إن من يتأمل صفحات السنة والسيرة النبوية يرى أنها قد ملئت بنماذج من فضائل ومناقب الفتيات المسلمات، ومن ذلك:
تمريض رقية بمنزلة شهود بدر
لقد أعلى الله منزلة أهل بدر رضي الله عنهم ورفع درجتهم، فهذا الخليفة عثمان -رضي الله عنه – يقول عن تخلفه في بدر: “وأما قوله إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله اللحين ماتت وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمي ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه فقد شهد” (رواه أحمد).
لقد كانت غزوة بدر أول مواجهة بين النبي وقريش، وسماها تبارك وتعالى يوم الفرقان، وسارت بفضائلها الركبان، وقال ل عمن شهدها : “لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم”(رواه البخاري ومسلم).
عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها ، قال وكذلك من شهد بدراً من الملائكة (رواه البخاري).
فها هي منزلة بدر وأهلها ، فإذا ضرب لمن مرض رقية -رضي الله عنها بسهم من شهد بدراً وبدر بهذه المنزلة، فهذا شاهد على فضل هذه الصحابية وعلو منزلتها رضوان الله عليها ، كيف لا وهي ابنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
ذكره صلى الله عليه وسلم لحفصة
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما – يحدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه – حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدراً وتوفي بالمدينة – قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبوبكر فلم يرجع إلي شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها. (رواه البخاري).
تزويج الله لزينب بنت جحش
عن أنس -رضي الله عنه – قال جاء زيد بن حارثة . -رضي الله عنه يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم : «يقول اتق الله ، وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه ، قال : فكانت زينب تفخر على أزواج النبي تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات، وعن ثابت (وَتَخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ) (الأحزاب ۳۷) نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة. (رواه البخاري).
إنها منزلة عالية تدركها زينب -رضي الله عنها – تقصر دونها منازل الناس في هذه الدار، فالأمر لم يقف عند مجرد كونها زوجة للنبي ، وهذا وحده شرف ومنزلة لا تدانيها منزلة، بل يأتي هذا التزويج بنص من السماء، ولم يكن هذا الوحي رؤيا منام أو وحياً غير متلو ، بل قرآناً يقرؤه المسلمون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، قرآناً يتعبدون الله بتلاوته وفيه أن الله زوج هذه المرأة الصالحة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
من بــركة النساء
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها – قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له وكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي، قال فهل لك في خير من ذلك؟ قالت : وما هو يارسول الله؟ قال: «أقضي كتابتك وأتزوجك قالت: نعم يا رسول الله قال: قد فعلت قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله الله تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها (رواه أحمد وأبو داود).
وربما صحت الأجسام بالعلل، وقد يكره المرء أمراً يكون خيراً له، لذا فقد كانت هذه الوقعة من أعظم خير نال هؤلاء، فأي كرم وشرف أسمى من أن يكونوا أصهار رسول الله الله ، وأولئك الذين سبُوا فُك أسرهم وعَتُقوا ببركة هذه المرأة الصالحة، لقد أطلقت سراح مائة من قومها وأعلت شأنهم وذكرهم، ولم يكن هذا بشجاعة أو قوة، بل بفضيلة ربانية أبقت ذكرهم خالداً إلى قيام الساعة.
من مناقب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
لقد ظفرت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها – بحب صاحب الرسالة لها، فهنيئاً لها هذه المنزلة.عن عائشة زوج النبي اول : قالت : أرسل لي أزواج النبي يا فاطمة بنت رسول الله إلى رسول الله له لوله فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها ، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافةوأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: «فأحبي هذه» قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله لها فرجعت إلى أزواج النبي الا الله فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها : ما نراك أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة : والله لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي الله زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى الله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة، قالت فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها ، فأذن لها رسول الله الله فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم:”إنها ابنة أبي بكر “. (رواه البخاري)
وقد بلغ من منزلة عائشة -رضي الله عنها – أن يقرئها جبريل السلام. فعنها -رضي الله عنها – أن النبي الله قال لها : يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، ترى ما لا أرى تريد النبي صلى الله عليه وسلم ( رواه البخاري ومسلم)
ماذا تعني هذه الفضائل ؟
قد تقول القارئة وهي ترى هذه الفضائل وتدرك منزلتها : إنها منازل عالية ورتب سامقة لكن ما شأن إيرادها هنا؟ وأنا أعلم علم اليقين أنها درجات السابقين، وأنها لمن اختارهن تبارك وتعالى، وأنها فضائل جاءت بها نصوص خاصة لهن؟
إن هذه الفضائل تدل على ما بلغ أصحابها من الإيمان والتقوى والصلاح ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب؛ فالتفاضل والتسابق إنما هو بالتقوى فالله والإيمان.
وهي تدل على أن الإيمان يترك أثره العظيم في النفوس، وأنه الدواء الناجعللأدواء التي تعاني منها مجتمعات المسلمين اليوم.فهاهي هذه المنازل والرتب قد حازها فتيات في ريعان الشباب حين انتصرالإيمان في قلوبهن على الصبوة والهوى.وهي تطرح هذا النموذج أمام فتيات المسلمين اليوم، لا ليصلن إلى ما وصل إليه أولئك، فهي منزلة اختص الله بها من اصطفاهم من عباده، لكن ليسرن على الطريق، وليسلكن الخطى، وهذه الفضائل تقول للجيل الصاعد من فتياتنا بلسان الحال هاهو الطريق، وهاهنا العظمة، فمن كان متأسياً فليتاس بهؤلاء، ومن كان معجباً فليعجب بهذا الصنف. فما بال طائفة من فتيات المسلمين يسلكن غير ذات السبيل، ويتخذنقدوتهن من نساء سواقط إنما أبرزهن وأعلى شأنهن الفن الهابط، أو راجت سوقهن في أسواق عرض الأزياء والمتاجرة بالإغراءوهي أيضاً تفتح آفاقاً واسعة أمام المسلمات ليكون الحب في الله لا يقف عند الحقبة الحاضرة بل يتخطى هذه الحواجز والحجب ويدخل هذا الجيل ضمن هؤلاء، حينها تقتصد الفتاة المسلمة في منح إعجابها وحبها لأقرانها، ويعلو أفقها ، ويمتد نظرها إلى فضاء أرحب.
الخاتمة
هذه أختي المسلمة مواقف فتيات في ريعان الشباب، اتبعن طريق الهدى وسلكن درب الرشاد ، فقادهن إلى أن فتحت لهن صفحات رائعة في سجل التاريخ. إنها مواقف ناطقة بالشهادة على أن هذا الدين يترك أثره العظيم في النفوس، وهي مواقف ناطقة بأن المرأة حين تسلك سبيل الصلاح والتقوى يعلو شأنها وترتفع قيمتها.
فما أحوجنا اليوم إلى أن نعنى بدراسة أخبار ذاك الجيل الأغر والفرط الصالح، وأن نسعى لتطبيق ما تعلمناه من عبر، والاقتداء بما رأيناه من مواقف صالحة، ولئن عجزنا أن نصل إلى ما وصلوا إليه، فلا أقل من محبتهم والتعلق بأخبارهم وسيرهم، لعلنا أن نحظى بوعد النبي بأن نحشر معهم ، . لا الله كما أخبر حين سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال: “المرء مع من أحب”.
وما أحوج الأمهات والمعلمات والمربيات إلى العناية بتعليم بناتهن سير فتيات الصحابة وأخبارهن، وتقديمهن بديلاً للنماذج السيئة التي تتعلق بها فتيات المسلمين اليوم من القدوات الهابطة.وما أحوج المتصدرين لمنابر التوجيه والإعلام إلى ذلك؛ علهم أن يقدموا بديلاًلهذا الغثاء الذي يملأ أسماع الناس في وسائل الإعلام اليوم. اللهم إني أحببت الصحابة نبيك وسعيت في بيان سيرهم لدى الناس، اللهمفاحشرني يوم القيامة مع من أحببت وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(من كتاب فتيات الصحابة رضي الله عنهن)