كانت أم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ طوال حياتها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثلاً طيباً للزوجة الصالحة، التي تعين زوجها على أعبائه، وتقف معه بالحب والإيناس والعون، وهي ممن كمل من النساء، وبقيت معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته، وكان لها في حياته – صلى الله عليه وسلم ـ عظيم الأثر، ولها عند الله عظيم الأجر والمنزلة، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُثني عليها ويبالغ في تعظيمها، ويقول: ( إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا) رواه مسلم .
وقفَتِ المرأة الصالحة خديجة رضي الله عنها مع زوجها في دعوته ورسالته، وهَمِّه ومعاناته، تدفع من مالها لِنُصرته، ومن عطفها لمواساته وتسليته، كم مرَّت بالنبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – من مواقفِ تصلُّبٍ ومعاندة ومُحادَّة، كادت نفسه تذهب معها حسرات على هذا الإعراض، حتى قال له ربُّه: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8] ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، فكانت خديجة – رضي الله عنها – نسمة نديَّة، تُخفِّف من آلامه وحسراته.
قال ابن إسحاق: كان النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – لا يسمع شيئًا مما يكرهه من ردٍّ عليه، وتكذيبٍ له، إلا فرَّج الله عنه بِها إذا رجع إليها، تثبِّته وتُخفِّف عنه، وتصدِّقه وتهوِّن عليه أمر الناس، فرَضِي الله تعالى عنها.
عاش المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – في مكَّة حياة الاضطهاد، وقرَّر قومُه مُحاصرته في شِعْب أبي طالب، فاختارت المرأة الصالحة الوفيَّة، أن تنحاز إلى الشِّعب مع زوجها، مع أنَّها ليست من بني هاشمٍ ولا بني المطَّلِب، وإنَّما اختارت حياة الجوع والمسغبة ثلاث سنوات؛ نُصْرة وتأييدًا لزوجها.
وظلَّت أمُّ المؤمنين وفيَّة لزوجها، بفِعالِها وأقوالها، حتَّى ملكَتْ مكانة عند النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم لا تضاهيها مكانة.
ولذا لم يتزوَّج عليها النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – حتى توُفِّيَت؛ إكرامًا ووفاء ومحبة.
وجمعت أمِّ المؤمنين إلى مقامها زوجة صالحة، أما صالحة، فكانت الأمُّ لأبناء النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فكانت – رضي الله عنها – مدرسة في التربية والتوجيه والتعليم، فخرجتْ من بيت النبوة بنات، كُنَّ مضْرِبَ المثل في العفَّة والحياء والوقار.
فيا لِصَلابة الإيمان، وكمال الخلُق، ورجاحة العَقْل؛ التي ازدانت بها أمنا خديجة رضي الله عنها.