وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم بالسَّابقين الأوَّلين

أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناسَ خيراً بالسَّابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، والذين اتَّبعوهم بإحسان؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا).

رواه أحمد في (المسند)، (1/ 18)، (ح114)؛ وابن حبان في (صحيحه)، (16/ 239)، (ح7245)؛ والحاكم في (المستدرك)، (1/ 197)، (ح387) وقال: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي. وقال محققو المسند، (1/ 269)، (ح114)، (إسناده صحيح).



أسباب الاقتداء بالسابقين الأولين

يرجع اقتداء أهل السنة والجماعة بالصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان إلى عدة أسباب، ومنها:

1- أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم قد اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في كلِّ شؤون حياتهم؛ حيث حفظوا عنه كلَّ صغير وكبير من أمر الدِّين، ورأوا أخلاقَه وتصرُّفاته، فليس بغريب أن يكونوا أعلمَ الناس بالله تعالى، وأعرَفَهم بسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما يجعلهم أيضاً قدوةً لمَنْ بعدهم إلى يوم الدِّين.

2- تزكية القرآن وشهادته لهم بالعدالة وبالفضل، في عدة مواضع، ومنها قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

3- ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم ومدحه لهم، ومن أقواله المباركة في ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه البخاري، واللفظ له، (2/ 938)، (ح2509)؛ ومسلم، (4/ 1963)، (ح2533).

وفي حقيقة الأمر، فإنَّ الاقتداء بهم هو اقتداءٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أنهم كانوا يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويلتزمون بهديه في كلِّ شؤونهم.

والحكمة من الاقتداء بهم: هو الردُّ على مَنْ يدَّعي أو يظنُّ صعوبة متابعة النبيِّ لأنه نبي مرسل معصوم من الله تعالى، فالنموذج النبوي أعلى من البشري، ومن ثَمَّ فهو مدعوم ومؤيَّد من ربه سبحانه، فنقول لهؤلاء: إنَّ هذا الكلام مردودٌ عليكم، إذ أنَّ هديه سهل التطبيق، ومتابعته يسيرة التحقيق، وقد فَعَل ذلك الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان، وهم بشرٌ مثلكم، ممَّا يُقيم الحُجَّة عليكم، ويُذهِب عنكم التعليلَ السقيم، والذريعةَ القاصرة؛ لتبتعدوا بها عن سنة نبيِّكم الكريم صلى الله عليه وسلم.

قال ابن تيمية رحمه الله:

“إِذْ السَّابِقُونَ الْأَولونَ والتابعون لَهُم بِإِحْسَان أفضل من الْمُتَأَخِّرين فِي كل شئ من الصَّلَاة وجنسها، من الذّكر وَالدُّعَاء وَقِرَاءَة الْقُرْآن واستماعه، وَغير ذَلِك، وَمن الْجِهَاد والإمارة وَمَا يتَعَلَّق بذلك من أَصْنَاف السياسات والعقوبات والمعاملات فِي إصْلَاح الْأَمْوَال وصرفها، فَإِن طَرِيق السّلف أكمل فِي كل شيء، وَلَكِن يفعل الْمُسلم من ذَلِك مَا يقدر عَلَيْهِ.
كَمَا قَالَ الله تَعَالَى ﴿ فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ [سُورَة التغابن: 16] وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:”إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم”، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه”. الاستقامة: 331.

قال ابن تيمية رحمه الله:

“وهذه الفرقة الناجية أهل السنة هم وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل”.
وقال أيضًا: “وكذلك في سائر أبواب السنة هم وسط؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان”. مجموع الفتاوى 3/375.

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة