١ ــ الأهميّة
استعمل العرب المسلمون الأسلحة العربيّة الإسلامية في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه ، وفي معارك حروب الردّة ، وفي معارك الفتح الإسلاميّ العظيم ، وفي معارك استعادة الفتح ، وفي المعارك الدّفاعية عن البلاد الإسلاميّة ، وفي معركة ( عَيْن جَالُوت ) بقيادة قطز على التتار ، وفي معارك صلاح الدين الأيّوبي على الصّليبيين .
وكان من نتائج غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه ، التي استمرّت سبع سنوات فقط ، توحيد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام ، لأول مرة في التاريخ ، ولربّما لآخر مرّة أيضاً ، إذ لم يوحّدها غيره حتى اليوم .
وكان من نتائج معارك حروب الردّة ، التي استمرّت سنة أو بعض السنة ، إعادة الوحدة إلى شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام ، وإعادة الوحدة إلى صفوف المجاهدين التي لولا إعادتها لما كان الفتح الإسلامي ممكناً ،ولظلّ العرب في ديارهم يتّخذون خطّة الدّفاع ، والمدافع لا ينتصر أبداً .
وكان من نتائج معارك الفتح ، فتح بلاد شاسعة تمتدّ من الصّ.ن شرقاً إلى قلب فرنسا غرباً ، ومن سيبيريا شمالاً إلى المحيط جنوباً ، وإحراز انتصارات حاسمة على أعظم امبراطوريتين : الفُرس والرّوم ، وغيرهما من الأمم العريقة .
وكان من نتائج استعادة الفتح ، إعادة فتح البلاد التي انتقضت إلى حظيرة الدولة الإسلامية من جديد بعد انتقاضها لسبب أو لآخر من للأسباب . وكان من نتائج المعارك الدّفاعية عن البلاد الإسلامية ، بسط الحماية القادرة على تلك البلاد ، وصدّ غارات المعتدين والطامعين عنها .
وكان من نتائج معركة (عَين جالوت) ، كسرُ شوكة تعرض التتار الكبير لأول مرة على بلاد المسلمين ، وصدّهم عن تنفيذ خطّتهم التعرضية للسيطرة على سائر بلاد المسلمين.
وكان من نتائج معارك صلاح الدين الأيّوبي ، تحرير كثير من البلاد من سيطرة الصليبيين ، وكان على رأس البلاد المحرّرة مدينة القدس والمسجد الأقصى أول القبلتين وثالث الحرمين الطّاهرين .
وكان استعمال العرب المسلمين للأسلحة العربية الإسلامية القديمة ، سبباً من أسباب انتصارهم في تلك المعارك على أعدائهم ، فمن المفيد معرفة هذه الأسلحة وأساليب استعمالها ، لمعرفة سبب من أسباب انتصارات المسلمين ، في مسيرتهم الطويلة المظفرة ، ولتفصيل المعارك القتالية التي استعملت فيها هذه الأسلحة من أجل تقريبها إلى الأفهام ، وهذا التّفصيل مفيد للغاية في إعادة كتابة تأريخ المعارك العربية الإسلامية من جديد بأسلوب واضح خالٍ من التعقيد .
٢ ــ المنهاج
الأسلحة العربية الإسلامية كثيرة العدد ، وازداد عددها كمّاً ونوعاً بالتدريج ، ولم تبقَ على ما عليه من أيام غزوات النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسراياه إلى أيام المعارك الدّفاعية ، بل تطوّرت وتكاثرت يوماً بعد يوم .
لقد كان العرب المسلمون يتحلّون بمزيّة : (المرونة) في القضايا العسكرية عامّة : في التسليح ، والقضايا التعبويّة ، والتنظيمية ، وأساليب القتال .
وكمثال على ذلك ، فإن خالد بن الوليد اقتبس أسلوب الكَراديس ، قبل معركة اليرموك ، نتيجة لاستطلاعه الشخصي لقوات الروم ، قبل أن ينشبّ القتال وخرج في تعبية لم تعبِّها العرب من قبل في ستة وثلاثين كردوساً إلى الأربعين ، وباشر القتال بهذا الإسلوب القتالي ، فأحرز النصر على الروم في تلك المعركة الحاسمة .
وما كان خالد لينتصر على الروم ، لو جمد على أسلوب العرب القتالي القديم : أسلوب الكرّ والفرّ ، وأسلوب الصّفوف ، ولكنّه اقتبس من الروم ما وجده صالحاً لجيش المسلمين في القتال وطبّقه فوراً ، ولم يبقَ جامداً على الأساليب القتالية القديمة .
كذلك كان العرب المسلمون يقتبسون صنوف الأسلحة من أعدائهم ، كما كان أعدائهم يقتبسون منهم صنوف الأسلحة ، نتيجة للمعارك التي يخوضونها ، فكانت هجرة الأسلحة من جانب إلى جانب من جملة الدروس المستفادة من تلك المعارك .
لقد كانت أسلحة المسلمين عند ظهور الإسلام في غاية البساطة ، رماحهم من مُرَّان ، وأسنّتهم من قرون البقر ، يركبون الخيل في الحرب أعراء فإن كان الخيل ذا سرج فسرجه رِحالة من أدَم ، ولم يكن ذا ركاب ، والرّكاب من أجود آلات الطاعن برمحه والضارب بسيفه ، وكان فارسهم يطعن بالقناة الصمّاء ، بينما الجوفاء أقل حملاً وأشد طعنة ، وكانوا يفخرون بطول القناة ولا يعرفون الطّعن بالمَطارد ، وإنما القنا الطّوال للرجالة والقصار للفرسان ، وكانوا في ابتداء الفتح الإسلامي لا يعرفون الرتيلة ولا العرادة ولا المجانيق ولا الدبابات ولا الخنادق ولا الحَسَك ، ولا يعرفون الأقبية ، ولا السراويلات ، ولا تعليق السيوف ولا الطبول ولا البنود ولا التجافيف ولا الجواشِن ولا الرمي بالمنجنيقات ولا الزّرق بالنفط والنيران .
تلك بعض مطاعن الشعوبية على العرب بشأن آلات الحرب كما نقلها الجاحظ في كتابه : ( البيان والتّبيين) وردّ عليها ، ولا أرى في هذه المطاعن شيئا يستحقّ الرد ، فهي مفاخر لا مطاعن ، وكفى الحرب فخراً أنهم تغلّبوا على أعدائهم بهذه الأسلحة البسيطة البدائية ، بينما كانت أسلحة أعدائهم أفضل من أسلحة العرب ، فالأهم من السلاح هي اليد التي تستخدمه ، وقد انتصر العرب المسلمون ، بهذه الأسلحة البدائية بفضل الأيدي المتوضئة التي استخدمتها في القتال .
ومن المعروف في تأريخ السلاح في العالم ، أن السلاح ينتقل من أمة إلى أخرى بعد انكشاف أمره وفضح أسراره ، وبمجرّد استعماله في المعركة لا يبقى سراً من الأسرار العسكرية ، بل يصبح معروفا للعدو والصّديق معاً .
والمنهاج الذي اعتمدته في هذه الدراسة ، يهدف إلى التركيز على أهمية دراسة الأسلحة العربية القديمة ، للدلالة على الطريق حسب ، تاركاً للباحثين سلوكه ، لأن الدخول في تفصيلات سلاح واحد كالسيف مثلا ، يستغرق كتابا مستقلاً ووقتاً طويلاً .
ولكن لا بدّ من التطرق إلى أنواع الأسلحة وبخاصة المهمة منها ، مع شيء من الوصف لها ، لنُعين الدارس على سلوك الطريق.
٣ ــ التّدريب على السّلاح
لا قيمة لأي سلاح من الأسلحة إلا باستعماله ، والتدريب على استعمال السلاح تدريباً راقياً دائباً هو الذي يؤدي إلى استعماله بكفاية ، والمقاتل المدرب على استعمال سلاحه هو وحده يستطيع استعماله بنجاح ، أما المقاتل غير المدرّب فلا يستفيد من سلاحه كما ينبغي ، والمدرّب يستطيع التغلّب على غير المدرب بسهولة ويسر .
ومن الضروري أن يثق المقاتل بسلاحه ، والثقة تتم بالتدريب على استعمال السلاح ، فإذا كان المقاتل لا يثق بسلاحه لضعف تدريبه أو لضعف السلاح ، فإنّ مصير هذا القاتل مصير لا يُحسد عليه .
وقد كان العرب قبل الإسلام يتدرّبون على استعمال السلاح ، ولكن لم يكن تدريبهم إلزاميّاً ، فكان منهم من يتدرّب ومنهم من لا يتدرّب بحسب رغبته وهواه .
فلما جاء الإسلام أمر بالتدريب وحثّ عليه ، لأن الجهاد فرض على كل مسلم قادر على حمل السّلاح ، فالمسلمون كلهم جند في جيش المسلمين ، يجاهدون في سبيل الله ، لتكون كلمته هي العليا .
وقد وردت أحاديث كثيرة في الحثّ على الرّمي ، والرّمي كما هو معروف ، هو الاختبار العلمي للتدريب على السلاح فإذا كان الرامي (هدّافاً) كان ذلك دليلاً على تدريبه المتقن الرّاقي ، وإذا كان الرّامي (وسطاً) كان تدريبه وسطاً أيضاً ، أما إذا كان (ضعيفاً) ، فهو ضعيف في تدريبه .
فقد مرّ الرسول صلى الله عليه وسلم على نفرٍ من (أَسلَم) ــ إحدى القبائل العربية ــ يَنتَضلون بالسوق ، فقال : « ارموا بني إسماعيل ، فإنّ أباكم كان رامياً ، ارموا وانا مع بني فلان » فأمسك أحد الفريقين بأيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مالكم لا ترمون ؟» فقالوا : « كيف نرمي وانت معهم ؟» فقال : «ارموا وأنا معكم كلّكم» ، رواه أحمد و البخاري .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة } ، ألا إن القوة الرّمي ، ألا إنّ القوة الرّمي ، ألا إن القوة الرّمي » ، رواه احمد .
وقال عليه الصلاة والسلام :« مَن علم الرّمي ، ثمّ تركه ، فليس منّا » ، رواه احمد .
وقد شوهد كثير من الأئمة وكبار العلماء يمارسون الرّمي بعد أن بلغوا الشيخوخة المتقدمة ، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، فإذا سُئلوا عن سبب هذه الممارسة أو لمحوا استغراب النّاس مما يفعلون ، أجابوا المتسائلين والمستغربين بهذا الحديث النبوي الشريف .
ومعنى هذا الحديث أن المسلم يجب أن يمضي في تدريبه على السلاح من المَهد إلى اللّحد دون توقف بسبب العمر أو العمل أو غيرهما من أسباب قد تشغله من ممارسة التدريب العملي على الرّمي .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الله يُدخلُ بالسّهم الواحد ثلاثة نفَرٍ في الجنة : صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير ، والذي يجهّز به في سبيل الله ، والذي يرمي به في سبيل الله » ، وقال : « ارموا واركبوا ، وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا» ، وقال : « كلّ شي يلهو به ابن آدم فهو باطل ، إلا ثلاثاً رَميَه عن قوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله » ، رواه الخمسة : أحمد والترمذي والنّسائي وأبو داود وابن ماجه .
وعن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال: « كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربيّة ، فرأى رجل بيده قوس فارسيّة ، فقال : ما هذه ؟ ألقِها ، وعليك بهذه وأشباهها ، ورماح القَنَا ، فإنّهما يؤيد الله بهما في الدين ، ويمكّن لكم في البلاد » ، رواه ابن ماجه
. وعن عمر بن عَنبَسة ، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من رمى بسهمٍ في سبيل الله فهو له عدلٌ محرّر » ، رواه الخمسة وصحّحه الترمذيّ .
وبالإمكان اتخاذ اسباب للتصويب عليها في التدريب على الرمي من الأحجار أو الأخشاب وسائر المواد التي لا روح فيها ، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضا ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: « لا تتخذوا شيئًا فيه الرّوح غَرَضا» ، رواه مسلم وأحمد والترمذي والنّسائيّ وابو داود وابن ماجه. ودخل أنس بن مالك رضي الله عنه دار الحكم بن أيوب ، فإذا قوم نصبوا دجاجة يرمونها ، فقال : «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تصبَر البهائم» ، رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وكان الذي يجيد الرّماية في عهد الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام يشار إليه بالبنان ، ويرفع ذكره بين الناس .
فسعد بن ابي وقاص كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة (أُحُد) ، وكان من أرمى النّاس ، فكان يجمع له الرسول صلى الله عليه وسلم أبويه ويقول له : « اِرمِ فداك أبي وأمي » ، قال سعد : « جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد » .
وكان من مهرة الرّماة يوم أحد سَهل بن حُنَيف الذي بايع النّبي صلّى الله عليه وسلم على الموت ، وجعل ينضح عنه بالنَّبل حتى كشف الناس ، فكان عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه :«نبّلوا سَهلا» ، أيْ أعطوه نبلكم .
وكان رماة المسلمين يوم (أحد) خمسين ،ويومها رمى النبي صلى الله عليه وسلم عن قوسه (الكتوم) حتى صار شظايا ، فرمى بالحجر ، وكسر أبو طلحة يومئذ قوسين أو ثلاثة .
هؤلاء الهدّافون ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم أصحابه ولا يزال ذكرهم يضيءُ صفحات التأريخ وكتب الرجال بالتقدير والثناء ، لأن أحدهم كان هدّافا ، ماهرا في الرّمي .
ولا أهرف عقيدة عسكرية غير العقيدة العسكرية الإسلامية أمرت بالتدريب على السلاح ونهت عن التخلف عنه وشجّعت المتفوقين فيه وكرّمتهم في حياتهم وبعد موتهم ، مما أدّى إلى تفوق المسلمين في التدريب على استخدام أسلحتهم ومهاراتهم في استعمالها في مبادئ القتال .
ومن الواضح أن حرص المسلمين على التدريب ، وتفوّقهم فيه كان سببا من أسباب انتصاراتهم في المعارك التي خاضوها .
٤ ـ الأسلحة الفردية القديمة
أ. القوس والسّهم :
أولاً القوس : القوس في الأصل عود من شجر جبلي صلب ، يُحنى طرفاه بقوة ، ويشدّ فيهما وتر من الجلد أو العصب الذي يكون في عنق البعير ، وهو يشبه إلى حد ما قوس المنجّدين في هذه الأيام .
وكان العرب يسمّونها الذّراع ، لأنها في طولها ، ولذا كانو يتّخذون منها وحدة للقياس فيقيسون بها المذروع ، ومن ذلك قوله تعالى :{ فَكَانَ قَابَ قَوسَيْنِ أو أدنَى } أي قدر قوسين عربيتين أو قدر ذراعين .
وعلى الرامي إذا أراد الرمي ، أن يمسك وسط القوس باليسرى ، ثم يثبّت السهم في وسط الوتر باليمنى ، ثمّ يجذبه إليه مساوياً مرفقه مرفقه الأيمن بكتفه ، مسدّدا بنظره إلى الهدف ، فإذا بلغ الوتر نهايته تركه من أصابعه ، فاندفع إلى وضعه الأول ، دافعاً أمامه السهم إلى هدفه .
وللقوس أجزاء ، تجد أسمائها في الشكل المرفق (الشكل رقم ١) (والشكل رقم ٢) .


ثانياً السهم : القوس للرامي كالبندقية ، والأسهم كطلقاتها ، ولا بد للرامي في أن يحتفظ في كنانته بعدد من الأسهم عند القتال .
والسّهم والنّبل والنّشّاب أسماء لشيء واحد ، وهو عود رفيع من شجر.صلب في طول الذّراع تقريباً ، يأخذه الرامي فينحته ويسويه ، ثم يفرض فيه فراضاً دائرية ، ليركّب فيها الريش ، ويشدّه عليها بالجلد المتين أو يلصقه بالغراء ويربطه ثم يركب في قمته مصلاً من حديد مدبب له سنتان في عكس اتجاهه ، يجعلانه صعب الإخراج إذا نشب في الجسم .
وأجود الخشب للقوس والسهم ما اجتمع فيه الصلابة والخفّة ورقة البشرة وصفاء الأديم ، وكان طويل العرْق غير رخو ولا متنفّش ، وأجود الخشب بالمشرق عود الشوحط وبالأندلس الصّنوبر الأحمر الخفيف .
ومجمل أجزاء السهم تجدها في الشكل رقم (٣) .
والأصل في السهام أن يرمي بها عن بعد ، سواء أكان في ذلك في ميدان مكشوف أم من وراء الأسوار والحصون ، وهو سلاح قتّال فتّاك ، وبخاصة إذا سقي نصله بالسم .
وفي بعض الأحيان ، كانت السهام تستعمل كأداة للتخاطب ، يكتب عليها راميها ما يشاء ، ثم يرميها لمن يشاء ، حفظاً للسّريّة .
ب ــ الرّمـح :
كان العربي يتّخذ رمحه من فروع أشجار صلبة ، أشهرها النبع والشوحط ، وأحياناً كان يأخذه من القصب الهندي المجوّف بعد تسوية عُقده بالسكّين وتركيب نصل من حديد في رأسه .
ومجمل أسماء أجزاء الرّمح تجدها في (الشكل رقم ٤ )والرّمح سلاح عريق في القدم ، شاع استعماله عند الشعوب القديمة ، وكان أكثر شيوعاً عند الأمم التي ترتاد الصحراء ، ومنهم العرب .
وكان للرّماح أطوال مختلفة ، تتراوح بين الأربعة أذرع والخمسة والعشرة وما فوقها ، الرماح الطوال خاصة بالفرسان حيث تساعدهم الخيل على حملها ، أما النيازك أو المطارد وهي الرماح القصيرة فقد يستعملها الراجل الفارس أيضاً .
وفي اللغة العربية الفصحى أن الحربة والنيزك والمزراق والمطرد والعَنَزة ، كلّها أسماء لشيء واحد ، وهي القصار من الرّماح التي لم تبلغ أربعة أذرع ، وهي أشبه شيء بالعصا .
وكان العرب يعنون بالرمح ، ويفضّلوم الفناة الصماء على الجوفاء لصلابتها وغنائها في المعارك ، فيوالون دهنها بالزيت لتحافظ على ليونتها ولدونتها .
وطريقة حمل الرّمح ، كانت في الغالب الاعتقال ، وهو خاص بالفرسان ، وهو جعل الرمح بين الركاب والساق ، بحيث يكون النصل لأعلى والزج لأسفل ، على أنه كان لقسم من القبائل العربية طرائق خاصة في حمله ، فبنو سُلَيم كانوا إذا ركبوا يضعون رماحهم بين آذان خيلهم ، والأوس والخزرج كانوا يحملونها عليها مستعرضة ، أما قريش فكانوا يحملون رماحهم على عواتقهم .
وكان المسلمون يقضون وقتاً طويلاً في التدريب على استخدام الرماح : إما بمطاردة الوحوش وطعنها بها ، وإما بإعداد حَلْقَة من الحديد تسمى : (الوَتْرة) يتمرّنون على الطّعن داخلها حتى حذقوا الطعن بها .
جـ ــ السّيـف :
السيف أشرف الأسلحة عند العرب وأكثرها غَناء في القتال ، يحافظ العربي على سيفه ولا يكاد يفارقه ، وقد امتلأت بتمجيده أشعارهم ، وجاوزت أسماؤه المئة في لغتهم .
وهو آخر الأسلحة استعمالاً في المعركة بعد القوس والرّمح ، وذلك أنّ القتال يكون أول أمره بالسّهام عن بعد ، ثم تطاعناً بالرمح عند المبارزة واقتراب الصفوف ، ثم تصافحاً بالسيوف عند الاختلاط ، ثمّ تضارباً بالأسلحة البيضاء ، وخلساً بالخناجر عند الالتحام والاختلاط ، …. فهو الذي يحدد مصير المعركة ، وعلى حين بلائه تتوقف نهايتها .
ويكفي لبيان فضل السيف قول النبي صلى الله عليه وسلم: « الجنة تحت ظلال السيوف».
ومجمل أجزاء السيوف تجدها في الشكل رقم (٥) .

وسيوف العرب أنواع كثيرة تختلف باختلاف صناعها وأماكن صُنعها ، أشهرها : السّيف اليماني نسبة إلى اليمن ، والهندي أو الهنداوي أو المهنّد وهو المصنوع في الهند ، وهو يلي اليماني بالجودة ، والمشرفي المنسوب إلى مشارف الشام ، والقَلَعي نسبة إلى القَلعة حصن البادية ، والبُصْرَويّ المنسوب إلى بُصرى بالشام .
وطريقة حمل السّيف ، تكون بتعليقه في الأكتاف والعوانق ، ولذا يقال : تقلّد سيفه ، أي : جعله كالقلادة ، وذلك بحمله على الكتف الأيمن ، وتركه متدلياً في جنبه الأيسر .
أما إذا كان الفارس يحمل سيفين ، فإنه كان يتقلّد بأحدهما ويجعل الآخر في وسطه ، وقد علّق كل واحد منهما في حمالته محفوظا في قرابه الجلدي ، انظر الشكل رقم (٥) .
د ــ الخنجر :
وهو معروف ، يحمله المحارب في منطقته ، أو تحت ثيابه ، فإذا اختلط بآخر طعنه به خلسة .
وقد كانت قسم من نساء المسلمين يحملن الخناجر في الغزوات المختلفة تحت ثيابهن للدفاع الشخصيّ .
هـ ــ الدبّوس :
وبعضهم يسمّيها : المطرقة ، وهي عصا قصيرة من الحديد لها رأس حديد مربّع أو مستدير ، وهي في العادة للفرسان ، يحملونها في سروجهم ، ويقاتلون بها عند الإقتراب ، انظر الشكل رقم (٦) .
و ــ الفأس أو البلطة :
وهو سلاح له نصل من الحديد ، مركب في قائم من الخشب ، كالبلطة العادية ، بحيث يكون النصل مدبباً من ناحية ، ومن النّاحية الأخرى رقيقا مشحوذاً كالسّكين ، وللإطلاع عليهما ، (انظر الشكل رقم ٧).
٥ ــ الأسلحة الجماعية القديمة :
أــ المنجنيق والعرّادة :
هذا السلاح الشديد النكاية بالأعداء ، بعيد الأثر في قتالهم ، فبحجارته تهدم الحصون والأبراج ، وبقنابله تحرق الدّور والمعسكرات ، وهو يشبه سلاح المدفعيّة الحديثة ، انظر إلى الأشكال من (١٢) وحتى (١٦) . والعَرّادة آلة من آلات الحرب القديمة ، وهي منجنيق صغير .

وقد كان الإنسان أول مرة يحارب بالحجر يرميه بيده ، ثمّ اتخذ المِقلاع بعد ذلك لتكون رميته بعيدة قوية ، ثم فكّر في طريقة لرمي الحجارة أكبر ولهدف أبعد ، فهداه تفكيره إلى المنجنيق ، واتخذه أولا على هيئة ( الشّادوف) الذي يسقي به قسم من الفلاحين زرعهم ، وهو عبارة عن رافعة ، محور الإرتكاز فيها في الوسط ، والقوة في ناحية والمقاومة في اخرى ، على أن يكون ثقل الحجارة هو المحرّك له ، بحيث إذا هوى الثقل ارتفع الشيء المرمي في كتفه .
وقد جعل في أول أمره على شكل قاعدة من الخشب السميك ، مربعة ، أو مستطيلة ، يرتفع في وسطها عمود خشبي قوي ، ثم يركب في أعلاه ذراع المنجنيق قابلاً للحركة كذراع الشّادوف ، بحيث يكون ربعه تقريباً ، للأسفل يتدلى منه صندوق خشبي مملوء بالرصاص والحجارة والحديد أو نحوها ، ويختلف حجمه باختلاف المنجنيق ، وتكون ثلاثة أرباع الذراع للأعلى تتدلى في نهايتها شبكة مصنوعة من حبال قوية ، يوضع فيها الحجر المراد قذفه ، وعند القذف به يُجذب أعلى الذراع إلى الأرض بقوة الرجال ، فيرتفع الثقل المقابل من الحجارة والرصاص والحديد الذي بالصندوق ، ثم تترك الذراع فجأة فيهوي الثقل ، ويرتفع أعلى الذراع بالشبكة قاذفاً مافيها من الحجارة إلى الهدف المعين (انظر الشكل رقم ١٢)
.

وبمرور الزمن ، شمل التحسين هذا السلاح ، فصار يصنع من نفس القاعدة المتقدمة وفوقها قاعدة أخرى على شكل مربع ناقص ضلع من أسفل ، ثم تركب ذراع المنجنيق في وسط السطح العلوي لهذه القاعدة بحيث تكون قابلة للحركة ، وبحيث يكون ثقل الرصاص في الناحية القصيرة السفلى ، ثم يسحب الذراع كما سبق ذكره وتترك فجأة فيهوي الثقل بشدة ، وتصدم الذراع بالعارضة السفلى في المربع فتقذف الشبكة مافيها بشدة لاصطدام الذراع بالحائط الخشبي (انظر الشكل رقم ١٣) .
وبعد أن شاع استعمال هذا السلاح لحقه كثير من التطوير فعرف منه نوع قوي يعمل بقوة الأوتار وهو عبارة عن قاعدة مصنوعة من كتل خشبية ضخمة تجر بقوة الرجال على الزحافات أو العجلات الصغيرة ، وقد ارتفعت القاعدة من ناحية على شكل جدار خشبي وثبت الذراع في أسفل القاعدة قابلة للحركة ، وخلفها وتر قوي مستعرض يمنع سحبها للخلف ، بينما ربطت بحبال مثبّتة إلى مؤخر القاعدة تجذبها إلى الخلف ، وعند الرمي يلفّ الرجال العمود الخشبي المربوط به الذراع ، فتجذب الذراع إلى الخلف ، فيمتد الوتر الذي خلفها إلى نهايته ، ثم يوضع الجسم المراد رميه في كفة الذراع ، ثم تفك الحبال الخلفية مرة واحدة ، فيجذبها الوتر بقوة عند انكماشه ، فتصدم الذراع بالحائط الخشبي المثبت أمامها بقوة فترمي رميَها كأبعد وأقوى ما يكون الرمي . (انظر الشكل رقم ١٤).

ولم يستخدم العرب في الجاهلية المنجنيق ، وأول من استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم في حصار مدينة الطائف .
ب ــ الدّبابة :
الدبابة آلة تتخذ للحرب وهدم الحصون ، وسميت بذلك لأنها تدبّ حتى تصل إلى الحصون ، ثم يعمل الرجال الذين بداخلها في ثقب أسوارها بالآلات التي تحفر .
والضّبْرُ هي الدبابة تتخذ من خشب يغشّى بالجلد ، يحتمي بها الرجال ويتقدمون بها إلى الحصون لدق جدرانها ونقبها.
وكانت الدبابة أول الأمر عبارة عن هودج مصنوع من كتل خشبية صلبة ، على هيئة برج مربع ، له سقف من ذلك الخشب ولا أرض له ، وبين كتل البرج مسافات قليلة يستطيع الرجال العمل من خلالها ، وقد ثبت هذا الهودج على قاعدة خشبية ، لها عجلات أربع أو أكثر ، أو بكرات صغيرة كالعجل ، متخذين منها درعاً يقيهم سهام الأعداء من فوق الأسوار أو دفعوها وهم بداخلها ، فإذا ألصقوها بالسور عملوا من داخلها بمساعدة آلات الحفر الحديد على نقض حجارة السور من الموضع الذي أوهنته حجارة المنجنيق ، وكلما نقضوا منه قدرا علقوه بدعائم خشبية حتى لا ينهار السور عليهم ، فإذا فرغوا من عمل فجوة متسعة فيه ، دهنوا الأخشاب بالنفط ثم أشعلوا فيها النار ، وانسحبوا إلى الدّبابة ، فإذا احترقت الأخشاب انهار السور مرة واحدة تاركاً ثغرة صالحة للاقتحام منها ، (انظر إلى الشكل رقم ١٧) واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم الدبابة في غزوة حصار الطائف ، ثم أدخل المسلمون عليها كثيراً من التحسينات ، حتى صارت ضخمة كثيرة العجل ، فجعلوها برجاً مرتفعا بارتفاع السور ، وبداخلها سلالم مستعرضة ، تنتهي إلى شرفات فيها تقابل شرفات الحصن ، فيصعد الرجال في أعلاها ويستعلون على السور وينتقلون من شرفاتها إليه ، ثمّ يطردون منه رماة الأعداء .


وبمرور الزمن زاد المسلم من حجم الدّبابة ، فصاروا يصنعونها كبيرة بحيث تجر على ست عجلات أو ثماني عجلات ، وتتسع الواحدة لعشر رجال أو أكثر ، يعملون بها على نقب السور فهي سلاح يتعاون مع المنجنيق .
جـ ــ رأس الكبش وسلّم الحصار :
يحمل رأس الكبش داخل برج خشبي أو داخل دبابة ، وهي عبارة عن كتلة خشبية ضخمة مستديرة يبلغ طولها حوالي عشرة أمتار أو أكثر ، قد ركّب في نهايتها مما يلي العدو رأس من الحديد أو الفولاذ تشبه رأس الكبش تماما بقرونها وجبهتها كما يركب السنان الحديدي على الرمح الخشبي وتتدلى هذه الكتلة من سطح البرج أو الدبابة محمولة بسلاسل أو حبال قوية تربطها من موضعين ، فإذا أراد الجند هدم سور أو باب قرّبوا البرج منه ، ثم وقفوا داخله على العوارض الخشبية ، ثم يأخذون في أرجحة رأس الكبش للخلف والأمام ، وهو معلق بيبالسلاسل ويصدمون به السور عدة مرات ، حتى تنهار حجارته ، فيعملون على نقبه وهدمه ، (انظر الشكل رقم ١٨).
وفي كثير من الحالات ، كان رأس الكبش يُحمل داخل الدبابة الكبيرة ذات البرج في الجزء السفلي منها لاستخدامه عند الحاجة إليها .
أما السّلم ، فهو من آلات الحصار أيضاً وهو يساعد المحاصر على إعتلاء الأسوار وفتح مغاليق الحصون .
وبمرور الزمن صارت السلالم تصنع من الأخشاب والحديد ، مرتفعة بارتفاع السور تقريبا يصعد فيها الرجال بعد أن يسندوها إلى السور من مكان أمين (انظر الشكل رقم ١٩).

واهتم المسلمون بالسلالم لأهميتها في اعتلاء الأسواء واقتحام الحصون ، فطوّروها وأدخلوا التحسينات عليها ، فصار السلم بعد ذلك يصنع على قاعدة خشبية كبيرة ، تساعد على إثباته وأحياناً ، كان يقام عليها سلمان يلتقيان في النهاية العلوية ليدعم كل منهما الآخر ، وجعلوا لهذه القاعدة بكرات من خشب أو عجلات ثابتة ، ليسهل بها نقله من مكان إلى آخر ، ثم أكثروا من إعداد السّلم في الجيوش ، وصار من أهم آلات الحصار كالمنجنيق والدبابة وغيرهما .
٦ــ أسلحة النصر
لم يبق للأسلحة العربية الإسلامية القديمة من أثر في الحروب الحاضرة ، فقد تخطّاها الزمن إلى أسلحة جديدة تضاعف الخسائر وتطيل أمد الحرب وتلحق الويلات بالغالب والمغلوب .
ولكن هذه الأسلحة القديمة تبقى بالنسبة للعرب والمسلمين أسلحة النصر التي تذكّرهم بماضيهم المجيد .
ولا تزال قسم من الأمم الحديثة ، تحتفظ في متاحف السّلاح بكامل أسلحتها القديمة على اختلاف أنواعها ، تذكّرها بتاريخها الحربي ، وقد أحسنت قسم من الدول العربية صنعاً بإنشاء متاحف لإسلحتها القديمة ، فأصبحت تلك المتاحف مصدراً للدارسين وعبرة للمعتبرين .
إن معرفة الماضي هي وحدة تطوع لنا تصور المستقبل وتوجّه جهودنا إلى الغاية الجديرة بتراثنا العظيم ، فالماضي والحاضر والمستقبل وحدة لا سبيل إلى انفصامها ، ومعرفة الماضي هي وسيلتنا لتشخيص الحاضر ولمعرفة المستقبل .
والسلاح العربي الإسلامي جزء لا يتجزأ من العسكرية الإسلامية عقيدة وتاريخا ، ولغة وسلاحا ، وهذه العسكرية هي (روح) انتصاراتنا وفخر تاريخنا ، فلابد من دراسة تلك الأسلحة ومعرفة أنواعها وأساليب استخدامها وتأثيرها المباشر بالحرب ، فذلك يوضح المعارك العربية والإسلامية ويقرّبها إلى الأفهام .
وقد دأب المؤرخون القدامى المعتمدون على السكوت عن وصف خواص الأسلحة وكيفية عملها في المعركة وبخاصة الأسلحة الجماعية كالمنجنيق والدبابة مثلاً ، وسكوتهم قد يكون سببه معرفتهم الكاملة ، لخواصها وتشغيلها ، لأنها كانت معروفة يومذاك ، أما اليوم فقد اختلف الأمر ، فأصبح ماكان معروفا قبل قرون غير معروف اليوم ، فلابد من السعي الحثيث لتعريف خواص الأسلحة المتيسرة في المعارض والمتاحف العربية والأجنبية ، فنضيف دراسة عسكرية للأسلحة العربية الإسلامية القديمة تفيدنا كثيراً في دراساتنا التاريخية وفي إعادة كتاب المعارك العسكرية العربية الإسلامية .
(محمود شيت خطاب، من قادة النبي صلّى الله عليه وسلّم).