مَا سَمِعْنَا بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْراً مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ إِذْ كَانَ مَهْرُهَا الإِسْلَامُ[ أَهْلُ المَدِينَةِ )
كَانَتِ الغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ ـ حِينَ أَهَلَّ الإِسْلَامُ بِنُورِهِ عَلَى الْأَرْضِ – نَصَفاً تَخْطُو نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهَا ، وَكَانَ زَوْجُهَا مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ يُسْبِغُ عَلَيْهَا مِنْ وَارِفِ حُبّهِ ، وَظَلِيلِ وِدَادِهِ مَا مَلَأَ حَيَاتَهَا نُضْرَةٌ وَرَغَداً وَكَانَ أَهْلُ ( يَثْرِبَ » يُغْبِطُونَ الزَّوْجَ السَّعِيدَ عَلَى مَا تَتَحَلَّى بِهِ عَقِيلَتُهُ مِنْ رَجَاحَةِ العَقْلِ، وَبُعْدِ النَّظَرِ. وَحُسْنِ التَّبَعُلِ.
وَفِي ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الخَالِدَةِ نَفَذَ إِلَى يَثْرِبَ – مَعَ الدَّاعِيَةِ المَكِّيَّ مُصْعَبِ بْنُ عُمَيْرٍ ـ أَوَّلُ شُعَاعٍ مِنْ أَشِعَّةِ الهِدَايَةِ المُحَمَّدِيَّةِ ، فَتَفَتَّحَ لَهُ قَلْبُ الغُمَيْصَاءِ كَمَا تَتَفَتَّحُ أَزَاهِيرُ الرِّيَاضِ لِتَبَاشِيرِ الصَّبَاحِ ، فَمَا لَبِثَتْ أَنْ أَعْلَنَتْ إِسْلَامَهَا يَوْمَ كَانَ المُسْلِمُونَ ـ فِي المَدِينَةِ – يُعَدُّونَ عَلَى الأصابع. ثُمَّ دَعَتْ الزَّوْجَةُ الوَفِيَّةُ زَوْجَهَا الْأَثِيرَ لِيَنْهَلَ مَعَهَا مِنْ هَذَا المَنْهَلِ الإِلَهِيِّ العَذْبِ الطَّهُورِ ، وَيَحْطَى بِمَا حَظِيَتْ بهِ مِنْ سَعَادَةِ الإِيمَانِ … لكِنَّ مَالِكَ بْنَ النَّضْرِ لَمْ يَشْرَحْ لِلدِينِ الجَدِيدِ صَدْراً ، وَلَا طَابَ بِهِ نَفْساً ، بَلْ إِنَّهُ دَعَا زَوْجَهُ بِالمُقَابِلِ إِلَى الرَّجُوعِ عَنِ الإِسْلَامِ وَالعَوْدَةِ إِلَى دِينِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَتَشَبَّتَ كُلِّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِمَوْقِفِهِ فَالْغُمَيْصَاءُ تَكْرَهُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ الإِيمَانِ كَمَا يَكْرَهُ المَرْءُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ .. ..
وَمَالِك يَتَعَصَّبُ لِدِينِ الآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ فِي عِنَادٍ … وَكَانَتِ العُمَيْصَاءُ تَمْلِكُ مِنْ قُوَّةِ الحُجَّةِ مَا تُفْحِمُ بِهِ زَوْجَهَا ، وَكَانَ فِي دَعْوَتِهَا مِنْ نُورِ الْحَقِّ مَا يَفْضَحُ بَاطِلَهُ الواهبي المُتَهَافِت … وَكَانَ لِمَالِكِ صَنَمٌ مِنْ خَشَبٍ يَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَكَانَتْ تُحَاجُهُ فِي أَمْرِهِ قَائِلَةٌ : أَتَعْبُدُ جِزْعَ شَجَرَةٍ نَبَتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي تَطَؤُهَا بِقَدَمَيْكَ ، وَتَرْمِي فِيهَا فَضَلَاتِكَ ؟! …
أَتَدْعُو – مِنْ دُونِ اللَّهِ – خَشَبَةٌ نَجَرَهَا لَكَ حَبَشِيٌّ مِنْ صُنَّاعِ المَدِينَةِ ؟!
وَلَمَّا ضَاقَ الزَّوجُ ذَرْعاً بِحَجِجَ زَوْجَتَهِ الدَّامِغَة. غَادَرَ المَدِينَةَ وَمَضَى هَائِماً عَلَى وَجْهِهِ مُتَّجِهَا نَحْوَ بِلَادِ الشَّامِ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَلْبَتْ هُنَاكَ قَلِيلًا حَتَّى مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ . وَمَا إِنْ شَاعَ فِي المَدِينَةِ خَبَرُ تَرَبُّلَ الْغُمَيْصَاءِ حَتَّى تَشَوَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى الْاقْتِرَانِ بِهَا ، لَوْلَا أَنَّهُم كَانُوا يَخْشَوْنَ أَنْ تَرُدُّهُمْ خَائِبِينَ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ في الدِّينِ . . غَيْرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ سَهْلِ المَكْنِّي بِأَبِي طَلْحَةَ أَطْمَعَهُ فِي رِضَاهَا بِهِ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ رَوَابِطِ الْقُرْبَى ؛ فَكِلَاهُمَا مِنْ بَنِي ( النَّجارِ ) . مَضَى أَبُو طَلْحَةَ إِلَى بَيْتِ الغُمَيْصَاءِ وَخَاطَبَهَا بِكُنْيَتِهَا قَائِلاً : خَائِباً . يَا أُمّ سُلَيْمٍ، لَقَدْ جِئْتُكِ خَاطِبَاً ؛ فَأَرْجُو أَلَّا أُرَدْ.
فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يُرَدُّ يَا أَبَا طَلْحَةَ ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَلَا أُرِيدُ مِنْكَ صَدَاقًا غَيْرَ الإِسْلَامِ . فَقَالَ : دَعِينِي حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي . وَمَضَى . وَلَمَّا كَانَ الغَدُ عَادَ إِلَيْهَا وَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
فَقَالَتْ : أَمَا وَإِنَّكَ قَدْ أَسْلَمْتَ ؛ فَقَدْ رَضِيتُكَ زَوْجاً ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ : مَا سَمِعْنَا بِامْرَأَةٍ قَطَّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْراً مِنْ أُمَّ سُلَيْمٍ إِذْ كَانَ مَهْرُهَا الإِسْلَامَ . نَعِمَ أَبُو طَلْحَةَ بِمَا كَانَتْ تَتَحَلَّى بِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مِنْ كَرِيمِ الشِّمَائِلِ، وَنَبِيلِ الخَصَائِلِ ، ثُمَّ زَادَهُ سَعَادَةٌ بِهَا أَنَّهَا وَضَعَتْ لَهُ غُلَامًا غَدًا قُرَّةَ عَيْنِهِ ، وَفَرْحَةَ قَلْبِهِ .
لكِنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ يَتَأَهَّبَ لِسَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ اشْتَكَى الطِّفْلُ الصَّغِيرُ مِنْ عِلَّةٍ أَلَمْتْ بِهِ ، فَجَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعاً شَدِيداً كَادَ يَصْرِفُهُ عَنِ السَّفَرِ . وَفِي غَيْبَتِهِ القَصِيرَةِ ذَوَى الغُصْنُ النَّضِيرُ ثُمَّ وُورِي الثَّرَى، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِأَهْلِهَا : لَا تَخْبِرُوا أَبَا طَلْحَةَ بِمَوْتِ ابْنِهِ حَتَّى أُخْبِرَهُ أَنَّا . عَادَ أَبُو طَلْحَةَ مِنْ رِحْلَتِهِ فَتَلَقَّتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ هَاشَّةٌ بَاشَّةٌ فَرِحَةٌ مُسْتَبْشِرَةً ؛ فَبَادَرَهَا بِالسُّؤَالِ عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَتْ : دَعْهُ فَإِنَّهُ الْآنَ أَسْكَنُ مَا عَرَفْتَهُ . ثُمَّ قَرَّبَتْ إِلَيْهِ العَشَاءَ ، وَجَعَلَتْ تُؤْنِسُهُ وَتُدْخِلُ عَلَى قَلْبِهِ السُّرُورَ ، فَلَمَّا وَجَدَتْ أَنَّهُ شَبِعَ وَاسْتَرَاحَ قَالَتْ لَهُ : يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَا اسْتَرْجَعُوا عَارِيَّةٌ أَعَارُوهَا لِآخَرِينَ أَفَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَخْطُوا عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْهُمْ ؟ قَالَ : لا قَالَتْ : إِنَّ اللَّهَ اسْتَرَدَّ مِنْكَ مَا وَهَبَ ، فَاحْتَسِبْ وَلَدَكَ عِنْدَهُ . …
فَتَلَقَّى أَبُو طَلْحَةَ قَضَاءَ اللَّهِ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ . وَلَمَّا أَصْبَحَ غَدًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ لا وَحَدَّثَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أُمَّ سُلَيْم فَدَعَا لَهُ وَلَهَا بِأَنْ يُعَوِّضَهُمَا اللَّهُ خَيْراً مِمَّا فَقَدَاهُ ، وَأَنْ يُبَارِكَ لَهُمَا فِي الْعِوَضِ ؛ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ دُعَاءَ نَبِيهِ صلى الله عليه وسلم ، وَحَمَلَتْ أُمْ سُلَيْمٍ ، وَلَمَّا أَتَمَّتْ حَمْلَهَا كَانَتْ عَائِدَةً إِلَى المَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ هِيَ وَزَوْجُهَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا دَنَوا مِنْ يَثْرِبَ » جَاءَهَا المَخَاضُ فَتَوَفَّفَ أَبُو طَلْحَةَ مَعَهَا وَمَضَى النَّبِيِّ الكَرِيمُ لا يُرِيدُ دُخُول المَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَجِنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ، فَرَفَعَ أَبُو طَلْحَةَ طَرْفَهُ إِلَىٰ السَّمَاءِ وَقَالَ : إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَارَبُّ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ ، وَأَنْ أَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدْ مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا تَرَى .
فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْم : يَا أَبَا طَلْحَةَ إِنِّي – وَاللَّهِ – لَا أَجِدُ مِنْ أَلَمِ المَخَاضِ بِهَذَا المَوْلُودِ مَا كُنْتُ أَجِدُهُ مِنْ قَبْلُ، فَانْطَلِقُ بِنَا وَلَا تَتَأَخَّرْ عَنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا بَلَغَا المَدِينَةَ وَضَعَتْ حَمْلَهَا ، فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ ، فَقَالَتْ لِمَنْ حَوْلَهَا : لَا يُرْضِعُهُ أَحْدٌ قَبْلَ أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَصْبَحَ حَمَلَهُ إِلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْن مَالِكِ ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ لا مُقْبِلا قَالَ : (لَعَلَّ أُمُّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ ) . فَقَالَ : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّهِ، وَوَضَعَ الغُلَامَ فِي حِجْرِهِ ، فَدَعَا بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوِ المَدِينَةِ وَلَاكَهَا فِي فَمِهِ الشَّرِيفِ حَتَّى ذَابَتْ ، وَوَضَعَهَا فِي فَمِ الصَّبِيِّ ، فَجَعَلَ يَتَلَمَظْهَا، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ الكَرِيمَةِ ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ ، فَجَاءَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الإِسْلَامِ الْأَخْيَارِ .
وَلَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ سُلَيْم أَنَّهَا أَحَبَّتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتِ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ حُبًّا خَالَّطَ مِنْهَا اللَّحْمَ وَالعَظْمَ ، وَسَكَنَ فِي حَبَّةِ القَلْبِ . وَقَدْ بَلَغَ مِنْ حُبِّهَا لَهُ مَا حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُهَا أَنَسٌ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ لا نَائِماً فِي بَيْتِنَا ذَاتَ نَهَارٍ ؛ وَكَانَ الحَرَّ شَدِيداً ، فَأَخَذَ العَرَقُ يَتَصَبَّبُ مِنْ جَبِينِهِ ، فَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةِ، وَجَعَلَتْ تُسْلِتُ فِيهَا العَرَقَ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ : (مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟! ) قَالَتْ : هَذَا عَرَقُكَ أَجْمَعَهُ وَأَجْعَلَهُ فِي طِيبِنَا ، فَيَغْدُوا أَطْيَبَ الطَّيبِ .
وَمِنْ شَوَاهِدِ حُبِّهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ كَثِيرةٌ وَفِيرَةٌ ، أَنَّ ابْنَهَا أَنساً كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَةٌ تَنُوسُ عَلَى جَبِينِهِ ، فَرَغِبَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا أَن تَقُصَّهَا لَهُ بَعْدَ أَنْ طَالَتْ فَأَبَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ كَانَ كُلِّمَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ أَنَسٌ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ وَمَسٌ ذُوابْتَهُ المُدَلَّاةَ عَلَى جَبِينِهِ.
وَلَمْ تَقْتَصِر خَصَائِلُ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُؤْمِنَةٌ رابحة الإِيمَانِ ، عَاقِلَةٌ وَافِرَةَ العَقْلِ ، زَوْجاً وَأَمَّا مِنَ الطَّرَازِ الأول … وَإِنَّمَا كَانَتْ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ مُجَاهِدَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
فَلَكُمْ مَلأَتْ رِئَتَيْهَا مِنْ غُبَارِ المَعَارِكِ العَبِقِ بِطُيُوبِ الجَنَّةِ !! وَخَضْبَتْ أَنَامِلَهَا مِنْ جِرَاحِ المُجَاهِدِينَ، وَهِيَ تَمْسَحُهَا بِيَدَيْهَا وَتُحْكِمُ عَلَيْهَا الضّمَادَ. وَلَكُمْ سَكَبَتْ المَاءَ فِي حُلُوقِ العِطَاشِ وَهُمْ يَجُودُونَ بِنُفُوسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ … وَحَمَلَتْ لَهُمُ الزَّادَ … وَأَصْلَحَتِ السَّهَامَ . لَقَدْ شَهِدَتْ أُحداً وَزَوْجُهَا أَبُو طَلْحَةَ مَعَ هي رَسُولِ اللهِ ، وَدَأَبَتْ هِيَ وَعَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا عَلَى نَقْلِ قِرَبِ المَاءِ عَلَى ظَهْرَيْهِمَا وَإِفْرَاغِهَا فِي أَفْوَاهِ القوم . كَمَا شَهِدَتْ حُنَيْناً ، أَيْضاً ، وَقَدْ الْخَذَتْ لِنَفْسِهَا يَوْمَذَاكَ خِنْجَراً وَتَمْنَطَقَتْ بِهِ ، فَلَمَّا رَآهُ زَوْجُهَا أَبُو طَلْحَةَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ( مَا هَذَا يَا أُمَّ سُلَهم ؟! ) .
قَالَتْ : حَنْجَرُ اتَّخَذْتُهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ … فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ سُرُوراً بِمَا قَالَتْ . وَبَعَدْ … أَفَتَظُنُّ أَنَّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ امْرَأَةً أَسْعَدَ سَعَادَةً وَأَزْهَىٰ خَاتِمَةٌ مِنْ أُمَّ سُلَيْمٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ فِيهَا رَسُولُ الله دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا خشفة . فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟! قَالُوا : الغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمَّ أَنَسِ بْنِ مالك.
صور من حياة الصحابيات لرأفت الباشا