم بنت عقبة ليست مجرد اسم في سجل الصحابيات، بل امرأة جسّدت قرارًا فرديًا بطوليًا: تركت بيتها وعائلتها القوية في قريش لتلتحق بجماعة المؤمنين في المدينة. قصة هجرتها لم تكن حدثًا شخصيًا فحسب، بل تحوّلت إلى قدوة تخلّد سيرتها ذكرها وتدلّ على حكم شرعي. وهكذا، أصبحت أم كلثوم رمزًا لقوة الحق والإيمان، تذكّرنا أن التاريخ الإسلامي صاغته أيضًا تضحيات النساء.
المراجع
ابن سعد، الطبقات الكبرى (باب: ذكر من هاجر من النساء).
الذهبي، سير أعلام النبلاء (ترجمة أم كلثوم بنت عقبة).
الطبري، تفسير الطبري (عند آية الممتحنة: 10).
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (الممتحنة).