من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة

كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك أصحاب رسول الله ﷺ أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).[1]

قال الإمام نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه الله، بعد ما روى هذا الأثر عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما:
“وهذا الذي ذكره ابن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم ، فقد أخبر الله تعالى عنهم بأكثر منه في غير موضع، وأزال الشبه عنهم. وكذلك أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر بالرجوع إليهم، والأخذ عنهم، والعمل بقولهم، مع علمه بما يكون في هذا الزمان من البدع، واختلاف الأهواء، ولم يأمر بأن يتمسك بغير كتاب الله، وسنة نبيه، وسنة أصحابه، رضوان الله تعالى عليهم، ونهانا عما ابتدع خارجا عن ذلك، وعما جاوز ما كان عليه هو وأصحابه . فواجب علينا قبول أمره فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر . وعلى هذا الأمر كان العلماء والأئمة فيما سلف، إلى أن حدث من البدع ما حدث “.[2]

وقال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله: “أصولُ السُّنَّة عندنا: التمسُّك بما كان عليه أصحابُ رَسولِ الله – رضي الله عنه-، والاقتداءُ بهم”[3]

وعن سَلاَّم بن مِسْكين الأزدي قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت: 30]، قال: “إنكم قد قلتم ربنا الله فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنة نبيكم، وامضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثم لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذ عن السنة، ولا تخرج عنها، فإن أهل المروق من الإسلام منقطع بهم يوم القيامة، ثم إياكم وتصرف الأخلاق، واجعلوا الوجه واحدًا، والدعوة واحدة، فإنه بلغنا أنه من كان ذا وجهين، وذا لسانين كان له يوم القيامة لسانان من نار”.[4]

وقال الإمام البربهاري في شرح السنة- رحمه الله -: ” اعلم أن الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر، فمن السنة لزوم الجماعة ومن رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وكان ضالًّا مضلًّا”، وقال: “واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعًا مصدقًا مسلمًا، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد كذبهم، وكفى بهذا فرقةً وطعنًا عليهم، قال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم”.[5]

وقال أبو العالية الرِّيَاحِي – رحمه الله -: “عليكم بالأمرِ الأوَّلِ الذي كانوا عليه قبل أن يفتَرِقوا”.

وقال ابن تيمية رحمه الله : “وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ: أَنَّ خَيْرَ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ – فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ فَضِيلَةٍ أَنَّ خَيْرَهَا -: الْقَرْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْخَلَفِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ: مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَإِيمَانٍ وَعَقْلٍ وَدِينٍ وَبَيَانٍ وَعِبَادَةٍ وَأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْبَيَانِ لِكُلِّ مُشْكِلٍ. هَذَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مَنْ كَابَرَ الْمَعْلُومَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .. “.[6]


[1]  جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر: (2/ 97)

[2]  “الحجة على تارك المحجة”، لنصر المقدسي (1/159) .

[3]  أصول السنة: (14).

[4]  الإبانة لابن بطه: (163).

[5]  شرح السنة للبربهاري (ص: 1).

[6]  “مجموع الفتاوى” (4/157) .

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة