نسبه وأيامه قبل الإسلام
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبوه: عبد المطلب سيد قريش حتى مات، وأمه: هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي بنت عم آمنة بنت وهب أم الرسول ﷺ، وحمزة شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام رضي الله عنهم.
وليَ أبوه عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطّلب، فأقامها للناس، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم،
وشرف في قومه شرفاً لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه، وعظم خطره فيهم، وكان من أعماله الباقية على الدهر حتى اليوم هو حفر بئر زمزم.
وحمزة، عم النبي ﷺ وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثُوَيبة مولاة أبي لهب بن عبد المطلب، أرضعت النبي ﷺ أياماً، وأرضعت قبله حمزة.
وكان حمزة أسنّ من رسول الله ﷺ بسنتين، وقيل: بأربع، والأول أصح، فإذا كان النبي ﷺ وقد ولد سنة (٥٧١م)، فإنّ حمزة قد ولد سنة (٥٦٩م).
وشهد حمزة حرب الفجّار الثانية، وكانت بعد عام الفيل بعشرين سنة، بعد موت عبد المطلب باثنتي عشرة سنة، ولم يكن في أيام العرب أشهر منه ولا أعظم، وإنما سمي الفجار لما استحل الحيّان: كنانة وقيس من المحارم.
وكان بين قيس ومعها ثقيف وغيرها، وبين قريش ومعها كنانة والأحابيش وأسد بن خزيمة، فكان على بني هاشم الزبير بن عبد المطلب ومعه رسول الله ﷺ، وإخوة الزبير وهم أبو طالب وحمزة والعباس بنو عبد المطلب، وجرت المعركة بين الجانبين في عُكاظ، فانتصرت قريش وحلفاؤها على قيس وحلفائها.
وكانت حرب الفجار أول تدريب عملي بالنسبة لحمزة، مارس فيها التدريب العملي على استعمال السلاح وعاش جو المعركة في حرب حقيقية، وتحمّل فيها أعباء القتال ومشقات الحرب، فتوج بها تدريبه النظري على الفروسية واستعمال السلاح واستخدام الأرض في المعركة.
وكان عمره حين شهد حرب الفجار اثنتين وعشرين سنة، لأنه ولد قبل عام الفيل بسنتين، وولد النبي ﷺ في عام الفيل كما هو معروف.
وكان حمزة مغرماً بالصيد والقنص، وهو دليل على مهارته في الفروسية والتسديد الدقيق في الرمي، كما أنه تدريب عملي على ممارسة هذين الفنين العسكريين.
وقد كان لحمزة دور بارز في زواج النبي ﷺ بخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وكانت خديجة امرأة حازمة عاقلة شريفة، فأرسلت إلى رسول الله ﷺ فعرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسباً وأكثرهن مالاً وشرفاً، وكل قومها كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه. فلما
أرسلت إلى النبي ﷺ، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على أهلها، فخطبها إليه وتزوجها.
ولما نزلت: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾، جمع النبي ﷺ بني المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة وأبو لهب، ودعاهم إلى الله.
وبدأ المشركون يؤذون رسول الله ﷺ، وكان ممن يؤذيه عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، وكان شديداً على النبي ﷺ وعلى المسلمين، عظيم التكذيب له، دائم الأذى، فكان يطرح العَذِرة والنتن على باب النبي ﷺ، وكان جاره، فكان رسول الله ﷺ يقول: «أي جوار هذا يا بني عبد المطلب!» ورآه يوماً حمزة، فأخذ العَذِرة وطرحها على رأس أبي لهب، فجعل ينفضها عن رأسه ويقول: «صاحبي أحمق!»، وأقصر عما كان يفعله، لكنّه يضع من يفعل ذلك.
وهكذا نصر حمزة ابن أخيه على أخيه، لأنه وجد أن أخاه هو المُعتدي، وابن أخيه هو المُعتدى عليه، فنصر المظلوم على الظالم، مما يدل على سريرته الطاهرة وانحيازه إلى جانب الحق إذا تبين له الحق، كما يدل على أنه كان يحبّ النبي ﷺ، ليس لأنه عمه وأخاه بالرّضاعة، بل أحبّه لسجاياه، والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف.
إسلام حمزة
مر أبو جهل برسول الله ﷺ، وهو جالس عند الصَّفا؛ فآذاه وشتمه ونال منه وعاب دينه، ومولاة لعبد الله بن جُدعان في مسكن لها تسمع ذلك. وانصرف أبو جَهْل عن النبي ﷺ فجلس في نادي قريش عند الكعبة، فلم يلبث حمزة أن أقبل من قنصه متوشّحاً قوسه، وكان إذا رجع لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان يقف على أندية قريش ويسلّم عليهم ويتحدث معهم، وكان أعزّ قريش وأشدّهم شكيمة. فلما مرّ بالمولاة، وقد قام رسول الله ﷺ ورجع إلى بيته، قالت له: «يا أبا عُمَارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمّد من أبي الحكم بن هشام، فإنه سبه وآذاه، ثم انصرف عنه، ولم يكلّمه محمد».
واجتاح الغضب حمزة، فخرج سريعاً لا يقف على أحد، كما كان يصنع، يريد الطواف بالكعبة، مُعِدّاً لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به، حتى دخل المسجد، فرآه جالساً في القوم، فأقبل نحوه وضرب رأسه بالقوس، فشجه شجه منكرة، وقال: «أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول؟ فاردد عليّ إن استطعت».
وقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عُمارة، فإني سببتُ ابن أخيه سباً قبيحاً».
فلما أسلم حمزة، عرفت قريش أن رسول الله ﷺ قد عزَّ، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
وكان إسلام حمزة في السنة الثانية من مبعث رسول الله ﷺ، وقيل: بل أسلم بعد دخول رسول الله ﷺ دار الأرقم في السنة السادسة من مبعثه ﷺ، وأرجح الرواية الأولى، لإجماع أكثر المصادر المعتمدة عليها.
وكان حمزة قد أسلم قبل عمر بن الخطاب، فلما أسلم عمر، قوي الإسلام بهما، وعلم المشركون أنهما سيمنعان رسول الله ﷺ والمسلمين.
في شِعب أبي طالب
لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله ﷺ قد نزلوا بلداً أصابوا به أمناً وقرارا هي الحبشة، وأن النجاشي قد مَنَع مَنْ لجأ إليه منهم، وأن عمر وحمزة قد أسلما، وجعل الإسلام يفشو في القبائل اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب: على أن لا ينكحوا
إليهم، ولا يُنكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم. فلما اجتمعوا لذلك كتبوا صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم.
وانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب، فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب إلى قريش، فظاهرهم وكان معهم في تحالفهم على إخوته وبني إخوته.
وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا، لا يصل إليهم شيء إلا سراً، مستخفياً به من أراد صلتهم من قريش. وقد كان أبو جهل بن هشام لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد، وهي عند رسول الله ﷺ ومعه في الشعب، فتعلّق به وقال: «أتذهب بالطعام إلى بني هاشم! والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة». وجاءه أبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد، فقال: «ما لك وله!»، فقال: «يحمل الطعام إلى بني هاشم»، فقال أبو البختري: «طعام كان لعمته عنده، بعثت إليه، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها! خلِّ سبيل الرجل»، فأبى أبو جهل، حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البختري لَحْي بعير فضربه به، فشجّه، ووطئه وطئاً شديداً، وحمزة قريب يرى ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله ﷺ وأصحابه فيشمتوا بهم، ورسول الله ﷺ على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، مبادئاً بأمر الله، لا يتّقي فيه أحداً من الناس.
وأخيراً مُزِّقت الصحيفة، وانتهت القطيعة، وعاد بنو هاشم وبنو المطّلب إلى حياتهم الاعتيادية، وعاد معهم حمزة أقوى ما يكون دفاعا عن النبي ﷺ والمسلمين.
الهجرة العامة
أمر النبي ﷺ المسلمين بالهجرة إلى المدينة قاعدة المسلمين الأمينة، فهاجر حمزة مع من هاجر إلى المدينة المنورة قبيل هجرة النبي ﷺ إليها بوقت قصير. فنزل حمزة وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كَنَّاز بن حصن، ويقال: ابن حُصين، وابنه مرثد الغنويّان، حليفا حمزة، على كلثوم بن هدم، أخي بني عمرو بن عوف بقُباء. ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة، ويقال: نزل حمزة على أسعد بن زرارة، أخي بني النجار.
وفي المدينة المنورة، آخى النبي ﷺ بينه وبين زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ، وإليه أوصى حمزة يوم أحد، حين حضره القتال، إن حدث به حادث الموت.
أول لواء في الإسلام
قدم رسول الله ﷺ المدينة، حين هاجر إليها من مكة، يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، وهو المجتمع عليه، فكان أول لواء عقده رسول الله ﷺ لحمزة في شهر رمضان، على رأس سبعة أشهر من مُهاجَر رسول الله ﷺ، لواء أبيض، فكان الذي حمله أبو مرثد كَنَّاز الغنوي، حليف حمزة، وبعثه رسول الله ﷺ في ثلاثين رجلاً من المهاجرين.
وخرج حمزة يعترض لعير قريش قد جاءت من الشام تريد مكة، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمئة رجل، فبلغوا سيف البحر، يعني ساحله، من ناحية (العِيْص)، والتقى الجانبان حتى اصطفوا للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفاً للفريقين جميعاً، إلى هؤلاء مرة، وإلى هؤلاء مرة، حتى حجز بينهم ولم يقتتلوا.
وتوجه أبو جهل في أصحابه وعيره إلى مكة، وانصرف حمزة في أصحابه إلى المدينة.
وبدون شك، أثّر المسلمون في معنويات قريش، فتخلوا عن القتال بالرغم من تفوّق المشركين على المسلمين تفوّقاً ساحقاً، وخافوا المسلمين على قافلتهم التجارية، ورأس المال دائماً جبان، كما يقولون.
وبهذه السرية بدأ فرض الحصار الاقتصادي على قريش، بتهديد طريق مكة ـ الشام الحيوي لتجارة قريش تهديداً إيجابياً خطيراً.
وهناك من يذكر أنّ أول راية عقدها النبي ﷺ كانت لعبيدة بن الحارث بن المطلب، وذلك أنّ بعث حمزة وبعث عبيدة كانا في وقتين متقاربين: الأول في رمضان، والثاني في شوال، فشُبه ذلك على الناس.
ولا مجال للاشتباه، لأن راية حمزة عُقدت في رمضان، بينما عُقدت راية عبيدة في شوال، أي بعد شهر تقريباً. كما شهد حمزة مع النبي ﷺ غزوة ودّان، وكان لواؤه أبيض وكان مع حمزة في هذه الغزوة.
في غزوة بدر الكبرى
خرج النبي ﷺ باتجاه موضع بدر من المدينة المنوّرة لثمان ليالٍ خَلَوْنَ من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة (623 م)، على رأس أصحابه، وكان معه سبعون بعيرا يعتقبها أصحابه، وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة، موليا رسول الله ﷺ، يعتقبون بعيراً واحداً.
وفي بدر، قبل نشوب القتال، خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق، فقال: «أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم، أو لأهدمنّه، أو لأموتن دونه!»، فخرج إليه حمزة، فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخُبُ رجله دما، ثم حبَا إلى الحوض حتى اقتحم فيه ليبرّ بيمينه، واتبعه حمزة، فضربه حتى قتله في الحوض.
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصفّ دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار، فقالوا: «من أنتم؟» فقالوا «رهط من الأنصار»، قالوا: “«ما لنا بكم من حاجة»، ثم نادى مناديهم: «يا محمد! أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا»، فقال رسول الله ﷺ: «قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا علي.» ولما قاموا ودنوا منهم قالوا: «من أنتم؟»، ذكروا أسماءهم، فقالوا: «نعم، أكفاء كرام.»
وبارز عبيدة، وكان أسنّ القوم عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.
فأما حمزة، فلم يُمهل شيبة أن قتله، وأما عليّ فلم يُمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما جرح صاحبه، فكرّ علي وحمزة بأسيافهما على عتبة، فذفّفا عليه، واحتملا صاحبهما إلى معسكر المسلمين.
لقد أبلى (حمزة) في بدر بلاء عظيماً، وقاتل بسيفين، وقد سأل أُمية بن خلف الذي أُسر يوم بدر عبد الرحمن بن عوف: «مَن الرجل المُعْلَم بريشة نعامة في صدره؟»، فقال عبد الرحمن بن عوف: «حمزة بن عبد المطلب»، فقال أُمية: «هو الذي فعل بنا الأفاعيل.»
إنّ دور حمزة في غزوة بدر الكبرى الحاسمة، لم يكن دوراً اعتيادياً، بل كان دوراً بارزاً للغاية، فقد قتل أشجع شجعان قريش وأكثرهم إقداماً، الذي تحدى المسلمين في محاولة الشرب من حوضهم أو هدمه، وقتل شيبة وشارك في قتل عتبة بن ربيعة، وهما من أبرز أشراف قريش ومن أشجع شجعانها، وبذلك أثّر أعمق الأثر في معنويات قريش، فانهارت تلك المعنويات من جراء هذه البداية غير الموفقة، والجيش الذي يخسر معنوياته لا ينتصر أبداً.
ولم يكن حمزة يقاتل بصورة اعتيادية في بدر، بل كان مستقتلاً قتاله، فقتل كثيراً من المشركين ومزّق صفوفهم، وشدّ عليهم شدّة لا هوادة فيها، وطارد فلولهم بدون رحمة، وفعل بهم الأفاعيل.
لقد كان حمزة بحق بطل غزوة بدر الكبرى، فلا عجب أن تشتد نقمة المشركين عليه (وأن يستهدفوا) حياته الغالية إذا نشب القتال بينهم وبين المسلمين من جديد.
في غزوة بني القينقاع
لما عاد رسول الله ﷺ من بدر، أظهرت يهود له الحسد بما فتح الله عليه وبغَوا ونقضوا العهد، وكان قد وادعهم حين قدم المدينة مهاجراً، فلما بلغه حسدهم، جمعهم بسوق بني قينقاع، وقال لهم: «احذروا ما نزل بقريش وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل»، فقالوا: «يا محمد! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبتَ منهم فرصة»، فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه.
وبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم، إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائغ لأجل حلي لها، فجاء رجل منهم فخلّ درعها إلى ظهرها، وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها، فضحكوا منها، فقام إليه رجل من المسلمين فقتله، ونبذوا العهد إلى رسول الله ﷺ، وتحصنوا بحصونهم، فغزاهم رسول الله ﷺ، وحاصرهم خمس عشرة ليلة، فنزلوا على حكمه، فأجلاهم عن المدينة إلى (أذرعات).
وكان لواء النبي ﷺ له مع حمزة، وكان اللواء أبيض، وكانت الغزوة يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجره عليه الصلاة والسلام.
ومن المعلوم أن اللواء يحمله اعتيادياً أشجع الشجعان، لأن الدفاع عنه، وإبقاءه مرفوعاً دون أن يهوي إلى الأرض أو يُعفّر بالتراب، لا يتم إلا لشجعان مشهود لهم بالشجاعة والإقدام والثبات وقوة الأعصاب والألمعية والذكاء.
في غزوة أحد
١ـ في المعركة:
كانت غزوة أحد يوم السبت لسبع ليال خلون من شوّال، على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجره عليه الصلاة والسلام، في السنة الثالثة الهجرية (٦٢٤م)، وقد استقبل النبي ﷺ المدينة، وترك أُحُداً خلف ظهره، وجعل وراءه الرماة وهم خمسون رجلاً، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوّات بن جبير، وقال له: «انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، واثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا» وظاهر رسول الله ﷺ بين درعين، وأعطى اللواء، مصعب بن عمير، وأمّر الزبير بن العوام على الخيل ومعه المقداد، وخرج حمزة بالجيش بين يديه.
ونشب القتال بين الجانبين، واقتتل الناس قتالاً شديداً، وأمعن في الناس حمزة وعلي وأبو دُجانة في رجال من المسلمين، وكانت الهزيمة على المشركين وهرب النساء مصعدات في الجبل، ودخل المسلمون عسكرهم يغنمون. فلما نظر بعض الرماة إلى العسكر حين انكشف الكفار عنه، أقبلوا يريدون الغنائم، وثبت طائفة منهم وقالوا: نطيع رسول الله ﷺ ونثبت في مكاننا.
ولما فارق بعض الرماة مكانهم، رأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة، فحمل عليهم وقتلهم، وحمل على أصحاب النبي ﷺ من خلفهم. فلما رأى المشركون خيلهم تقاتل، أعادوا الكرّة على المسلمين، فهزموهم وقتلوهم.
وكان حمزة قد أبلى بلاء عظيماً في هذه المعركة، فقد قتل أحداً وثلاثين من الكفار.
٢- الشهيد:
قاتل حمزة حتى مرّ به سباع بن عبد العزّى العُبشاني، وكان يكنّى بأبي نيار، فقال له حمزة: «هلُمّ إليّ يا ابن مقطّعة البُظُور»، وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن الأخنس بن شريق، وكانت ختّانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله.
قال وحشي غلام جبير بن مطعم: «والله إني لأنظر إلى حمزة يهُدّ الناس بسيفه ما يليق به شيئاً مثل الجمل الأورق، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزّى، فقال له حمزة: هلُمّ إليّ يا ابن مقطّعة البظور، فضربه ضربة، فكأنما أخطأ رأسه، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثُنّته، حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي، فغُلب فوقع، وأمهلته حتى إذا مات، جئت فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم يكن لي بشيء حاجة غيره.»
وكان وحشي غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طُعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال جبير لوحشي: «إن قتلت حمزة عم محمد، فأنت عتيق»، فخرج وحشي مع الناس. وكان رجلاً حبشياً يقذف بالحربة قذف الحبشة، قلّما يُخطئ، فلما التقى الجانبان خرج ينظر حمزة، فلما قتل حمزة عاد أدراجه إلى معسكر قريش وقعد فيه، إذ لم يكن له بغير حمزة حاجة، وإنما قتله ليُعتق، فلما عاد إلى مكة أُعتق.
وقد استُشهد حمزة يوم السبت النصف من شهر شوال من سنة ثلاث الهجرية (٦٢٤م).
وخرج رسول الله ﷺ يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده، ومُثّل به فجُدع أنفه وأذناه، فحزن عليه النبي ﷺ، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله ﷺ وغيظه على مَن فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر، لنمثلن بهم مُثلة لم يمثلها أحد من العرب.
ولما وقف رسول الله ﷺ على حمزة قال: «لن أُصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ إليّ من هذا».
وكُفّن حمزة في بُردة، إذا غُطّي رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه خرج رأسه، فغُطي رأسه وجُعل على رجليه إذخر.
ووضع النبي ﷺ حمزة فصلى عليه، ثم جيء برجل فوضع فصلّى عليهما جميعاً، ثم رفع الرجل وجيء بآخر، فما زال يفعل ذلك حتى صلى يومئذ على حمزة سبعين صلاة.
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب شقيقة حمزة لتنظر إلى حمزة قبل دفنه، فقال النبي ﷺ لابنها الزبير بن العوام: «الْقَها فارجعها، لا ترى ما بأخيها»، فقال لها: «يا أمت! إنّ رسول الله ﷺ يأمرك أن ترجعي»، قالت: «ولِم؟ وقد بلغني أن قد مُثّل بأخي، وذلك في الله! فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله!». فلما جاء الزبير إلى رسول الله ﷺ فأخبره بذلك، قال: «خلّ سبيلها»، فأتته ونظرت إليه، وصلّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
ولم ير النبي ﷺ منظراً أوجع لقلبه من منظر حمزة مقتولاً ممثلاً به، فقال: «رحمك الله أي عم! فلقد كنتَ وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات، فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلنّ بسبعين منهم». فما برح حتى نزل قول الله في قول رسول الله ﷺ وقول أصحابه: ﴿وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصّابِرينَ، وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّهِ وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرونَ﴾، فعفا رسول الله ﷺ وصبر، ونهى عن المُثلة.
ثم أمر رسول الله ﷺ بحمزة فدُفن في أُحد، ودُفن معه ابن أخته عبد الله بن جحش، وأمه أميمة بنت عبد المطلب، وكان قد مُثّل به أيضاً.
وقبرهما معروف في أُحد حتى اليوم.
ولما رجع رسول الله ﷺ من أُحد، سمع نساء الأنصار من بني عبد الأشهل يبكين على شهدائهن، فقال: «لكنّ حمزة لا بواكي له». فاجتمع نساء وبكين حمزة، فسمع رسول الله ﷺ بكاءهن، فقال: «من هؤلاء؟»، فقيل: نساء الأنصار، فخرج إليهن فقال: «ارجعن، لا بكاء بعد اليوم».
ودعا لهن ولأولادهن وأولاد أولادهن بالخير والبركة والرحمة.
وكان النبي ﷺ قد مرّ في طريق عودته من أُحد إلى المدينة بامرأة من بني دينار، وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله ﷺ بأُحد، فلما نُعوا لها قالت: «فما فعل رسول الله ﷺ؟» قالوا: خيراً يا أم فلان! هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: «أرونيه حتى أنظر إليه»، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: «كل مصيبة بعدك جَلَل»، تريد: صغيرة.
وكانت فاطمة بنت النبي ﷺ تأتي قبر حمزة، ترُمّه وتُصلحه.
وهكذا ضحّى حمزة بنفسه من أجل الدفاع عن عقيدته، ولم يُضحِّ بعقيدته من أجل الدفاع عن نفسه، فاستحق لقب أسد الله وأسد رسوله، وسيد الشهداء، وحزن عليه النبي ﷺ حزناً لم يحزن مثله على أحد غيره، وقال عنه: «حمزة سيد الشهداء»، لأنه كان يقاتل بين يدي رسول الله ﷺ في أُحد بسيفين، فيُذهل الناس بشجاعته وإقدامه، حتى يقول قائلهم فيه: «أي أسد؟».
لقد كان استشهاد حمزة خسارة للمسلمين كافة، لا لآل البيت وحدهم، لأنه كان رجلاً في أمّة، وأمّة في رجل، لا يعيش لنفسه بل للمسلمين جميعاً.
رثاؤه
حظي حمزة بعد استشهاده بكثير من المراثي لكثير من الشعراء المسلمين، مما يدل على حب الناس له، وإعجابهم به، وتقديرهم لسجاياه.
قال كعب بن مالك يرثي حمزة وقتلى أُحد من المسلمين رضي الله عنهم:
نَشَجْتَ وَهَلْ لَكَ منْ مَنْشَجِ… وكنْتَ مَتَى تَذَّكِرْ تَلْجَجِ[1].
فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِم خافِقٌ… مِنَ الشَّوقِ والحزن المُنْضِجِ
وقَتْلاهُمُ في جِنانِ النَّعيمِ… كِرامُ المداخلِ والمَخْرَجِ
بما صَبَروا تَحْتَ ظِلِّ اللِّواءِ… لواءِ الرسولِ بذي الأَضْوج.[2]
غداةَ أجابَتْ بأَسْيافِها… جميعاً بَنُو الأَوْسِ والخَزْرَج
وأشياع أَحْمَدَ إذ شايَعوا… على الحقِّ ذي النورِ والمَنْهَجِ
فما بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الكُماةَ… ويمضونَ في القَسْطلِ المرهجِ[3]
كذلِكَ حَتَّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ… إلى جَنَّةٍ دَوْحَةِ المُولِجِ [4]
فكلُّهُمُ مَاتَ حُرَّ البلاءِ… على مِلَّةِ اللهِ لَمْ يَحْرُجِ[5]
كَحَمْزةَ لمّا وَفَى صادِقاً… بذي هبّة صارِم سَلْجَجِ[6]
فلاقاهُ عَبْدُ بَني نَوْفَلٍ… يُبرِبْرُ كالجَملِ الأَدْعَجِ[7]
فأَوْجَرهُ حَرْبَةً كالشِّهابِ… تَلَهَّبُ في اللَّهَبِ المُوهَجِ [8]
ونُعمانُ أَوْفى بمِيثاقِهِ… وَحَنْظَلَةُ الخيرِ لَمْ يُحْنَجِ[9]
عَنِ الحق حَتَّى غَدَتْ رُوحُهُ… إلى مَنْزِلٍ فاخِرِ الزِّبْرَجِ [10]
أولئِكَ لا مَنْ ثَوَى مِنْكُمُ… مِنَ النّارِ في الدَّرَكِ المُرْتَجِ[11]
وقال حسّان بن ثابت يرثي حمزة وشهداء أُحد:
أَشاقَكَ مِن أُمِّ الوَليدِ رُبوعُ… بَلاقِعُ ما مِن أَهلِهِنَّ جَميعُ[12]
عَفاهُنَّ صَيفِيُّ الرِياحِ وَواكِفٌ… مِنَ الدَلوِ رَجّافُ السَحابِ هموعُ[13]
فَلَم يَبقَ إِلّا موقدُ النارِ حَولَهُ… رَواكِدُ أَمثالُ الحَمامِ كنوع[14]
فَدَع ذِكرَ دارٍ بَدَّدَت بَينَ أَهلِها… نَوىً لمتينات الحبال الجَميعِ قَطوعُ[15]
وَقُل إِن يَكُن يَوم بِأُحدٍ يَعُدُّهُ… سَفيهٌ فَإِنَّ الحَقَّ سَوفَ يَشيعُ[16]
فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم… وكان لهم ذكر هناك رفيع
وحامى بنو النجار فيه وصابروا… وما كان منهم في اللقاء جزوع
أمام رسول الله لا يخذلونه… لهم ناصر من ربهم وشفيع
وفوْا إذ كفرتم يا سخين بربكم… ولا يستوي عبد وفى ومُضيع[17]
بأيديهم بيض إذا حمش الوغى… فلا بد أن يردى لهنّ صريع[18]
كما غادرت في النفع عتبة ثاوياً… وسعدا صريعا والوشيج شروع[19]
وقد غادرت تحت العجاجة مسنداً… أبياً وقد بلّ القميص نجيع[20]
بكف رسول الله حيث تنصّبت… على القوم مما قد يُثرن نقوع[21]
أولئك قوم سادة من فروعكم… وفي كل قوم سادة وفروع
بهنّ نُعزّ الله حتى يُعزنا… وإن كان أمرٌ يا سخين فظيع[22]
فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم… قتيل ثوى لله وهو مطيع
فإنّ جنان الخلد منزلة له… وأمر الذي يقضي الأمور سريع
وقتلكم في النار أفضل رزقهم… حميم معاً في جوفها وضريع[23]
وقال حسان بن ثابت يرثي حمزة سيد الشهداء:
أتعرف الدار عفا رسمها… بعدك صوب المُسبل الهاطل[24]
بين السراديج فأُدمانة… فمدفع الروحاء في حائل[25]
سألتها عن ذاك فاستجمعت… لم تدري ما مرجوعة السائل[26]
دع عنك داراً قد عفا رسمها… وابكِ على حمزة ذي النائل[27]
المالىء الشيزى إذا أعصفت… غبراء في ذي الشبم الماحل[28]
والتارك القرن لذي لِبدة… يعثر في ذي الخرص الذابل[29]
واللابس الخيل إذا أحجمت… كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم… لم يَمِر دون الحق بالباطل[30]
مال شهيداً بين أسيافكم… شلت يدا وحشي من قاتل
أيّ امرئٍ غادر في آلة… مطرورة مارنة العامل[31]
أظلمت الدنيا لفقدانه… واسودّ نور القمر الناصل[32]
صلى عليه الله في جنة…. عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزاً لنا… في كل أمر نابنا نازل
وكان في الإسلام ذا تُدرَإٍ… يكفيك فقد القاعد الخاذل[33]
لا تفرحي يا هند واستجلبي… دمعاً وأذري عبرة الثاكل[34]
وابكي على عتبة إذ قطّه… بالسيف تحت الرهج الجائل[35]
إذا خَرَّ في مشيخة منكُمُ… من كــلّ عــات قلـبـه جــاهل
أرداهمُ حمزةُ في أسرة… يمشون تحت الحلق الفاضل[36]
غداة جبــريـل وزيــر لـــه… نِعْمَ وزير الـفـارس الـحـامـل
وقال كعب بن مالك يبكي حمزة رضي الله عنه:
طَرَقَتْ همومُكَ فالرُّقادُ مُسَهّدُ… وجزعتَ أَنْ سُلخَ الشَّبابُ الأَغْيَدُ[37]
وَدَعَتْ فؤادَكَ للهــوى ضَمْرِيَّـة… فهواك غَوْرِيٌّ وصَحْبُكَ مُنْجِد[38]
فدع التمادي في الغواية سادراً… قد كنتَ في طلب الغَواية تُفْنَد[39]
ولقد أَنَى لَكَ أَنْ تَنَاهَى طائعاً… أو تستفيق إذا نهـاك المرشد[40]
ولقد هُدِدْتَ لفَقْدِ حمزةَ هَدَّةً… ظلت بناتُ الجَوْف منها تُرْعَد[41]
ولو انّه فُجعت حراء بمثله… لرأيتَ راسي صخرها يتبدد[42]
قِرْمٌ تمكن في ذؤابة هاشم… حيث النبوَّةُ والندى والسؤدد[43]
والعاقر الكُوَم الجِلاد إذا غدت… ريح يكاد الريح فيها يجمدُ[44]
والتارك القرن الكميّ مجدلا… يوم الكريهة والقنا يتقصدُ[45]
وتراه يرلُل في الحديد كأنه… ذو لبدة شَئْن البراثن أربدُ[46]
عم النبي محمد وصفيه… ورد الحِمام فطاب ذاك الموردُ
وأتى المنية مُعلمًا في أسرة… نصروا النبي ومنهم المستشهدُ[47]
ولقد إخال بذاك هندًا بشّرت… لتميت داخل غصة لا تبردُ[48]
مما صبحنا بالعقنقل قومها… يوم تغيب فيه عنها الأسعدُ[49]
وببئر بدر إذ يردُّ وجوههم… جبريل تحت لوائنا ومحمدُ
حتى رأيت لدى النبي سراتهم… قسمين نقتل من نشاء ونطردُ[50]
فأقام بالعَطَن المعطن منهم… سبعون عتبة منهم والأسودُ[51]
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة… فوق الوريد لها رشاش مزبدُ[52]
وأُميّة الجُمحيّ قوّم ميله… عضبٌ بأيدي المؤمنين مهنّد[53]
فأتاك فلُّ المشركين كأنّهم… والخيل تثفُنُهم نعامٌ شُدّد[54]
شتّان من هو في جهنّم ثاوياً… أبداً ومن هو بالجنان مخلّد[55]
وقال كعب بن مالك يرثي حمزة رضي الله عنه:
صفية قومي ولا تعجزي… وبكّي النساء على حمزة
ولا تسأمي أن تطيلي البُكا… على أسدِ اللهِ في الهزّة[56]
فقد كان عزًّا لأيتامنا… وليثَ الملاحم في البِزّة[57]
يريد بذاك رضاً أحمدٍ… ورضوان ذي العرش والعزّة[58]
وقال كعب بن مالك يرثي حمزة رضي الله عنه: [59]
بكت عيني وحق لها بكاها… وما يُغني البكاء ولا العويل[60]
على أسد الإله غداة قالوا… أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعاً… هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هُدّت… وأنت الماجد البرّ الوَصول[61]
عليك سلام ربّك في جنانٍ… مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبراً… فكلّ فعالكم حسنٌ جميل
رسول اللهِ مُصطبرٌ كريم… بأمرِ الله ينطقُ إذ يقول
ألا من مُبلغٍ عني لُؤَيّاً… فبعدَ اليومِ دائلةٌ تدول[62]
وقبلَ اليومِ ما عرفوا وذاقوا… وقائعَنا بها يُشفى الغليل[63]
نسيتم ضربَنا بقليبِ بدرٍ… غداةَ أتاكمُ الموتُ العجيل[64]
غداةَ ثوى أبو جهلٍ صريعاً… عليه الطيرُ حائمةٌ تجول[65]
وعتبةُ وابنه خرّا جميعاً… وشيبةُ عضّه السيفُ الصقيل[66]
ومترَكُنا أميّةَ مُجلَعِبّاً… وفي حيزومهِ لدنٌ نبيل[67]
وهامَ بنو ربيعةَ سائلوها… ففي أسيافِنا منها فلول
ألا يا هندُ فابكي لا تملي… فأنتِ الوالهُ العبرى الهَبول[68]
ألا يا هندُ لا تُبدي شماتاً… بحمزةَ إن عزّكم ذليل
تلك غيض من فيض القصائد التي قيلت في رثاء حمزة والشهداء الآخرين وفي غزوة أحد، تدل دلالة واضحة على مبلغ حزن المسلمين كافة على استشهاد حمزة بخاصة والشهداء الآخرين بعامة، وهي إن دلّت على شيء، فإنّما تدلّ على سجاياه الرفيعة التي كان يتمتع بها حياً، والفراغ الهائل الذي خلّفه بعد استشهاده.
الإنسان
لم يُسلم من ولد عبد المطلب بن هاشم أحد إلا حمزة والعباس.
ولد حمزة عُمارة، وأمه خولة بنت قيس بن فهد الأنصاري؛ ويعلى، وعامر، أمهما أنصارية، وابنة تزوجها سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
يكنى: أبا عمارة، وأبا يعلى أيضاً بابنيه عمارة ويعلى، وقد انقرض عقب حمزة رضي الله عنه.
واسم ابنة حمزة: أمامة، وكان رسول الله ﷺ قد زوّج أمامة بنت حمزة سلمة بن أبي سلمة المخزومي، فماتت قبل أن يجمعها.
وآخى رسول الله ﷺ بين حمزة وبين زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ، وبهذا السبب خاصم زيد علياً وجعفراً ابني أبي طالب في ابنة حمزة، فدفعها رسول الله ﷺ إلى جعفر، لأن خالتها أسماء بنت عميس كانت عند جعفر، وكانت عند حمزة أختها سلمى بنت عميس.
كان من السابقين إلى الإسلام، فأعز الله به المسلمين والإسلام، ولم يقف موقفاً سلبياً بعد إسلامه، بل وقف موقفاً إيجابياً مدافعاً عن النبي ﷺ وعن المسلمين كافة، وبقي موقفه إيجابياً حتى استشهد في غزوة أُحد، فقدّم روحه هدية للمصلحة العامة للمسلمين، فربح نفسه وخسره المسلمون.
وكان الحافز لإسلامه حميته على ابن أخيه الذي آذاه أبو جهل واضطهده وأهانه لا لشيء إلا أن يقول: ربي الله، فتحدى قريشاً بإسلامه، وانتقم من أبي جهل علناً. ولكن يبدو أن جذور الإيمان في نفس حمزة كانت أعمق جذوراً، فقد كان عم النبي ﷺ، وكان مقارباً له في السن، يعرفه حق المعرفة، لأنه مطلع على أدق تفاصيل أحواله إنساناً ونبياً، فهو واثق بالنبي ﷺ ثقة بغير حدود، فكان إيذاء النبي ﷺ الحافز الذي فجّر إيمان حمزة، فأعلن إسلامه على ملأ من قريش.
لقد كان حمزة أعزّ قريش وأشدّهم شكيمة، فكان إسلامه عزاً للمسلمين، فقوي الإسلام به، وصدق حسّان بن ثابت، إذ قال في رثائه:
كنا نرى حمزة حرزاً لنا… في كل أمر نابنا نازل
كما صدق كعب بن مالك، إذ قال في رثائه أيضاً:
أصيب المسلمون به جميعاً… هناك وقد أصيب به الرسول
ولكن القول بأن حمزة خسره المسلمون لشجاعته الفذة وبطولته النادرة دفاعاً عن الإسلام والمسلمين على صواب هذا القول وصدقه، إلا أنه لا يغني عن كل قول.
فالواقع أن حمزة، كان يرعى المسلمين في السّلام رعاية الأب لابنه والأم لولدها، كما كان يدافع عنهم في الحرب دفاع القائد الشجاع والبطل المغوار، وصدق كعب في رثائه:
فقد كان عزاً لأيتامنا… وليث الملاحم في البِزّة
إنه بحق الأب الحنون والأم الرءوم للمسلمين كافة في السّلام، والمدافع عنهم بروحه في الحرب.
لقد كان إنساناً رفيعاً في سجاياه من أولئك الذين خُلقوا للخير والمثل العليا، فكان كلّ حياته رهين مثله العليا، لا يفكر بغيرها، ولا يعمل إلا من أجلها، فعاش لها ومات دفاعاً عنها، ولا نعلم أنه شغل نفسه بالتجارة أو أتعب نفسه للثراء، فقضى عمره فقيراً، ومات فقيراً، ولم يكتنز درهماً ولا ديناراً، ولا اقتنى داراً وعقاراً، فكان فقيراً بالمادة، غنياً بالروح.
وكان عمره حين استُشهد تسعاً وخمسين سنة على قول من يقول: إنه كان أسنّ من رسول الله ﷺ بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعاً وخمسين سنة.
فإذا ثبت لنا أن حمزة أسنّ من رسول الله ﷺ بسنتين، وأنه وُلد سنة (٥٧٩م)، واستُشهد في السنة الثالثة الهجرية (٦٢٤م)، فمعنى ذلك أنه عاش ستّاً وخمسين سنة قمرية وخمساً وخمسين سنة شمسية.
ومضى حمزة إلى ربّه طاهر الذيل، عفّ اللسان، مرفوع الرأس، طيب الذكر، سخّر طاقاته لخدمة عقيدته وخدمة الناس، ولم يُسخّر عقيدته ولا أحداً من الناس لخدمته، ملك روحه فما ضنّ بها على الإسلام، بل ضحّى بها طوعاً، مُقبلاً غير مدبر، فكانت روحه اللبنة الصلدة في صرح الدين الحنيف.
القائد
كان حمزة من أبطال المسلمين الأولين، مشهوداً له بالشجاعة والإقدام، ولعلّ شجاعته الفائقة هي التي فرضت احترامه الشديد على الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام، بالإضافة إلى سجاياه الرفيعة الأخرى التي يمكن أن أطلق عليها: سجايا الفروسية.
لقد اعتدى أبو جهل المخزومي على النبي ﷺ، فشجّه شجة منكرة في البيت الحرام، وهو بين قومه بني مخزوم، وهم أعزّ قريش، فقام بنو مخزوم لينصروا أبا جهل، ولكن حمزة تحدّاهم جميعاً بإعلانه الإسلام قائلاً: «وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك، أنا أشهد أنه رسول الله ﷺ، وأنه الذي يقول الحق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عُمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبّاً قبيحاً».
لقد منع جهل قومه بني مخزوم من نصرته على حمزة، لأنه كان يعلم أن نصرته ستكلفه وتكلّف قومه غالياً، فانسحب من تحدي حمزة راضياً بالذل والهوان بين قومه بني مخزوم وحشد رجال قريش، خوفاً من حمزة لا إشفاقاً عليه، وهكذا تفرض الشجاعة نفسها فرضاً على الأعداء والأصدقاء.
وعزّ الإسلام بحمزة والمسلمون بعد إسلامه، لأنه شجاع لا كالشجعان، وهو الذي جندل رجالات قريش في المبارزة يوم بدر ويوم أحد أيضاً، وفعل بهم الأفاعيل في القتال.
وحسبنا دليلاً على مبلغ شجاعته الفائقة ما حظي به من تكريم النبي ﷺ، الذي أطلق عليه: أسد الله، وأسد رسوله.
ولعلّ أكبر دليل على كفايته القيادية أن النبي ﷺ قلّده أول لواء في الإسلام، فبعثه على رأس سرية في ثلاثين من المهاجرين، ليتصدى لقافلة قريش بقيادة أبي جهل في ثلاثمائة من المشركين، فاصطف الجانبان للقتال، ولكنهما حُجزا، فلم يكن هناك أي قتال، ولكن أثر حمزة في المشركين من الناحية المعنوية كان عظيماً.
وما كان حمزة في كلّ حياته يخشى أن يقع على الموت أو يقع الموت عليه، لهذا كان يضع علامة في رأسه أو على صدره، يتميز بها عن المجاهدين الآخرين، دون أن يحسب أي حساب لإظهار شخصيته لأعدائه، متحدياً لهم، غير هيّاب ولا وَجل مما يكتنفه من هذا التحدي على حياته من أخطار.
وليس توليته أول قيادة إلا دليلاً على ثقة النبي ﷺ بقيادة حمزة، لأنها أول مجابهة بين المسلمين والمشركين، ونتائجها تؤثر في معنويات الجانبين تأثيراً حاسماً. وهذه الثقة النبوية لشجاعته ولمزاياه القيادية الأخرى.
وكما كان حمزة موضع ثقة النبي ﷺ، كان موضع ثقة المسلمين كافة، وكان يبادلهم ثقة بثقة، والثقة المتبادلة من مزايا القائد المتميّز. كما كان موضع محبة النبي ﷺ وموضع محبة المسلمين جميعاً، وكان حمزة يبادلهم حباً بحب وتقديراً بتقدير.
وقد تيسرت لحمزة مزايا القائد الثلاث الرئيسة: الطبع الموهوب، والعلم المكتسب، والتجربة العملية.
فقد وهبه الله طبعاً هو طبع القائد الموهوب، فالشجاعة طبع أصيل فيه، وكان ألمعي الذكاء، وهذا أيضاً من الطبع الموهوب.
ولعل ثقته العالية بنفسه في القتال، هي نتيجة من نتائج شجاعته وذكائه، فصقل هذا الطبع بالعلم المكتسب في التدريب على استعمال السلاح والفروسية، وتحمّل المشاق، والصبر، والمصابرة، والإيمان العميق أما تجربته العملية، فقد مارس القتال من نعومة أظفاره في حرب الفجار، إلى استشهاده في غزوة أحد، فسقط مضرجاً بدمائه، ولم يسقط من يده السيف.
أما مزايا القائد الفرعية أو الثانوية، فقد كان حمزة يتمتع بأكثرها وأهمها؛ فقد كان سريع القرار، سليم القرار، ذا إرادة قوية ثابتة، يتحمّل المسؤولية كاملة، لا يتهرّب منها، ولا يُلقيها على عواتق غيره من القادة أو المرؤوسين. له نفسية ثابتة لا تتبدل في حالة النصر أو الهزيمة، وكان عارفاً بنفسيات رجاله وقابلياتهم، لأنه يعيش معهم، ويقضي أكثر وقته بينهم. ذا شخصية نافذة قوية، له قابلية بدنية فذّة، وماضٍ ناصع مجيد.
وكان قائداً يطبق مبادئ الحرب، يختار مقصده ويسعى إلى تحقيقه، قائداً تعرّضياً لا يلجأ إلى الدفاع، يتوخى تطبيق مبدأ المباغتة، أهم مبادئ الحرب على الإطلاق. يحشد قواته لتحقيق مقصده، ويقتصد بالقوة ولا يسرف فيها، ويحقق الأمن لرجاله، وغالباً ما يستأثر بالخطر ويؤثرهم بالاطمئنان، خططه مرنة لتناسب المواقف المتبدلة بسرعة في الحرب، يطبق مبدأ التعاون تطبيقاً متميزاً، يديم معنويات رجاله، وهو بحق عنصر من أهم عناصر رفع المعنويات في رجاله، ويهتم بتأمين الأمور الإدارية للعاملين بإمرته.
وهو كذلك يساوي نفسه مع رجاله، ولا يتميز عنهم بالراحة، وقد يتميز عنهم بالعناء. ويشاور رجاله، ولا يستبدّ دونهم بالقرار.
ولم تطل مدته في القيادة، فقد سارع إلى الشهادة، وإلا لكان له شأن عظيم في سرايا النبي ﷺ، وغزواته، ولكان له شأن عظيم في أيام الفتح الإسلامي العظيم.
حمزة في التاريخ
يذكر التاريخ لحمزة، أنّه كان شخصية مرموقة من شخصيات قريش في الجاهلية.
ويذكر له، أن إسلامه كان عِزّاً للإسلام والمسلمين. ويذكر له، أنه كان بطل الإسلام والمسلمين في مكة المكرمة، وظل بطل الإسلام والمسلمين بعد هجرته إلى المدينة المنورة.
ويذكر له، أنه تقلّد أوّل لواء في الإسلام في بداية الصراع الحاسم بين المسلمين والمشركين. ويذكر له، أنّه بَطَل الإسلام والمسلمين في غزوة بدر، وكان لجهاده الفذ وشجاعته الخارقة أعظم الأثر في نصر المسلمين على المشركين في تلك الغزوة الحاسمة.
ويذكر له أنه بطل الإسلام والمسلمين في غزوة أُحد، فضحى بروحه من أجل عقيدته ولم يُضَح بعقيدته من أجل روحه. ويذكر له، أنه خدم الإسلام والمسلمين في السلام كما خدم الإسلام والمسلمين في الحرب.
رضي الله عن سيف الله، وسيف رسوله، سيّد الشهداء، أسد الله، وأسد رسوله، عم النبي ﷺ، حمزة بن عبد المطلب القُرَشِي الهاشمي.
من كتاب “قادة النبي صلى الله عليه وسلم”.
[1] نَشَجَتْ : بَكَيْتُ، والنَّشيجُ: البُكاءُ مَعَ صَوْتٍ مُتَرَدِّدٍ، وَتَلَجُّجٌ : هُوَ مِنَ اللَّجَجِ، وَهُوَ التَّمَادِي فِي الشَّيْءِ وَالإِقَامَةُ عَلَيْهِ.
[2] الأَضْوَجُ : جَمْعُ ضَوْجٍ، وَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي.
[3] الكُمَاةُ : الشُّجْعَانُ، وَاحِدُهُمْ كَمِيٌّ، وَالْقَسْطَلُ: الْغُبَارُ، وَالْمُرْهَجُ : الَّذِي ثَارَ حَتَّى عَلَا وَارْتَفَعَ فِي الْجَوِّ.
[4] الدَّوْحَةُ : الْكَثِيرَةُ الأَغْصَانِ، وَالْمُولَجُ : الْمَدْخَلُ، وَأَرَادَ هُنَا أَنَّ الْجَنَّةَ كَثِيرَةُ الأَبْوَابِ.
[5] لَمْ يَحْرَجْ : لَمْ يَأْثَمْ.
[6] بِذِي هِبَةٍ : أَرَادَ بِهِ سَيْفًا، وَهِبَةُ السَّيْفِ : وُقُوعُهُ بِالْعَظْمِ، وَالصَّارِمُ : الْقَاطِعُ، سَلْجَجٌ : مُرْهَفٌ، حَادٌّ، قَاطِعٌ.
[7] أَرَادَ بِعَبْدِ بَنِي نَوْفَلٍ : وَحْشِيًّا، وَيُبَرْبِرُ : يَتَكَلَّمُ بِمَا لا يُفْهَمُ، وَالْجَمَلُ الأَدْعَجُ : الأَسْوَدُ.
[8] أَوْجَرَهُ : طَعَنَهُ فِي صَدْرِهِ، وَالشِّهَابُ : القِطْعَةُ مِنَ النَّارِ، وَالْمُوهَجُ : الْمُتَّقِدُ.
[9] لَمْ يَجْنَحْ : لم يصرف عن وجهه الذي أراد من الحق.
[10] الزُّبْرُج : المُوشَّى، وهو أيضًا الذَّهَب.
[11] المُرْتَج : المُغْلَق، تقول: أَرْتَجْتُ البابَ إذا أَغْلَقْتَه.
[12] رُبُوع: جمع رَبْع، وهو المنزل، وبَلاقِع: جمع بَلْقَع، وهو القَفْرُ الخالي، وجميع: مجتمعٌ مؤتلف.
[13] عَفَاهُنّ: غيرهُنّ، ودَرَسَ جِدّتَهُنّ،.وَوَاكِف: المطر السائل،.وقوله: “من الدّلو” أراد نجم الدلو، ورَجَّاف: متحرّك شديد الصوت، وَهُمُوع: سائل كثير السّيَلان.
[14] رَوَاكِد: جمع راكدة وهي الثابتة، وأراد بالراكدة الأثافيّ، وهي الحجارة التي ينصبونها لوضع القدور عليها، وكنوع: لاصقة بالأرض.
[15] النَّوَى: البُعد، ومَتِينَات الحِبَال: الغليظ الشديد منها،.وقُطُوع: شديدة القطع، وأراد هنا بالحبال: الوِصال والاجتماع بين الأهل والمحبّين.
[16] يَشِيع: يفشو أمرُه، ويَنتشر ذِكرُه، ويَنبه شَأنُه.
[17] بَاسِخِينَ: أراد يَاسَخِينَة، وهي الحَساء يُتَّخَذ من الدقيق، وكانت قريش تُنَبِّز بها.
[18] حمش: اشتدَّ وقوي. الوغى: الحرب، ويردي: يهلك.
[19] غادرت: تركت. النقع: الغبار، وثاوياً: مقيماً. والوشيج: الرماح. وشوج: مائلة للطعن.
[20] العجاجة: الغبرة والتراب الثائر، والنجيع: الدم.
[21] نقوع: جمع نقع، وهو الغبار.
[22] ياسخين: مضى تفسيرها قريباً. والفظيع: الثقيل الكريه.
[23] الحميم: الحار، والضريع: نبات أخضر يُرمى به البحر، وانظر القصيدة في سيرة ابن هشام (3/107-110).
[24] عفا: غيّر ودرس. ورسمها: أثرها، والصوب: المطر، والهاطل: الكثير السيلان.
[25] السراديح: جمع سرداح، وهو الوادي، ويقال: المكان المتسع، وأدمانة: مكان بعينه، والمدفع: حيث يندفع السيل، والروحاء: اسم موضع، وحائل: جبل.
[26] استعجمت: لم ترد جواباً، ومرجوعة السائل: رجوع جوابه.
[27] النائل: العطاء.
[28] الشِيزى: الجفان المصنوعة من خشب الشيز؛ وأعصفت: اشتدت. يُقال: عصفت الريح وأعصفت: إذا اشتدّ هبوبها. الغبراء: التي تثير الغبار وتهيّجه، والشِّبْم: الماء البارد، والماحل: من المحل، وهو القحط.
[29] القرن: الذي يقاومك في القتال، واللِّبدة: الغبار الملبَّد، وذو الخَرص: الرمح، والخَرص: سِنانه، وجمعه خرصان، والذابل: الرقيق الشديد.
[30] لم يمر: لم يُمارِ ولم يُجادل.
[31] غادر: ترك، والآلة: الحربة التي لها سنان طويل، والمطرورة: المحددة، والمارِنة: اللينة، والعامل: أعلى الرمح.
[32] الناصِل: الخارج من السحاب.
[33] ذا تدرأٍ: كثير الدفاع عنا.
[34] أذْرِي: اسكبي، واسترخصي، والعَبرة: الدمعة، والثاكل: المرأة التي فقدت ولدها.
[35] قَطَّهُ: قطعه نصفين، والرَّهَج: الغبار، والجائل: المتحرّك الثائر، ممّا أثارته سنابك الخيل وأقدام المحاربين.
[36] أرداهم: أوردهم الردى، وهو الهلاك. وأسرة: قرابة، وذلك لأن حمزة قتل عتبة وشيبة (أخاه) وحنظلة بن أبي سفيان، وأمّه هي هند. والحلق: الدروع. والفاضل: الذي يفضل عن لابسه ويزيد عنه، وينجرّ على الأرفق.
[37] المسهد: القليل النوم في الأصل، وأراد بالمسهد صاحبه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. سلخ: أزيل. الأغيد: الناعم.
[38] ضمرية: منسوبة إلى بني ضمرة، إحدى القبائل العربية. وغوري: منسوب إلى الغور، وهو المنخفض من الأرض.
[39] الغاوي: ضد الراشد، وهو المتحيّر في سبيل الضلال. وتفند: تُلام وتُعذل وتُكذّب. والفند أيضاً الكلام الذي لا يعقل.
[40] أنى: حان.
[41] بنات الجوف: أراد بها القلب وما اتصل به من كبده وأمعائه، لأن الجوف يضمّها ويشتمل عليها.
[42] حراء: اسم جبل. وأنثه: باعتباره بقعة من الأرض. والراسي: الثابت. يتبدد: يتفتت.
[43] القرم: الفحل. وذؤابة هاشم: أعاليها، وأراد بها أسمى أنسابها وأرفعها.
[44] الكوم: جمع كوماء، وهي من الإبل العظيمة السنام. والجلاد: القوية. وريح يكاد الماء فيها يجمد: أيام الشتاء.
[45] الكمي: الشجاع. ومجدلاً: مطروحاً على الجدالة، وهي الأرض. ويتقصّد: يتكسر.
[46] يرفل: يمشي مختالاً. والحديد: الدروع. وذو لبدة: الأسد، واللبدة الشعر الذي على كتفي الأسد. وشئن: غليظ. والبراثن: هي للأسد بمنزلة الأصابع للإنسان. وأربد أغبر يُخالط لونه سواد.
[47] معلماً: مشهراً نفسه بعلامة تميزه من سائر المحاربين. وأسرة: رهط.
[48] إخال: أظنّ. والغصة: ما يقف في الحلق فيخنق.
[49] العقنقل: الكثيب من الرمل، أراد به كثيب بدر وصبحناهم: أتيناهم صباحاً للغارة عليهم.
[50] سراتهم: أشرافهم وخيارهم. ونطرد: نسوقه كما تساق الأنعام، يريد إنا قتلنا قسماً وأسرنا قسماً آخر.
[51] العطن: مبرك الإبل حول الماء. والمعطن: الذي عود أن يتخذ عطناً.
[52] الوريد: عرق في صفحة العنق. ورشاش مزبد: يريد دماً تعلوه الرغوة.
[53] عضب: سيف قاطع.
[54] فلّ المشركين: المنهزمون منهم. وتثفنهم: تطردهم وتتبع آثارهم، وأصله الأول من ثفنات البعير، وهي ما حول الخف. وشرد: جمع شاردة .
[55] ثاوياً: مقيماً ليس يبرحها، ويروى (تاوياً)، وهو الهالك. انظر سيرة ابن هشام (١٣٦/٣ – ١٣٨).
[56] الهزة: الاختلاط في الحرب.
[57] الملاحم: جمع ملحمة، وهي الحرب التي يكثر فيها القتلى.
[58] ) سيرة ابن هشام (١٣٩/٣ – ١٤٠).
[59] وتروى هذه القصيدة لعبد الله بن رواحة أيضاً، انظر سيرة ابن هشام (١٤٨/٣).
[60] العويل: البكاء مع ارتفاع الصوت.
[61] أبو يعلى: هي كنية حمزة رضي الله عنه، وكان حمزة يكنى بابنه يعلى، ولم يعش لحمزة ولد غيره، وأعقب يعلى خمسة من البنين ثم انقرض عقبهم، وكذلك كان يكنى أبا عمارة. والماجد الشريف.
[62] دائلة تدول: يريد دائرة الحرب.
[63] الغليل: حرارة الجوف من عطش أو حزن.
[64] العجيل: العاجل السريع.
[65] حائمة: تدور حوله، وتجول: تجيء وتذهب.
[66] خرّا جميعاً: سقطا على الأرض.
[67] مجلعباً: معناه أنه ممتد مع الأرض. والحيزوم: أسفل الصدر. واللدن: الرمح اللين.
[68] الواله: الشديد الحزن. والعبرى: الكثيرة الدّمع. والهبول: التي فقدت عزيزها.