نسبه وأيامه الأولى
هو شُجاع بن وَهْب بن ربيعة بن أسَد بن صُهَيْب بن مالك بن كثير بن غنم بن دُوْدَان بن خُزَيْمَة الأَسَدِيّ، حليف لبني عَبْد شَمْس من قُرَيش، يُكْنَى : أبا وهب.
أسلم قديماً، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وعاد إلى مكة لما بلغ المهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا، فكان من السابقين الأولين إلى الإسلام.
ولما أذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة من مكة إلى المدينة، كان شجاع من أوائل مَنْ هاجر إلى المدينة من المسلمين، فقد قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة أَرْسالاً، وكان بنو غَنْم بن دُوْدَان أهل إسلام، وقد أوعبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم.
وفي المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين شجاع وأوس بن خَوْلِي، وهو أوس بن خَوْلِي بن عبد الله بن الحارث من بني عَوْف بن الخَزْرَج.
وهكذا استقرّ شجاع بعد طول ترحاله في قاعدة المسلمين الأمينة، المدينة المنوّرة، فأصبح له فيها أخوة في الله يتعاونون معه في السرّاء والضرّاء، ويعينونه ويعينهم على تحمّل أعباء الحياة، وأصبح له مستقر فيها يأوي إليه ويلجأ إلى حماه، فأصبح جاهزاً للدفاع عن نفسه وإخوته في الدين وعن الإسلام والمسلمين.
المجاهد
شهد شجاع غزوة (بَدْرِ) الحاسمة هو وأخوه عُقْبَة بن وَهْب الأَسَدِيّ، وكانت غزوة بدرٍ في شهر رمضان المبارك من السنة الثانية الهجرية.
وشهد سرية عُكَّاشة بن مِحْصَن إلى (الغَمْر) التي كانت في شهر ربيع الأول من السنة السّادسة الهجريّة، فغنمت السريّة وعادت أدراجها سالمة إلى المدينة المنوّرة.
كما شهد شجاع، المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يتخلف عن مشهد من مشاهده وأدّى واجبه في الجهاد في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وفي السرايا التي شهدها على أحسن وجه يؤديه المجاهدون الصادقون.
قائد السرية
يبدو أن شجاعاً أبدى كفاية عالية في تلك الغزوات والسرايا التي شهدها، فأمّره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية مؤلّفة من أربعة وعشرين رجلاً، في شهر ربيع الأول من سنة ثمان الهجريّة، وجّهها عليه الصلاة و السلام إلى جمع من بني هَوَازِن بـ (السِّيّ) من أرض بني عامِر من ناحية (رُكْبَة) من وراء (المَعْدِن)، وهي من المدينة المنوّرة على خمس ليال، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يُغير عليهم.
وخرج شجاع من المدينة المنوّرة على رأس سريّته، فكان يسير اللّيل ويكمن النّهار، حتى صبّحهم وهم غارون، وكان قد أمر أصحابه قبل ذلك ألا يُمْعِنُوا في الطّلب، فأصابوا نَعَماً كثيراً وشاءٌ، فاستاقوا ما غنموا حتى قدموا بالغنائم المدينة المنورة.
واقتسم رجال شجاع الغنيمة، فكانت سهامهم خمسة عشر بعيراً لكلِّ رجل، وعدّلوا البعير بعشرة من الغنم.
وغابت السرية في مهمتها خمس عشرة ليلة، منذ غادرت المدينة حتى عادت إليها منتصرة غانمة سالمة.
وأصابت السرية في الحاضر نُسوة، فاستاقوهنّ، حتى قدم وفد بني هَوَازِن مُسلمين، فكلّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السَّبْيِ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم شجاعاً ورجاله في ردِّهنّ إلى ذويهنّ إلا جارية وضيئة كان شجاع قد أخذها لنفسه بثمن، فأصابها. فلما قدم وفد بني هوازن، خيّرها شجاع بين المقام معه والرحيل مع أهلها، فاختارت المقام عند شجاع، فلقد قُتِل يوم (اليَمَامة) وهي عنده، ولم يكن له منها ولد، وكان يوم اليمامة في السنة الحادية عشرة الهجرية بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وبين المرتدين بقيادة الله مُسَيْلَمَة الكذاب، وذلك في صدر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى.
لقد أدّى شجاع في قيادة هذه السرية واجبه بشكل متميِّز، فسلم وغنم وانتصر على عدوه وأثّر في معنويات هوازن أثراً بالغاً. وقد أسلم قسم من هوازن، وقصدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلنوا إسلامهم على يديه.
السَّفير إلى الغَسَاسنة
بعث النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح – فتح مكة وبعد الحُدَيْبِيّة رسله إلى الملوك والرؤساء، وذلك في شهر ذي الحجّة سنـة ست الهجرية، فبعث من جملة مَنْ بعث إليهم شجاع بن وَهْب الأسديّ إلى الحارث بن أبي شَمِر الغَسّانيّ يدعوهم إلى الإسلام، وكتب معه كتاباً.
قال شجاع: «فأتيتُ إليه وهو بـ (غُوْطَة) دِمشق، وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر (هِرَقل) وهو جاءٍ من حِمْص إلى إيْلِيَاء (القُدس)، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، و جعل حاجبُه، وكان رومياً اسمه مُرَىّ يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أحدِّثه عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه، فيرقّ حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قد قرأت الإنجيل، فأجد صفة هذا النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، فأنا أؤمن به وأصدِّقه وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي.
”وخرج الحارث يوماً، فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه، ثمّ رمى به، وقال: مَنْ ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليَمَن جئته، عليّ بالناس! فلم يزل يفرض حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثمّ قال: أخبر صاحبك ما ترى!“.
”وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر: ألّا تسير إليه، والْه عنه ووافني بإيلياء. فلما جاءه جواب كتابه، دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك ؟ فقلت: غداً! فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني مُرَيّ وأمر لي بنفقة وكسوة وقال: أقرِىءْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السّلام، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: بادَ ملكه!
وأقرأته من مُرَيّ السّلام وأخبرته بما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صَدَقَ“، ومات الحارث بن شمر عام الفتح.
وفي رواية ثانية، أنّ شجاع بن وهبِ قد بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن شَمِر الغَسّاني وابن عمِّه جَبَلَة بن الأيْهَم ملكي (البَلْقَاء) من أعمال دمشق وكانوا بغوطة دمشق.
وفي رواية ثالثة، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث شجاعاً إلى جَبَلة بن الأَيْهَم الغَسَّانِي.
والرواية الأولى أصحّ، لأنّ الحارث بن أبي شَمِر، هو الذي كان على الغساسنة حينذاك، وكان ابن عمّه جَبَلة من أبرز شخصيات العائلة الحاكمة، ولكنّه لم يكن ملك الغساسنة.
وكما أن الحارث لم يُسْلم، كذلك لم يُسْلم جبلة يومئذ، وقد تولى الملك بعد موت ابن عمّه الحارث، فكان جبلة آخر ملوك غسان. وقد أسلم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم ارتدّ وتنصّر بعد ذلك ولحق بالرُّوم. وكان سبب تنصّره أنه مرّ في سوق دمشق، فأوطأ رجلاً فرسَه، فوثب الرّجل فلطمه، فأخذه الغسانيون و أدخلوه على أبي عُبَيْدَة بن الجراح رضي الله عنه، فقالوا: «هذا لطم سيدنا!»، فقال أبو عُبَيْدَة: «البَيِّنة أن هذا لطمك؟»، فقال جبلة: «وما تصنع بالبيِّنة!»، فقال: «إن كان لطمك، لطمته بلطمتك»، قال: «ولا يُقْتَل؟!»، قال: «لا!»، قال: «ولا تُقطع يده؟!»، قال: «لا، إنّما أمر الله بالقصاص، فهي لطمة بلطمة»، فخرج جبلة، ولحق بأرض الرّوم، وتنصّر، ولم يزل هناك إلى أن هلك.
البلقاء كورة من أعمال دمشق بين الشّام ووادي القرى، عاصمتها : عمان، وكان نصّ رسالة النبي صلى الله عليه و سلم إلى الحارث:
بسم الله الرحمن الرحيم
من: محمّد رسول الله
إلى: الحارث بن أبي شَمِر
سلام على مَنْ اتّبع الهدى وآمَنَ بالله وصَدَّق. فإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحدَه لا شريك له يبقى ملكك.
علامة الختم
الله
رسول
محمد
فقدم عليه شجاع بن وَهْب، فقرأه عليه، فقال: «ومَنْ ينتزع ملكي؟! إني سأسير إليه.
لقد استطاع شجاع، أن يصل إلى ملك الغساسنة، الحارث بن أبي شَمِر، في ظروف صعبة للغاية، إذ كان في شغل شاغل باستقبال قيصر الرّوم، في طريقه إلى القدس، شكراً لله على نصره المؤزر على الفُرس في معارك طاحنة، فقدّم شجاع رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الغساسنة، ودعاه إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونجح في التأثير في حاشية الملك، فأسلم حاجبه الذي كان من أقرب المقربين إليه، وأعلن إسلامه برسالته الشفهية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، التي نقلها شجاع، ولا بد أنّ شجاعاً بأسلوبه الحصيف داعياً إلى الله قد آثر في غير هذا الحاجب الذي أعلن إسلامه. أما الملك، فلم يستجب للدعوة يومئذ خوفاً على مُلكه، وخوفاً من الرّوم النصارى الذين كانوا يحتلّون بلاد الشّام حينذاك، وكان الغساسنة من رعاياهم الذين يدينون لهم بالطّاعة والولاء.
الإنسان
كان شجاع رجلاً نحيفاً طُوالاً أجْنأ، ولا رواية له عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث النبوي الشريف، وأخباره رواها غيره من الصحابة.
وأخباره إنساناً قليلة جداً، وقد استُشهد شجاع يوم اليَمَامة بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه من جهة، وبين المرتدين بقيادة مُسَيْلَمَة الكذّاب من جهة أخرى سنة اثنتي عشرة الهجرية، وهو ابن بضع وأربعين سنة.
والصواب، هو أن معركة اليمامة، كانت سنة إحدى عشرة الهجرية (٦٣٢م) لا سنة اثنتي عشرة الهجرية.
لقد كان على جانب عظيم من التقوى والورع والإيمان، نجح في قيادته كما نجح في سفارته، مما يدلّ على اتزان عقليته وذكائه وحسن تصّرفه ودماثة أخلاقه.
ولم يبخل بروحه على عقيدته، فسقط شهيداً في قتال المرتدين، فكان استشهاده واستشهاد غيره من المسلمين، هو الذي جعل المسلمين يحرزون النّصر على أعدائهم المتفوقين عليهم عَدَداً وعُدَداً.
وبأمثال شجاع بن وهب، يستنزل النّصر، وبتضحيته وتضحية أمثاله في سبيل عقيدتهم، أحرز المسلمون النصر، و ارتفعت رايات الإسلام والمسلمين شرقاً وغرباً.
القائد
على الرّغم من تفوّق بني هَوَازن بالعَدَد والعُدَد على سريّة شجاع تفوّقاً ساحقاً، إلا أن شجاعاً استطاع مباغتة عدوِّه، بالزمان الذي لم يكونوا يتوقّعون أن يُهاجموا فيه، وبالأسلوب الذي كان سريعاً صاعقاً، فشلّ بذلك إرادة العدو على القتال، وشلّ بذلك تفكيره الصائب، وتركه يتخبط في فوضى الارتباك والتردّد، وبذلك استطاع أن يكبده خسائر فادحة بالأرواح والأموال والسّبي، في وقت خاطف قصير جداً.
والمباغتة، أهمّ مبدأ من مبادىء الحرب كما هو معروف.
ولم يقتصر شجاع على تطبيق مبدأ المباغتة، بل طبّق أكثر مبادىء الحرب الأخرى وأهمّها، فقد طبق مبدأ اختيار المقصد وإدامته، وكان مقصده حسب نص أمر النبيّ صلي الله عليه وسلم الذي أصدره إليه، هو الغارة على بني هَوَازن، فنفّذشجاع هذا المقصد الواضح الجليّ، وأمر رجاله بألّا يطاردوا العدو، حتى لا يتورّط رجاله في مواقف ليست في الحسبان وليست في صالحهم.
كما طبّق مبدأ: التعرّض، وكان قائداً تعرّضيّاً من الدرجة الأولى، بعيداً عن اتِّخاذ أسلوب الدفاع في عملياته القتالية.
وقد طبّق مبدأ: الأمن، فلم يستطع العدو أن يباغت سريته قبل القتال وفي أثنائه وبعده، واستطاع هو أن يباغت عدوّه في الزمان والأسلوب كما ذكرنا.
وطبّق مبدأ: الاقتصاد بالمجهود، فأمر بعدم مطاردة العدو، حتى لا يبذِّر في قوّاته أو يتكبّد خسائر في الأرواح دون مسوِّغ.
وطبّق مبدأ: الأمور الإدارية، فأمّن لرجاله كلّ ما يحتاجون إليه من مواد إداريّة، بموجب خطة إدارية بسيطة مرنة، قابلة للتطبيق بسهولة ويُسر، لخلوها من التعقيد.
وطبّق مبدأ: إدامة المعنويات تطبيقاً رائعاً حقاً، وما كان الهدف من سريته، إلا لإدامة معنويات رجالها بخاصة والمسلمين بعامة، وإضعاف معنويات بني هوازن بخاصة والمشركين بعامة.
وكان صاحب قرار سريع صحيح، وذا شجاعة شخصية نادرة، وإرادة قوية نافذة، ونفسية لا تتبدّل في حالتي النّصر والاندحار. وكان يعرف نفسيات رجاله ومزاياهم وقابلياتهم، يثق بهم ويثقون به، ويحبّهم و يحبّونه، وكان موضع ثقة النبي صلي الله عليه وسلم وتقديره واعتزازه. وكان ذا شخصية قوية مسيطرة، وقابلية بدنية جيدة لأنه كان شاباً، وكان من ذوي الماضي المجيد. وكان قائداً عقائدياً، يؤمن بالله إيماناً راسخاً ويتوكل عليه توكلاً مطلقاً، مجاهداً من الطراز الأوّل، من أعز أمانيه نيل الشهادة، لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه، ما دام عمله خالصاً في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله. لقد كان شجاع، قائداً متميزاً حقاً.
السفير
كان شجاع يتّصف بخمس صفات حميدة، أهّلته لتولي منصب السفارة النبوية، إلى ملك الغساسنة الذي كان متصلاً بالروم اتصالاً وثيقاً،
ويعمل في ظل حكمهم على بلاد الشّام، وكان أقرب إلى الحضارة منه إلى البداوة من جرّاء هذا الاتصال المباشر الوثيق بالرّوم.
وأول هذه الصفات، هي الانتماء للإسلام الذي أنساه انتماءه إلى قبيلته بني أسد، فأصبح ولاؤه الخالص للإسلام وحده دون سواه. والإيمان بتعاليم هذا الدين إيماناً عميقاً راسخاً، جعله يضحي بروحه من أجل عقيدته ولا يضحي بعقيدته من أجل روحه، وهذا هو الإيمان الرّاسخ العميق.
لقد كان انتماء شجاع وإيمانه بالإسلام واضحاً كل الوضوح، فهو من السّابقين إلى الإسلام، ومن الذين هاجروا الهجرتين: إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة المنوّرة و من البدريين عليهم رضوان الله، ومن قادة النبيّ صلى الله عليه وسلم وسفرائه، فلا غبار على انتمائه وإيمانه، ولا شك في إخلاصه العظيم لهذا الانتماء والإيمان.
أما الصفة الثانية، فهي الفصّاحة و العلم، و حسن الخلق. و من المعروف أن بني أسد يعدّون من فصحاء العرب وخطبائهم، ويبدو أنه كان قارئاً كاتباً، فقد ورد في بعض المصادر المعتمدة، أنه هو الذي قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم على الحارث ملك الغساسنة، مع أن الذين يحسنون القراءة والكتابة من العرب حينذاك قليلون.
أما حسن خلقه، فمن الأدلة عليه خياره من الفتاة الهوازنية على أهلها وذويها، ولو كان فظّاً غليظ القلب لما اختارته على أهلها.
كما أنه عقد صداقات وثيقة مع أقرب المقربين إلى ملك الغساسنة، فرعاه وأكرمه وأكساه، وصدّقه، مما يدلّ على دماثة أخلاقه، وأنه كان آلفاً مألوفاً.
والصفة الثالثة، هي الصبر والحكمة، فقد صبر صبراً جميلاً، حتى سنحت له الفرصة للقاء ملك الغساسنة، وكان حكيماً في تصرفه عند لقائه بالملك، بلّغ الرسالة، وحمل جواب الملك ومَنْ معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصفة الرّابعة، هي سعة الحيلة فقد استطاع أن يربح حاجب الملك إلي جانبه، ومن المعلوم أن من السهل لقاء الملك، ولكن من الصعب لقاء حاجبه، ولكنه استطاع أن يعقد صداقة وثيقة خالصة بينه وبين ذلك الحاجب، الذي رفض في أوّل الأمر أن يعين شجاعاً على لقاء الملك، ولكنه أصبح بعد ذلك عوناً له في هذا اللقاء، مما يدلّ على مبلغ سعة حيلة شجاع وألمعية ذكائه.
والصفة الخامسة والأخيرة هي رواء المظهر، فقد كان نحيفاً طويل القامة، وهي علامات على رواء مظهره.
ولكن لا توجد نصوص على رواء مظهره، إلا أن تعلّق الفتاة الهوازنية به تعلقاً شديداً جعلها تُؤثر البقاء إلى جانبه على الرحيل مع أهلها إلى وطنها، دليل على أن مظهره كان مقبولاً إن لم يكن رائعاً.
تلك هي مجمل صفاته سفيراً، وطالما تمنيت على الله أن يطبق هذه الصفات في السفراء العرب والمسلمين اليوم، مَن بيدهم اختيار السفراء، ليريحوا ويستريحوا فهذه الصفات وحدها تجعل من وجود السفير في البلاد الأجنبية من مصلحة الصديق لا من مصلحة العدو، ولا أزيد.
شجاع في التاريخ
يذكر التاريخ لشجاع، أنه كان من المسلمين الأولين السابقين إلى الإسلام.
ويذكر له، أنّه ممن هاجر الهجرتين: إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة المنوّرة.
ويذكر له أنه كان من الصحابة البدريين، عليهم رضوان الله، وأنه شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويذكر له، أنه كان أحد قادة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قاد سرية من سراياه إلى النصر.
ويذكر له أنه كان أحد سفراء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء المعروفين في حينه.
ويذكر له، أنّه نال شرف الصحبة، وشرف الجهاد، تحت لواء الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.
ويذكر له، أنّه كلّل حياته المباركة بالشهادة، فمات في ساحات الوغى وبيده السيف، دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، فحقق بالشهادة أمنية من أعزّ أمانيه وأغلاها.
رضي الله عن الصحابيّ الجليل المجاهد البطل، البدريّ الشهيد، القائد المنتصر، السفير الألمعيّ، شجاع بن وَهْب الأَسَدِيّ.
(قادة النبي صلى الله عليه وسلم)