سلام الله عليها، وبيت في الجنة

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أتى جبريل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام ، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنِّي، وبشرها ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ مجوف واسع)، لا صخب (علو صوت) فيه ولا نصب (تعب) ) رواه البخاري .

منقبتان عظيمتان لأم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ:

الأولى: إرسال الله ـ عز وجل ـ سلامه عليها مع جبريل وإبلاغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك.
قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: ” وأرسل الله إليها السلام مع جبريل، وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها “.

والثانية: البشرى لها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب .

وقال السهيلي: ” وإنما بشرها ببيت في الجنة من قصب – يعني قصب اللؤلؤ – لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان، لا صخب فيه ولا نصب، لأنها لم ترفع صوتها على النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم تتعبه يوماً من الدهر، فلم تصخب عليه يوماً ولا آذته أبداً ” .

وقد أبدى السهيلي لنفي هاتين الصفتين ـ الصياح والتعب ـ حكمة لطيفة فقال: ” لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة ـ رضي الله عنها ـ طوعاً، فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها “.

وقال: ” فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيت إسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضاً غيرها، وجزاء الفعل يذكر غالباً بلفظه وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر”.

خديجة رضي الله عنها، أسبق السابقين الأولين!

أي عظمة تحملها الأوصاف، أي جلال حق وخلق وأدب!
أي حسن عشرة وقدوة تُتبع.
أي حكمة تتجلى وموعظة تتلخص!

لا عجب أن يختارها الله جل جلاله لتكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وسنده وسكنه في أعظم مرحلة من البعثة، وأصعب حقبة مصادمة وصدع بالحق، وأول أساس للإسلام لا ينفك.. فكانت أهلا للسبق والفضل.

وكذلك حق وواجب على كل أمة لله مؤمنة، أن تقتدي بسيدتنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها، شرفا وتواضعا وخلقا وحكمة وبصيرة.

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ( استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعرف (تذكر) استئذان خديجة فارتاح لذلك ( سُرَّ لمجيئها وصوتها لأنها ذكرته بخديجة)، فقال: اللَّهم هالة، قالت: فغِرْتُ فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ( عجوز سقطت أسنانها )، هلكت (ماتت) في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما أبدلني الله خيرًا منها، قد آمنتْ بي إِذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إِذ كذبني الناس، وواستني بمالها إِذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إِذ حرمني أولاد النساء ) رواه أحمد .

قال القرطبي: ” كان حبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها لما تقدم ذكره من الأسباب، وهي كثيرة كل منها سبب في إيجاد المحبة ” .

وقال ابن العربي: ” كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد انتفع بخديجة برأيها ومالها ونصرها، فرعاها حية وميتة، وبَّرها موجودة ومعدومة، وأتى بعد موتها ما يعلم أن يسرها لو كان في حياتها ” .

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة