إن المال الذي رزقه الله ابن آدم فضل منه تبارك وتعالى، فقد تفضل عليه بالرزق، ثم أمره بالإنفاق وأثابه على ذلك، فهو المتفضل تبارك وتعالى أولاً وآخراً. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الإنفاق والبذل. فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: “يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار»، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن وتكفرن العشير…” (رواه البخاري ومسلم).
وقد تكون المرأة لا تجد إلا القليل فتحتقره، فينهي عن ذلك موجهاً الخطاب للنساء فقال: “يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة”. (رواه البخاري ومسلم).
إنه مشهد ناطق بالبذل والجود ، وأمارة تأس بالرعيل الأول حين نرى صبيان المسلمين يحملون إلى جيرانهم هدية من أمهاتهم ولو كان شيئاً يسيراً : طبقاً من طعام، أو قليلاً من فاكهة، فتفعل هذه الهدية أضعاف قيمتها من إشاعة روح الود والتراحم والشعور بالجسد الواحد، وفوق ذلك كله ثواب الله عز وجل.
وها هي عائشة رضي الله عنها تدرك هذا المعنى فلا تجد إلا تمرة واحدة فتتصدق بها تقول -رضي الله عنها – : جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت وابنتاها ، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار” ( رواه البخاري ومسلم).
وتتطلع أسماء -رضي الله عنها – لتحصيل أجر الصدقة وفضلها لكنها لا تجد ما تتصدق به إلا شيئاً من قوت بيتها، فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعنها رضي الله عنها – قالت: قلت: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي
الزبير فأتصدق؟ قال: “تصدقي ولا توعي (أي لا تجمعي في وعاء وتبخلي في النفقة فتجازي بمثل ذلك) فيوعى عليك” (رواه البخاري ومسلم). وتُحدث -رضي الله عنها – عن نفسها فتقول: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحصي شيئاً وأكيله قال: “يا أسماء، لا تحضي فيحصي الله عليك» قالت: فما أحصيت شيئاً بعد قول رسول الله الله خرج من عندي ولا دخـل عـلـي، ومـا نفـد عندي من رزق الله إلا أخلفه الله عز وجل”(رواه أحمد).
وامتازت عائشة -رضي الله عنها – بالبذل والجود والإنفاق، فعن عروة بن الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وكان أبر الناس بها، وكانت لا تمسك شيئاً مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت، فقال ابن الزبير ينبغي أن يؤخذ على يديها فقالت: أيؤخذ على يدي؟ علي نذر إن كلمته، فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فامتنعت فقال له الزهريون أخوال النبي ومنهم عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، والمسور ابن مخرمة: إذا استأذنا فاقتحم الحجاب ففعل، فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم، ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين، فقالت: وددت أني جعلت حين حلفت عملاً أعمله فأفرغ منه. (رواه البخاري).
ويقارن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما – بين جود عائشة وجـود أسماء فيقول: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئاً لغد.
وكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها – جوادة واسعة الإنفاق، شهد لها بذلك أصدق الخلق ولهذا كانت تسمى -رضي الله عنها – أم المساكين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعكن لحاقاً بي أطولكـن يـداً»، قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً؟ قالت: فكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق” (رواه مسلم).
لقد كان ذاك المجتمع مجتمع بذل وصدقة وسخاء، وخاصة في ميدان المرأة. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته صلى الله عليه وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: « تصدقوا تصدقوا تصدقوا» وكان أكثر من يتصدق النساء (رواه مسلم).
وكانت المرأة حين تسمع الترغيب في الصدقة تفكر في الإنفاق فلا ترى أقرب من خاتمها وزينتها فتقدمها لله ورسوله. عن ابن عباس رضي عنهما – أن النبي صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين تلقي المرأة خرصها وسخابها. رواه البخاري ومسلم.
(من كتاب فتيات الصحابة رضي الله عنهم)