من قادة النبي ﷺ: سعد بن زيد الأنصاري الأوسي الأشْهَلِي القائد العَقْبِي البَدْرِي

نسبه وأيامه الأولى

هو سعد بن زَيْد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأَشْهَل بن جُشَم بن الخَزْرَج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة.
وأمّه: عَمْرَة بنت مَسْعُود بن قيس بن عَمرو بن زيد مناة بن عَدِيّ بن عمرو بن مالك بن النجار من الخزرج، وكانت من المبايعات، كما كانت أخته أمّ نيّار بنت زيد بن مالك من المبايعات أيضاً .
وقد شهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، وهي البيعة التي بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة أن يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم، وأن يرحل هو إليهم وأصحابه، وحضر تلك البيعة العبّاسُ بن عبد المطلب متوثّقاً لرسول الله، والعباس على دين قومه بعد لم يُسلم، ولم تذكره بعض المصادر فيمن شهد العقبة. ولما أذن بالهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحـابـه وهـاجـروا إليها، آخـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمرو بن سراقة.
لقد أسلم سعد قديماً، فأصبح عضواً في المجتمع الإسلامي الجديد في قاعدة الإسلام الرئيسة الأولى: المدينة المنورة، ولا نعلم عن حياته الأولى غير الذي ذكرناه.

جهاده


1 – في الغزوات والسرايا


أ ـ شهد سعد بدْرا التي كانت في شهر رمضان من السّنة الثّانية الهجرية، وفي مسيرة الاقتراب من المدينة المنورة إلى موقع بدْر، وكان سعد يعتقب على ناضح له هو وسَلَمَة : سَلامة وعباد بن بشر ورافع بن يزيد والحارث بن خَزَمَة، وما تزوّد سعد إلا صاعاً من تمر، وكان زاده وزاد مَنْ معه من أصحابه . ويبدو أن سعداً كان ميسور الحال بالنسبة لأقرانه، فحملهم على بعيره إلى ساحة المعركة، وأمّن له ولهم ما يسدون به رمقهم.


ب ـ وشهد غزوة أحد التي كانت في شهر شوّال من السنة الثالثة الهجرية، فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين من المدينة إلى ساحة المعركة في (أحد) طريق حرّة بني حارثة، وقال: مَنْ يخرج بنا على القوم من كَثَب؟»، فقال أبو خَيْثَمة أحد بني حارثة : «أنا يا رسول الله!»، فسلك به بين أموال بني حارثة، حتى سلك في مالِ لمِرْبَع بن قَيْظِي، وكان منافقاً ضرير البصر، فقام الفاسق يحثو التراب في وجوه المسلمين، فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر»، وضربه سعد بقوسه، فشجّه في رأسه، فنزل الدم، وذلك قبل نهي رسول الله عنه.

جـ ـ وشهد غزوة (المُرَيْسِيع) فارساً من فرسان المسلمين، وكانت هذه الغزوة في شهر شعبان من السنة الخامسة الهجرية.

د ـ وشهد غزوة بني قُرَيْظَة من يهود التي كانت في شهر ذي القعدة من السّنة الخامسة الهجرية، وكان فارساً من فرسان المسلمين.

هـ ـ وشهد غزوة ذي (قرد) التي كانت في شهر ربيع الأوّل من السنة السادسة الهجرية فارساً من فرسان المسلمين، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم على الفرسان وكان اسم فرسه (لاحق) فاستطاع استرجاع قسم من لقاح المسلمين التي نهبها المشركون وولى المشركون منهزمين وقال حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم:

هل سَرَّ أولاد اللقيطة
أننا سلم غداة فوارس المقداد

فعاتبه سعد بن زيد الأشهلي، لأنّه كان الرئيس يومئذ: «كيف نسبت الفوارس للمقداد ولم تنسبها إلي؟!»، فاعتذر بالقافية، وأراد باللقيطة أم حصن، وهو أبو عُيَيْنة بن حصن الذي قام بالغارة على سرح المسلمين في المدينة المنورة .

وذكر سعد قصة توليته قيادة الفرسان في غزوة ذي قرَد، فقال: «لما كان يوم السَّرح أتانا الصريخ، فأنا في بني عبد الأشْهَل، فألبس درعي وأخذتُ سلاحي وأستوي على فرس لي جام حصان، يقال له : النَّجْلُ، فأنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه الدرع والمغفر لا أرى إلا عَيْنَيْه، والخيل تعدو قِبَلَ (قناة)، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا سعد! امض، قد استعملتك على الخيل حتى ألحقك إن شاء الله فقرَّبْتُ ساعة ثم خليته، ممر يُحضر، فأمر بفرس ،حسير فقلت ما هذا؟ وأمر بمَسْعَدَة قتيل أبي قتادة، وأمر بمُحْرِز قتيلاً فساءني، وألحق المقداد بن عمرو ومُعاذ بن ماعص، فأحضرنا ونحن ننظر إلى رَهْج القوم، وأبو قتادة في أثرهم، وأنظر إلى ابن الأكوع يسبق الخيل أمام القوم يرشقهم بالنّبل فوقفوا وقفة، ونلحق بهم فتناوشنا ساعة، وأحمل على حَبِيْب بن عُيَيْنَةَ بن حِصْن فأقطع منكبه الأيسر، وخلَّى العِنَان وتتابع فرسه، فيقع لوجهه، وأقتحم عليه فقتلته، وأخذتُ فرسه، وكان شعارنا “أمِتْ! أمِتْ!”، وهناك في قتل حبيب بن عُيَيْنَة وجه آخر . وكان سعد قد أخذ سلب مَسْعَدَة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا والله ! أبو قتادة قتله، ادفعه إليه».

د – وشهد سرية كُرْز بن جابر الفهري التي كانت في شهر شوال من السنة السادسة الهجرية لمطاردة الذين خانوا الأمانة وكانوا رعاة للمسلمين، فانطلقوا بالسَّرح وقتلوا مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقطعوا يده ورجله، وكان سعد فارساً، فاستطاعت السرية استعادة السّرح وأسْرَ الذين خانوا الأمانة.
هـ ـ وشهد غزوة الحُدَيْبِيَّة التي كانت في شهر ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية، وكان سعد فارساً ، ويقال : كان سعد أميراً على الفرسان الذين قدمهم النبي صلى الله عليه وسلم أمامه طليعة في خيل المسلمين، وكانوا عشرين فارساً .


2 ـ قائد السرية إلى مَنَاة

بعث النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة سعد بن زيد الأَشْهَلِي إلى مَنَاة في رمضان من السنة الثامنة الهجرية، قائداً لسرية مؤلفة من عشرين فارساً من فرسان المسلمين، وكانت مَنَاة بالمُشَلَّل للأوس والخزرج وغسان. فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشْهَلي يهدمها. وخرج سعد على رأس سريته حتى انتهى إليها وعليها سادن، فقال السادن: ما تريد؟»، قال: «هَدْمَ مَنَاة!»، قال: «أنت وذاك !».
وأقبل سعد يمشي إليها ، فخرجت إليه امرأة عُريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال السَّادن: «مَناة دونَك بَعْضَ غَضَبَاتِك ! »، فضربها سعد وقتلها .
وأقبل سعد ومعه أصحابه إلى الصَّنَم فهدموه ولم يجدوا في خزانتها شيئاً، فانصرف راجعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان.


3 – المجاهد الصادق


لقد شهد سعد بَدْراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما شهد قسماً من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم جندياً مرة وقائداً مرة أخرى مع اختلاف في قيادته، كما قاد سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم في هدم مناة صَنَم الأوس والخزرج ، وغَسَّان وغيرها من قبائل العرب، فأدى واجبه في الجهاد العملي جندياً وقائداً بشكل مثالي يدعو إلى أعمق التقدير .
لقد كان سعد مجاهداً صادقاً بحق .

الإنسان والقائد


1 ـ لا نعرف متى ولد سعد ومتى تُوفي وأخباره إنساناً قليلة جداً، أنه أحد قادة سرايا النبي الله صلّى الله عليه وسلم و أحد البدريين وأخبار البدريين بصورة مع عامة كثيرة، لأنّ فضلهم على الإسلام والمسلمين كان عظيماً. وكل أخبار سعد، تدل على رسوخ عقيدته، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة جاءه حُوَيْطب بن عبد العُزَّى بن أبي قيس فقال : يا محمد! إن أجلك قد مضى فاخرج من بلادنا، فقال له سعد: «كذبت! إنها ليست بلادك، ولكنها بلاده وبلاد آبائه»، فقال له: مهلاً يا سعد! لا تسفه على زوّارنا ما عليك يا حويطب أن نقيم فيكم فنأكل وتأكلون؟» .

وسعد بن زيد هذا هو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع للمسلمين بها خيلاً وسلاحا .

وأهدى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً من نجران، فأعطاه محمد بن مَسْلَمَة وقال: «جاهد بهذا في سبيل الله، فإذا اختلف الناس فاضرب به الحجر ثم ادخل بيتك» ، فهو الذي روى حديث القعود في الفتنة كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعيت إليه نفسه، خرج متلفّعًا في أخلاق ثياب عليه حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس! احفظوني في هذا الحي من الأنصار، فإنهما كَرِشي وعَيْبَتِي, فاقبلوا من مُحسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ، رواه أبو نعيم وحده ورواه الثلاثة لسعد والد زيد غير منسوب، وسعد بن زيد بن مالك الأشهلي هو سعد بن زيد بن سعد الأشهلي والاختلاف في الجد: الأول مالك، والثاني سعد، وهما واحد كما في نسبه الذي ذكرناه أولاً : سعد بن زيد بن مالك الأشهلي يكنّى أبا عبد الله، وله عقب. ويبدو أن أخباره قليلة، لأنّه قليل الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأغفله المحدثون الذين يهتمون عادة بالسمات التي تميزه إنساناً، أما المؤرخون فسلطوا الضوء على جهاده. وأخباره القليلة مضطربة، لأنها وزّعت على أكثر من سعد واحد، وربما كان أقل أهل بدر أخباراً لهذين السببين. ولكن يكفيه شرفاً أنه عقبي بدري، نال شرف الصحبة، وشرف الجهاد تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يتميّز بحبه العظيم لله ولرسوله .


2 – شهد سعد غزوات النبي كافة لم يتخلف عن غزوة من غزواته عليه الصلاة والسلام.
وبرز دوره في خمس غزوات منها ذكره المؤرخون فيها ذكراً طيّباً ، كما ذكروه في سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم جندياً، وفي سرية من سراياه قائداً.
لقد قضى حياته كلها بعد إسلامه مجاهداً من أجل التوحيد، فأبلى في الجهاد بلاء حسناً، وكان بلاؤه حسنة من حسنات عقيدته الراسخة وإيمانه العميق، فلولا الإسلام لم يكن سعد شيئاً مذكوراً، وبقي مغموراً لا يعرفه أحد، أسوة بالآخرين من أمثاله قبل الإسلام أو الذين تخلفوا عن الإسلام.
ومزاياه القيادية، لا تختلف عن مزايا أقرانه من قادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم من خريجي مدرسة قيادية واحدة، وعاشوا في بيئة واحدة، وكانوا من أصل واحد .

ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلملم يُوَلُّ المناصب القيادية في السرايا أصحابه؛ بل اختار منهم الذين يتميزون بمزايا قيادية معينة، أما الصحابة الآخرون فولى كلّ واحد منهم ما يناسب كفايته من أعمال، فقد كان عليه الصلاة والسّلام ملتزماً إلى أبعد الحدود بمبدأ: «استخدام الرجل المناسب في المنصب المناسب»، لا يحيد عن هذا المبدأ أبداً، وبذلك استطاع أن يبني الإنسان المسلم على ثلاثة أسس قويمة : العقيدة الراسخة وهو الإسلام والقدوة الحسنة في سيرته المباركة عليه الصّلاة والسّلام، واستخدام الرجل المناسب في المنصب المناسب، ليؤدي واجبه بكفاية واقتدار.

ونعود إلى مزايا قيادة سعد الرئيسة، فقد كانت له تجربة عملية في الجهاد، وكان كأبناء قومه الآخرين مدرّباً على فنون القتال النظرية والعملية، وبذلك حاز على شرطين أساسيين من مزايا القائد الرئيسة : التجربة العملية والعلم المكتسب.
أما الطبع الموهوب، فلا نستطيع أن نجزم به إيجاباً أو سلباً، لأنه لم يتول القيادات التي تؤهله لإظهار مواهبه القيادية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد التحاقه بالرفيق الأعلى.

أما مزاياه الفرعية فيمكن أن نتلمس منها، أنه كان ذكياً حاضر البديهة، لذلك كانت قرارته سريعة صائبة شجاعاً مقداماً، ذا إرادة قوية ثابتة، يتحمّل المسؤولية ،ويحبّها، ولا يتهرب منها أو يلقيها على عواتق الآخرين، ذا نفسية لا تتبدل في حالتي النصر والاندحار، يتمتع بمزية سبق النظر، عارفاً بنفسيات رجاله وقابلياتهم يثق برجاله ويثقون به ويحبهم ويحبّونه، ذا شخصية قوية نافذة له قابليّة بدنية متميزة، وماض ناصع مجيد في خدمة الإسلام والمسلمين عارفاً لمبادىء الحرب، مطبقاً لها بكفاية وحزم يساوي نفسه برجاله ولا يحبّ أن يتميّز عليهم، ويؤثرهم بالأمن ويستأثر دونهم بالأخطار .

سعد في التاريخ

يذكر التاريخ لسعد أنه شهد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكثيراً من سراياه .
ويذكر له أنّه قاد سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم التي حطّم مَناة صنم الأوس والخزرج وغَسَّان والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم. رضي الله عن الصحابي الجليل، القائد الشجاع، سعد بن زيد الأنصاري الأوسي الأَشْهَلِي.

(قادة النبي صلى الله عليه وسلم)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة