جعفر بن أبي طالب الهاشمي القرشي المعروف بجعفر الطيار، أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، كنيته أبو عبد الله، وكناه رسول الله -ﷺ- أبا المساكين؛ لأنَّه كان يعطف على المساكين ويتفقدهم ويجلس معهم، ولد بمكة قبل البعثة.
كان من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم بعد إسلام أخيه عليّ بن أبي طالب بقليل، ثاني من صلَّى مع رسول الله -ﷺ- من الرجال في أوّل جماعة عُقدت في الإسلام، هاجر في السنة الخامسة من البعثة مع الدفعة الثانية التي هاجرت إلى الحبشة، وكان جعفر على رأس المهاجرين، وصحب معه زوجته أسماء بنت عميس.
لمنـزلته العظيمة ودوره الكبير في نشر الإسلام وتبليغه، ضرب له رسول الله -ﷺ- يوم بدر سهماً من الغنيمة حاله حال المقاتلة، ولـم يكن جعفر حاضراً فيها.
قدم على الرسول محمد ﷺ- في السنة السابعة من الهجرة، حيث كان فتح خيبر، فاعتنقه الرسول ﷺ وقال: “ما أدري بأيّهما أنا أشدّ حرصاً، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر”.
لُقب جعفر بذي الهجرتين؛ لأنه هاجر من مكة إلى الحبشة، ومنها إلى المدينة، حيث أنزله رسول الله -ﷺ- إلى جنب المسجد، واختار له منـزلاً هناك.
لم يتزوج جعفر إلا أسماء بنت عميس، أسلمت قديما، وهاجرت معه للحبشه، وولدت له بالحبشه عبد الله، وعون، ومحمد، ثم هاجرت معه للمدينة، فلما استشهد جعفر تزوجها أبو بكر الصديق، فولدت له محمد بن أبى بكر، ثم مات عنها فتزوجها على بن أبى طالب، فولدت له يحيى وعون ومسلمه وكان علي آخر أزواجها.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب جعفر حبا شديدا ويشتاق إليه، وكان جعفر من أفصح الناس وأطيبهم حديثا.
قال الشعبي : تزوج علي أسماء بنت عميس ، فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ، فقال كل منهما : أبي خير من أبيك . فقال علي : يا أسماء ، اقضي بينهما . فقالت : ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر ، ولا كهلا خيرا من أبي بكر . فقال علي : ما تركت لنا شيئا ، ولو قلت غير هذا لمقتك . فقالت : والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار .
حدثنا الأسود بن شيبان عن خالد بن شمير ، قال : قدم علينا عبد الله بن رباح ، فاجتمع إليه ناس ، فقال : حدثنا أبو قتادة ، قال : بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جيش الأمراء ، وقال : ” عليكم زيد ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر، فابن رواحة ” . فوثب جعفر ، وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي . قال : امضوا ; فإنك لا تدري أي ذلك خير .
فانطلق الجيش ، فلبثوا ما شاء الله ، ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صعد المنبر ، وأمر أن ينادى : ” الصلاة جامعة ” . قال – صلى الله عليه وسلم – : ” ألا أخبركم عن جيشكم ، إنهم لقوا العدو ، فأصيب زيد شهيدا ، فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء جعفر ، فشد على الناس حتى قتل ، ثم أخذه ابن رواحة ، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا ، ثم أخذ اللواء خالد ، ولم يكن من الأمراء – هو أمر نفسه – فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أصبعيه وقال : اللهم هو سيف من سيوفك فانصره – فيومئذ سمي سيف الله – . ثم قال : انفروا فامددوا إخوانكم ، ولا يتخلفن أحد ” فنفر الناس في حر شديد .
ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد ، عن أبيه ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني – وكان من بني مرة بن عوف – قال : لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل .
قال ابن إسحاق : وهو (جعفر) أول من عقر في الإسلام ، وقال :
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها علي إن لاقيتها ضرابها
الواقدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، قال : ضربه رومي فقطعه بنصفين . فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا .
أبو أويس عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : فقدنا جعفرا يوم مؤتة ، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين ، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده .
أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، أن ابن عمر قال : جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة ، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من بين ضربة وطعنة .
أبو أحمد الزبيري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه : سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن جعفر ، فقال رجل : رأيته حين طعنه رجل ، فمشى إليه في الرمح ، فضربه ، فماتا جميعا .
سعدان بن الوليد : عن عطاء ، عن ابن عباس : بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : ” يا أسماء ، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر ، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم ، فردي عليه السلام ، وقال : إنه لقي المشركين ، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون ، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ، ثم أخذ باليسرى فقطعت . قال : فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها ” .
)سير أعلام النبلاء)
وعن أسماء ، قالت : دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فدعا بني جعفر ، فرأيته شمهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : ” نعم ، قتل اليوم . فقمنا نبكي ، ورجع ، فقال : اصنعوا لآل جعفر طعاما ; فقد شغلوا عن أنفسهم ” .
وعن عائشة ، قالت : لما جاءت وفاة جعفر ، عرفنا في وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – الحزن .
أبو شيبة العبسي : حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة ، مضرجة قوادمه بالدماء ، يطير في الجنة ” .
عبد الله بن جعفر المديني : عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : ” رأيت جعفرا له جناحان في الجنة ” .
وجاء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي – صلى الله عليه وسلم .
ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة – رضي الله عنه .
عبد الله بن نمير : عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : لما رجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خيبر تلقاه جعفر ، فالتزمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقبل بين عينيه ، وقال : ” ما أدري بأيهما أنا أفرح : بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر ” .
وفي رواية محمد بن ربيعة ، عن أجلح : فقبل ما بين عينيه ، وضمه واعتنقه .
(سير أعلام النبلاء)
وفي ” الصحيح ” من حديث البراء وغيره : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لجعفر : ” أشبهت خلقي وخلقي ” .
أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، قال : ” ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، أفضل من جعفر بن أبي طالب ” يعني في الجود والكرم .
رواه جماعة عن خالد ، وله علة ، يرويه عبيد الله بن عمرو ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة .
ابن عجلان : عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : كنا نسمي جعفرا أبا المساكين . كان يذهب بنا إلى بيته ، فإذا لم يجد لنا شيئا ، أخرج إلينا عكة أثرها عسل ، فنشقها ونلعقها .
(سير أعلام النبلاء)