من قادة النبي ﷺ: عَلْقَمة بن مُجَزِّز المُدْلِجِيّ القائد الشّهيد

نسبهُ وأيّامه الأولى

عَلقمة بن مُجَزّز بن الأعْوَر بن جَعدَة بن مُعاذ بن عتوارة بن عمرو بن مُدلِج بن مُرّة بن عبد مناة بن كِنانة الكِنانيّ المُدلِجِيّ .

أبوه : مجَزّز المُدلجيّ القائف ، وإنما قيل له : مجَزِّز ، لأنه كلما أسر أسيرا جزَّ ناصيته ، والذي سرَّ النّبي صلّى الله عليه وسلم بقيافته ، فقد روت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال : « ألم تَرَيْ أن مجزِّزاً مرّ على زيد بن حارثة وأسامة بن زيد قد غطّيا رءوسهما وبدت أقدامها ، فقال : هذه الأقدام بعضها من بعض » .

وأخوه : وقّاص بن مجزِّر ، قتل في غزوة (ذي قَرد) التي كانت في شهر ربيع الأول من السنة السادسة الهجريّة .

ووالد علقَمة وأخوه كانا مُسلِمَين ، ولكن لا ندري متى أسلم علقمة ومتى أسلم أبوه وأخوه ، إلا أن علقمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم الذين قتلوا أخاه في غزوة في قَرَد ليدرك ثأره فيهم ، مما يدل على أن إسلامه كان قبل شهر ربيع الأول من السنة السادسة الهجريّة ، فلا بد أن يكون إسلامه قد تمّ قبل فتح مكّة ، وقد أطلق بعض الرواة على علقمة أنصاريا بالمعنى الأعمّ ، وهذا دليل على أنه كان في المدينة مع الأنصار قبل فتح مكة .

ولم تذكر المصادر المعتمدة أنه تخلّف عن النّبي صلّى الله عليه وسلم في غزواته بعد إسلامه ، وإغفال ذكر ما شهده من غزوات ليس دليلاً على أنه لم يشهدها ، وبذلك نال علقمة شرف الصّحبة وشرف الجهاد تحت لواء النّبي صلّى الله عليه وسلم ، وقد اقتصرت المصادر على ذكر أنه شهد غزوة ذي قرد ، ولم تفصّل الغزوات الأخرى التي شهدها .

قائد السّرية إلى الحبشة

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن ناساً من الحبشة تراياهم أهل (جُدّة) ، فبعث في شهر ربيع الآخر من السنة التاسعة الهجريّة سرية مؤلفة من ثلاثمائة مجاهد بقيادة عَلقمة بن مُجَزّز المدلجيّ .

وانتهى علقمة بمن معه إلى جزيرة في البحر ، وقد خاض إلى الحبشة البحر ، فهربوا منه ، فرجع هو وأصحابه ولم يَلقَ كيداً .

وفي طريق عودة علقمة ، تعجّل بعض القوم إلى أهلهم ، فأذّن لهم ، فتعجّل عبد الله بن حُذافة السَّهميّ فيهم ، فأمّره على من تعجّل .

وكانت في عبد الله بن حُذافة دُعابة ، فنزل ببعض الطريق وأوقد ناراً يصطلون عليها ويصطنعون الطعام ، فقال للقوم: « أليسَ لي عليكم السّمع والطّاعة؟» ، قالوا : بلى! ، قال : « أفما أنا آمركم بشيءٍ إلا فعلتموه ؟»، قالوا : نعم! قال : « فإني أعزم عليكم بحقّي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار! » فقام بعض القوم يحتجر حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال لهم : « اجلسوا ، فإنما كنتُ أضحكَ معكم !» .

وذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أمركم منهم بمعصية ، فلا تُطيعوه» .

لقد كان الحبشة يعتبرون غزو البلاد العربية نزهة من النزهات ، فكان لهم شأن في اليمن ،وكان لهم شأن في مكة عام الفيل سنة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ( ٥٧١ م) ، وكان ذلك قبل الإسلام .

أما بعد الإسلام ، فقد أصبح الأمر مختلفاً جدا ، فلم يبق في بلاد العرب نفود أجنبي ، وما محاولة الحبشة في السنة التاسعة الهجرية التي تصدى لها علقمة ، إلا إحدى المحاولات التي باءت بالإخفاق الذريع .وكان علقمة أحد الحماة القادرين الذين تصدّوا للغزو الأجنبيّ ، فقنع الغزاة بدلا من الغنيمة بالهزيمة ومن الإستيطان بالإياب .

بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم

شهد علقمة معركة اليرموك الحاسمة التي كانت بقيادة خالد بن الوليد سنة ثلاث عشرة الهجرية .

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، قد سمّى لكلِّ أميرٍ من أمراء الشام كُوْرة ، فسمّى لأبي عبيدة بن الجرّاح حمص ، وليزيد بن أبي سفيان دِمَشق ، ولشُرْحِبيل بن حسنة الأردن ، ولعلقمة بن مجزِّر فلسطين ، فلما شارفوا الشام ، وهم مع كل أمير منهم جمع كثير ، فأجمع رأيهم أن يجتمعوا بمكان واحد ، وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين فخاضوا معركة اليرموك الحاسمة مجتمعين ، ولم يبقوا كما كانو متفرّقين ، ولولا اجتماعهم لما انتصروا أبدا .

وشهد معركة (الجابية) ، وهي التي فتحت أبواب دمشق للمسلمين ، وكان ذلك في سنة ثلاث عشرة الهجرية.

وحَصَر علقمة ب (غَزّة) الفِيقار ، وجعل يراسله ، فلم يشفه أحد بما يريد ، فأتاه كأنّه رسول علقمة فقال : « إن معي نفراً يشركونني في الرّأي ، فأنطلِقُ فآتيك بهم» ، وكان الفيقار قد بعث رجلا من رجاله يقف على الطريق ليقتله ، فبعث الفيقار إلى ذلك الرجل ألا يعرض له ، فخرج علقمة من عنده ، ولم يعد ، وكان ذلك سنة خمس عشرة الهجرية ، ففتح عمرو بن العاص في هذه السنة غزّة .

ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله من المدينة إلى بلاد الشام لفتح القدس التي يحاصرها المسلمون ، وفتحت القدس أبوابها للمسلمين ، واستسلم المدافعون عنها للمسلمين ، فرّق عمر فلسطين على رجلين : فجعل علقمة بن حكيم على نصف فلسطين (الشّماليّ) وأسكنه (الرّملة) وجعل علقمة بن مجزِّر على نصفها الآخر (الجنوب) وأسكنه (إيْلِيَاء) فأصبح علقمة واليا على جنوبي فلسطين وكانت عاصمته القدس ، وكان ذلك سنة خمس عشرة الهجرية .

وأصبح علقمة سنة سبع عشرة الهجرية على فلسطين كلها ، ويومها كان الوالي مسؤولا عن القضايا العسكريّة كمسؤوليته عن القضايا الإدارية ، فهو قائد ووالٍ في وقت واحد ، يؤدي واجبه الإداري في السّلام ، وينهض بأعباء القتال في الحرب .

الشّهيد

بقي علقمة عاملاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على حرب فلسطين ، وفي سنة عشرين الهجرية (٦٤٠م) بعث عمر علقمة إلى الحبشة ، وكانت قد تعرّضت ببلاد المسلمين فأصيب قسم من المسلمين ، وقد بعث عمر علقمة في البحر لحرب الحبشة ، فأصيب المسلمون في البحر ، وهلكوا كلهم ، فجعل عمر على نفسه أن لا يحمل في البحر أحداً للغزو من المسلمين فرثى حوّاس العذري علقمة فقال :

إنّ السّـلام وحسـن كلّ تحيّةٍ .. تغدو على ابن مجزِّزٍ

وتروح وهكذا انتهت مسيرة حياة علقمة في الجهاد لخدمة الإسلام والمسلمين بالشّهادة ، وكانت الشّهادة من أغلى أمانيه ، فتحقّقت أمنيته فضحّى بروحه دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.

وكان استشهاده سنة عشرين الهجرية (٦٤٠م) .

الإنسان والقائد

١ ـ كان علقمة أحد قادة النبي صلى الله عليه وسلم وأحد أمرائه ، وكان أحد عمّال أبي بكر الصّديق وقادته ، وكان أحد عمّال عمر بن الخطاب وقادته ، فكان موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده ، لم يتخلّوا عنه ، واستعانوا به في أعمالهم الإدارية والعسكرية وفي السّلم والحرب .

وكان جوّادًا ممدّحا ، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، ويكرم الضيوف ، ولا يرد عن بابه قاصدا له بل يحقق له أمله في عطائه ولا يردّه خائبا ، لذلك مدحه الشّعراء في حياته ورثوه بعد موته ، ولكن يبدو أن ما قيل فيه من الشعر قد ضاع في طيّات النسيان .

ومن الواضح أن علقمة كان رجل دولة بكل ما في هذا التعبير من معاني ، وهب كل طاقته الماديّة والمعنوية للمصلحة العامة وحدها ، فكأنّه لم يخلق إلا لخدمة المصلحة ناسياً مصلحته الذاتية في خضمّ مصلحة الإسلام والمسلمين ، ومصالح غيره من النّاس ، فلم يشغل نفسه بالحديث وروايته ، ولا رواية له في كتب الحديث ، وذكره جاء على لسان غيره لا على لسانه ، لهذا لم يكن لاسمه ذكر في المصادر المعنية بالحديث والمحدثين .

ولا نعلم متى ولد ، ولا متى أسلم ، والأضواء على حياته إنساناً لا تبدي من سماته شيئاً مذكوراً .

وحسبه شرفاً أنه نال شرف الصُّحبة وشرف الجهاد تحت لواء النّبي صلّى الله عليه وسلم وشرف قيادة سرية من سراياه ، وشرف العمل بإمرة الشّيخين ، أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما قائداً وإدارياً وهو شرف بدون شك عظيم .

٢ـ لقد قضى حياته كلها مجاهداً ، تارةً جنديًّا من جنود المسلمين ، وتارةً قادةً من قادتهم ، وفاضت روحه إلى خالقها في آخر لحظة من لحظات حياته ، ولا يزال السيف بيده ، فهو بدون شك ذا تجربة عملية على إدارة القتال وممارسته .

وتوليته القيادة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عهد الشيخين من بعده ، يدل على أنه كان عالماً بفنون القتال ، وهو بذلك قد حاز على مزيتين رئيستين من مزايا القائد المتميّز : العلم المكتسب ، التجربة العملية .

أما المزية الثالثة وهي : الطبع الموهوب ، فلا نستطيع إثباتها له ولا نفيها عنه ، فما خاض معارك حاسمة وأثبت وجوده فيها لنتبيّن له الطبع الموهوب ، كما أن حرمانه من خوض المعارك الحاسمة لسبب أو لآخر ، لا ينفي عنه هذه المزية .

وفي دراستي : قادة الفتح الإسلاميّ ، كان في نيتي إدخلل علقمة في بين قادة فتح الشام ، باعتباره أحد الذين تولّوا قيادة من قيادات بلاد الشام مع الرعيل الأول من القادة الذين ولّاهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه مناصب القيادة بعد انتهاء حروب الردّة وعودة الوحدة إلى العرب تحت لواء الإسلام .

ولكنّني لم أجد له فتحا كالذي وجدت لغيره ، فلم أدخله مع قادة فتح الشام ، فدخل مع قائمة قادة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب ، وهذا أجدى عليه من دخوله مع قائمة قادة الفتح ، فتزكية النبي صلى الله عليه وسلم له قائدا من قادة سراياه أهم من تزكية غيره له ، وهو شرف عظيم .

وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليولي رجلا من أصحابه منصب القيادة ، إلا إذا كان مستحقا لهذا المنصب استحقاقا لا مزيد عليه ، فقد كان عليه الصلاة والسلام ملتزماً بمبدأ : ( تولية الرّجل المناسب العمل المناسب)، التزاماً صارما ، ليعلّم أتباعه ضرورة الإلتزام بهذا المبدأ الحصيف ، وليكون قدوة حسنة لهم في كلِّ زمان ومكان .

وأدّى النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة وبلّغ الرّسالة ، وبقيت أعماله وأقواله سُنَّة للمسلمين ، سار عليها قسم منهم فأراحوا واستراحوا ، ولم يستطع أن يسير عليها قسم آخر فَدَمَّروا ودُمّروا ، وأتعبوا وتعبوا ، وقاد الذين اتبعوها بلادهم وأمّتهم إلى النصر ، وقاد الذين عجزوا من اتّباعها بلادهم وأمّتهم إلى الهزيمة . لقد كان من مزايا علقمة ، إيمانه العميق بالله ورسوله وثقته المطلقة بهما ، وتوكّله على اللّه في كلّ أعماله ما عظم منها وما حقر وما كَبُر منها وما صَغر ، فكان من أسباب العقائد الذين يعملون لخدمتها ولا يعملون لخدمة أنفسهم .

وكان قادراً على إصدار القرارات السريعة الصحيحة ، لذكائه اللّماع أولا ، ولأنه يعتمد على الإستطلاع لمعرفة قوّة العدوّ وقيادته وأرضه ونياته .

ولعلّ ما فعله علقمة من استطلاع الفيقار والي غزّة في أثناء حصارها كان عملاً فذّا لا يُقدم إلا الأقل القليل من القادة ، فقد كان علقمة قد حصر الفيقار بغزة وجعل يراسل فلم يُشفه أحدٌ بما يريد ، فأتاه كأنه رسول علقمة ، فأمر الفيقار رجلا أن يقعد له في الطريق فإذا مرّ به قتله ، وفطن علقمة فقال : « إن معي نفراً يشركونني في الرّأي ، فأنطلق فآتيك بهم»، فبعث الفيقار إلى ذلك الرّجل ألا يعرض له ، فخرج علقمة ولم يعد ، وفعل كما فعل عمرو بن العاص في الأرطبون .

فقد أقام عمرو على ( أجنادين) لا يقدر على الأرطبون على شيء ولا تشفيه الرّسل فسار إليه بنفسه ، فدخل عليه كأنّه رسول ، ففطن به الأرطبون وقال : « لا شكّ أن هذا هو الأمير أو من يأخذ الأمير برأيه » فأمر إنساناً أن يقعد على طريقه ليقتله إذا مر به ، وفطن عمرو لفعله فقال : « قد سمعتَ مني وسمعتُ منك ، وقد وقع قولك مني موقعاً ، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر إلى هذا الوالي لنكايته ، فأرجع فآتيك بهم الآن ، فإن رأوا الذي عرّضت عليّ الآن ، فقد رآه الأمير وأهل العسكر ، وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم » ، فقال :« نعم» ، ورد الرجل الذي أمر بقتله ، فخرج عمرو من عنده ، وعلم الرّومي أنها خدعة اختدعه بها ، فقال : « هذا أدهى الخلق» . وبلغت خديعته عمر بن الخطاب فقال : « لله درُّ عمر ».

ولا تختلف عملية علقمة عن قضية عمرو في أسلوبها وفي أهدافها ولا في طريقة التخلّص من مخاطرها ، ويبدو أن عملية عمرو شاعت شاعت لقولة عمر بن الخطاب فيه : « لله درّ عمرو! » بينما بقيت عملية علقمة معروفة في أضيق نقاط .

وعملية علقمة تدل على حرصه على الاستطلاع الشخصي حرصاً لا مزيد عليه ، كما أن ذكائه الخارق وحضور بديهته وحسن تصرّفه ، مزايا تجعل القائد قادراً على وضع خطّة سريعة وصحيحة في آن واحد .

وكان يتمتّع بشجاعة شخصية فائقة ، ولعلّ إقدامه على استطلاع أحوال الفيقار استطلاعاً شخصياً مع احتمال انكشاف أمره وتعرّضه من جراء ذلك إلى الهلاك دليل على شجاعته الشخصية الفائقة .

وقد ركب البحر مرتين قائداً ، مرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومرة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وإقدام أعرابي على ركوب البحر دون سابق تجربة في معاناة ركوبه لا يخلو من شجاعة نادرة .

وكان ذا إرادة قويّة ثابتة ، إذا قرّر أمراً أبرمه دون تردّد ، ولا يتخلّى عن هدفه قبل أن يبذل من أجل تحقيقه ما يستطيع من جهد مادّي ومعنويّ .

وكان ذا نفسية لا تتبدل في حالتي النصر والاندحار ، أسوة بنفسية المؤمن الحقّ ، الذي يرى أن الجهاد يتوّج دوماً بإحدى الحسنيين : النّصر أو الشّهادة ، وهما خيران من اللّه على كلِّ حال ، فلا مجال أن تتبدّل نفسيّته في حال من الأحوال .

وكان يتمتّع بمزية سبق النّظر ، فكان يحسب لكل أمر حسابه بدقة وحذر ، ويدخل في حسابه أسوء الإحتمالات .

وكان يعرف نفسيّات رجاله وقابلياتهم ، لأنه يعيش معهم أكثر مما يعيش مع أهله ، فكان يكلّف كل واحد منهم ما يناسب نفسيته وقابليته ، ولا يكلف المرء مالا يطيق .

وكان موضع ثقة النّبي صلّى الله عليه وسلم وموضع ثقة الشيخين ، أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وموضع ثقة رجاله ، وكان يبادلهم ثقة بثقةٍ وحبّاً بحبٍّ ، والثقة والحب المتبادلان بين القائد ورجاله أساسان رئيسان من أسس نجاح القائد في قيادته .

وكان ذا شخصية قوية نافذة ، يسيطر بالمثال الشخصي والعدل والثقة والحبّ ، لا بالإكراه والظلم والكبت والكراهية .

وكان ذا ماضٍ ناصع مجيد في خدمة الإسلام والمسلمين ، والواقع أنه قضى حياته كلها في خدمة عقيدته ، ونسي أول ما نسي نفسه في خضمّ خدمة عقيدته بأمانة قوّة وإخلاص .

وكان من القادة الذين لا يكتفون بما تمليه عليهم أفكارهم الخاصة وتجاربهم العملية بل يستشيرون رجالهم ويعملون بما يشيرون عليهم . وكان يطبّق أكثر مبادئ الحرب أهمية بكفاية واقتدار .

فقد كان يطبّق مبدأ : إختيار المقصد وإدامته ، فلا يتحرّك إلا مفتوح العينين على هدى وبصيرة من غير تهوّر ولا ارتجال .

وكانت خططه كلها تعرضية ، ولم يتخذ خطة دفاعية في حياته العسكرية أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأيام الشيخين من بعده .

وكان يطبّق مبدأ : المباغتة ، فقد باغت الحبشة في خوض البحر إليهم قائدا من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ، وبلغت قائد حامية غزة بزيارته مفاوضا ، فلم يعرف حقيقة أمره إلا بعد نجاته ، مما فتّ من عضد قائد حامية غزة وأثّر في معنوياته ، لأنّه وجد المسلمين يستأثر دونهم بالخطر ويؤثرهم بالأمن .

وكان يطبّق مبدأ : حشد القوّة ، فيحشد القوة المناسبة للنهوض بالواجب المقدس مع ملاحظة مبدأ : الاقتصاد بالمجهود، الذي يحول دون الإسراف بالقوة دون مسوّغ .

وكان يطبّق مبدأ : الأمن ، فلا نعرف أن العدوّ استطاع مباغتة قواته في معركة خاضها .

وكان يطبّق مبدأ : المرونة ، فخططه قابلة للتحوير حسب ظروف القتال المستمرة بسرعة ، وليست جامدة في قوالب صلبة .

وكان يطبّق مبدأ : التعاون ، وقدر برز تعاونه بوضوع في معركة اليرموك الحاسمة وفي معارك فتح فلسطين .

وكان يطبّق مبدأ : إدامة المعنويات ، بالمثال الشخصي والعقيدة الرّاسخة والقيادة الحكيمة ، والنّصر .

وكان يطبّق مبدأ : الأمور الإدارية ، فما عانت قوّاته من نقص في الشؤون الإدارية .

لقد كان علقمة بحقّ قائداً متميزا ، ولا عجب فهو أحد قادة النبي صلى الله عليه وسلم.

علقمة في التّاريخ

يذكر التاريخ لعلقمة ، بأنه نال شرف الصّحبة ونال شرف الجهاد تحت لواء النّبي صلّى الله عليه وسلم.

ويذكر له ، أنه كان أحد قادة سرايا النبي صلى الله عليه وسلم واحد عمّاله .

ويذكر له ، أنه كان أحد عمّال الشيخين : أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وأحد قادتهما.

ويذكر له ، أنه وهب حياته لخدمة الإسلام والمسلمين ، فمات شهيداً ولم يسقط السيف من يده .

رضي الله عن الصّحابيّ الجليل ، الإداريّ الحازم ، القائد الشهيد ، عَلْقَمَة بن مجزِّر المُدْلِجِيّ .

(من قادة النبي صلى الله عليه وسلم)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة