حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ أُمَّ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ مِنَ الرَّضَاعِ 

هَذِهِ السَّيِّدَةُ الرَّصَانُ الرَّزَانُ أَثِيرَةٌ لَدَى كُلِّ مُسْلِمٍ … عَزِيزَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ …  فَمِنْ ثَدْيَيْهَا الطَّاهِرَيْنِ رَضَعَ الغُلَامُ السَّعِيدُ مُحَمَّدُ  ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ  وَعَلَى صَدْرِهَا المُفْعَمِ بِالمَحَبَّةِ غفا. وفي حِجْرِهَا الطافِحِ بِالحَنَانِ دَرَجَ .. وَمِنْ فَصَاحَتِهَا وَفَصَاحَةِ قَوْمِهَا بَني سَعْدٍ فَكَانَ مِنْ أَيْيَنِ الأَنْبيَاءِ كَلَاماً … 

وَأَفْصَحِ الفُصَحَاءِ نُطْقاً، إِنَّهَا السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ أُمَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ – صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ – مِنَ الرَّضَاعِ . وَلإِرْضَاعَ السَّيِّدَةِ السَّعْدِيَّةِ لِلطِّفْلِ المُبَارَكِ الَّذِي مَلاً  الدُّنْيَا بِرًا وَمَرْحَمَةٌ … وَأَتْرَعَهَا خَيْراً وَهَدْياً …  وَزَانَهَا خُلُقاً وفَضْلاً ..  قِصَّةٌ مِنْ رَوائِعِ القِصَصِ، حَكَتْهَا حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ بِبَيَانِهَا المُشْرِقِ الأَنيقِ الجَذَّابِ …  وَأُسْلُوبِهَا المُتَأَلِّقِ الرَّشِيقِ المُمْتِعِ .  فَتَعَالَوْا نَسْتَمِعْ إِلَيْهَا.  فَخَبَرُهَا عَنِ النَّبِيِّ الكَرِيمِ الله مِنْ رَوَائِعِ الأَخْبَارِ.

قَالَتْ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ: خَرَجْتُ مِنْ مَنَازِلِنَا أَنَا وَزَوْجِي وَابْنٌ لَنَا صَغِيرٌ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاء في مَكَّةَ، وَكَانَ مَعَنَا نِسْوَةٌ مِنْ قَوْمِي بَنِي ( سَعْدِ ) قَدْ خَرَجْنَ لِمِثْلِ مَا خَرَجْتُ إِلَيْهِ.  وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ قَاحِلَةٍ مُجْدِبَةٍ ..  أَيْسَتِ الزَّرْعَ …  وَأَهْلَكَتِ الضَّرْعَ فَلَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا. 

وَكَانَ مَعَنَا دَابَّتَانِ عَجْفَاوَانِ مُسِنَّتَانِ لَا تَرْشَحَانِ بِقَطْرَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَرَكِبْتُ أَنَا وَغُلَامِي  الصَّغِيرُ إِحْدَاهُمَا  …  أَمَّا زَوْجِي فَرْكِبَ الْأُخْرَى، وَكَانَتْ نَاقَتُهُ أَكْبَرُ سِنَّا  وَأَشَدَّ هُزَالاً . 

وَكُنَّا – وَاللَّهِ – مَا نَنَامُ لَحْظَةٌ فِي لَيْلِنَا كُلِّهِ لِشِدَّةِ بُكَاءِ طِفْلِنَا مِنَ الجُوعِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَدْيِيَ مَا يُغْنِيهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ضِرْعَيْ نَاقَتِنَا مَا يُغَذِّيهِ  …  وَلَقَدْ أَبْطَأْنَا بِالرَّكْبِ بِسَبَبٍ هُزَالِ أَتَانِنَا وَضَعْفِها  فَضَحِرَ رِفَاقُنَا مِنَّا …  وَشَقٌ عَلَيْهِمُ السَّفَرُ بِسَبَبِنَا .  فَلَمَّا بَلَغْنَا مَكَّةَ وَبَحَثْنَا عَنِ الرُّضَعَاءِ وَقَعْتُ فِي أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ بِالحُسْبَانِ … ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ إِلَّا وَعُرِضَ عَلَيْهَا الغُلامُ الصَّغِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ …  فكُنَّا نَأْبَاهُ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ ، وَكُنَّا نَقُولُ : مَا عَسَى أَنْ تَنْفَعَنَا أُمُّ صَبِيٌّ لَا أَبَ لَهُ ؟!  وَمَا عَسَىٰ أَنْ يَصْنَعَ لَنَا جَدُّهُ ؟!  ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَيْنَا غَيْرُ يَوْمَيْنِ اثْنَيْنِ حَتَّى ظَفِرَتْ  كُلُّ امْرَأَةٍ مَعَنَا بِوَاحِدٍ مِنَ الرَّضَعَاءِ … أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَظْفَرْ بِأَحَدٍ … فَلَمَّا أَزْمَعْنَا الرَّحِيلَ قُلْتُ لِزَوْجِي:  إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى مَنَازِلَنَا وَأَلْقَىٰ بَنِي قَوْمِنَا خَاوِيَةَ الوِفَاضِ دُونَ أَنْ أَخُذَ رَضِيعاً فَلَيْسَ فِي صُوَيْحِبَاتِي امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا رَضِيعٌ. وَاللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَىٰ ذَلِكَ اليَتِيمِ، وَلَأَخُذَنَّهُ.  فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا:  لا بَأْسَ عَلَيْكِ، خُذِيهِ فَعَسَى أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً فَذَهَبْتُ إِلَى أُمِّهِ وَأَخَذْتُهُ.  وَوَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غُلَاماً سواه.  فَلَمَّا رَجَعْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي وَضَعْتُهُ في حِجْرِي وَأَلْقَمْتُهُ ثَدْيِي، فَدَرٌ عَلَيْهِ مِنَ اللَّبَنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُدِرٌ بَعْدَ  أَنْ كَانَ خَاوِياً خَالِياً .. فَشَرِبَ الغُلَامُ حَتَّى رَوِيَ  ثُمَّ شَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ أَيْضاً، ثُمَّ نَامَا … فَاضْجَعْتُ أَنَا وَزَوْجِي إِلَىٰ جَانِبِهِمَا لِنَنَامَ بَعْدَ أَنْ كُنَّا  لا نَحْطَى بِالنَّوْمِ إِلَّا غِرَاراً بِسَبَبٍ صَبِيِّنَا الصَّغِيرِ .  ثُمَّ حَانَتْ مِنْ زَوْجِي الْتِفَاتَةُ إِلَى نَاقَتِنَا المُسِنَّةِ  العَجْفَاء …  فَإِذَا ضَرْعَاهَا حَافِلَانِ مُمْتَلِقَانِ  …  فَقَامَ إِلَيْهَا دَهِشاً، وَهُوَ لَا يُصَدِّقُ عَيْنَيْهِ وَحَلَبَ مِنْهَا  وَشَرِبَ .  ثُمَّ حَلَبَ لِي فَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى امْتَلأُنَا رِيًّا وَشِبَعاً .  وَبَتْنَا فِي خَيْرِ لَيْلَةٍ .  

فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ لِي زَوْجِي:  أَتَدْرِينَ يَا حَلِيمَةُ أَنَّكِ قَدْ ظَفِرْتِ بِطِفْلٍ مُبَارَكِ ؟!  فَقُلْتُ لَهُ:  إِنَّهُ لَكَذَلِكَ وَإِنِّي لَأَرْجُو مِنْهُ خَيْراً كَثِيراً . 

ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ فَرَكِبْتُ أَتَانَنَا المُسِنَّةَ …  وَحَمَلْتُهُ مَعِي عَلَيْهَا؛ فَمَضَتْ نَشِيطَةٌ تَتَقَدَّمُ دَوَابٌ القَوْمِ جَمِيعاً حَتَّى مَا يَلْحَقُ بِهَا أَيُّ مِنْ دَوَابِّهِمْ.  فَجَعَلَتْ صَوَاحِبِي يَقُلْنَ لي:  وَيْحَكِ يَا ابْنَةَ أَبِي ذُوَيْبِ، تَمَهَّلِي عَلَيْنَا  …  أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَكِ المُسِنَّةِ الَّتِي خَرَجْتُمْ عَلَيْهَا ؟!!  فَأَقُولُ لَهُنَّ: بَلَى … وَاللَّهِ إِنَّهَا هِيَ. فيقلن : واللهِ إِن لَهَا لَشَأناً. 

ثُمَّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا فِي بِلَادِ بَنِي سَعْدِ، وَمَا أَعْلَمُ أَرْضاً مِنْ أَرْضِ اللَّهِ أَشَدُّ قَحْطاً مِنْهَا وَلَا أَقْسَى جَدْباً. لَكِنْ غَنَمَنَا جَعَلَتْ تَغْدُو إِلَيْهَا مَعَ كُلِّ صَبَاحٍ فَتَرْعَى  فِيْهَا ثُمَّ تَعُودُ مَعَ المَسَاءِ …  فَتَحْلِبُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَحْلِبَ، وَنَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا مَا طَابَ لَنَا أَنْ نَشْرَبَ وَمَا يَحْلِبُ أَحَدٌ غَيْرُنَا مِنْ غَنَمِهِ  قَطْرَةً.  فَجَعَل بَنُو قَوْمِي يَقُولُونَ لِرُغيَانِهِمْ:  وَيْلَكُمْ … اسْرَحُوا بِغَنَمِكُمْ حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ  أبي ذؤيب.  فَصَارُوا يَسْرَحُونَ بِأَغْنَامِهِمْ وَرَاءَ غَنَمِنَا؛ غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُودُونَ بِهَا وَهِيَ جَائِعَةٌ مَا تَرْشَحُ لَهُمْ بِقَطْرَةٍ .  وَلَمْ نَزَلْ نَتَلَقَّى مِنْ اللَّهِ البَرَكَةَ وَالخَيْرَ حَتَّى انْقَضَتْ سَنَتَا رَضَاعِ الصَّبِيِّ .. وَتَمَّ فِطَامُهُ . 

وَكَانَ خِلَالَ عَامَيْهِ هَذَيْنِ يَنْمُو نُمُوا لَا يُشْبِهُ نُمُو أَقْرَانِهِ …  فَهُوَ مَا كَادَ يُتِمُّ سِنَتَيْهِ عِنْدَنَا حَتَّىٰ غَدًا غُلَامًا قَوِيًّا  مكتملاً .

عِنْدَ ذَلِكَ قَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ، وَنَحْنُ أَحْرَصُ مَا نَكُونُ عَلَى مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَبَقَائِهِ فِينَا لِمَا كُنَّا نَرَى فِي بَرَكَتِهِ، فَلَمَّا لَقِيتُ أُمَّهُ طَمْأَنْتُهَا عَلَيْهِ وَقُلْتُ:  لَيْتَكِ تَتَرُكِينَ بُنَيَّ عِنْدِي حَتَّى يَزْدَادَ فُتُوَّةً وَقُوَّةٌ ….  فَإِنِّي أَخْشَىٰ عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ …  وَلَمْ أَزَلْ بِهَا أُقْنِعُهَا وَأُرَغْبُهَا حَتَّى رَدَّتْهُ مَعَنَا …  فَرَجَعْنَا بِهِ فَرِحِينَ مُسْتَبْشَرِينَ.  ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى مَقْدَمِ الغُلَامِ مَعْنَا غَيْرَ أَشْهُرٍ مَعْدُودَاتٍ حَتَّى وَقَعَ لَهُ أَمْرٌ أَخَافَنَا … وَأَقْلَقَنَا وَهَزَّنَا هَنَّا .

فَلَقَدْ  خَرَجَ ذات صَبَاحٍ مَعَ أَخِيهِ فِي غُنَيْمَاتٍ لَنَا يَرْعِيَانِهَا خَلْفَ بُيُوتِنَا؛ فَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا  أَخُوهُ يَعْدُو، وَقَالَ:  الحَقَا بِأَخِي القُرَشِيِّ، فَقَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا  ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَاهُ …  وَشَقًا بَطْنَهُ …  فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَزَوْجِي نَغْدُو نَحْوَ الغُلَامِ، فَوَجَدْنَاهُ  مُنْتَقِعَ الوَجْهِ  مُرْتَحِفاً …  فَالْتَرَمَهُ زَوْجِي، وَضَمَمْتُهُ إِلَى صَدْرِي … وَقُلْتُ لَهُ: مَالَكَ يَا بُنَي ؟!!  فَقَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَانِي، وَشَفًا بَطْنِي، وَالْقَمَسَا شَيْئًا فِيهِ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ ثُمَّ خَلَّيَانِي، وَمَضَيَا.  فَرَجَعْنَا بِالغُلَامِ مُضْطَرِيَيْنِ خَائِفَيْنِ.

فَلَمَّا بَلَغْنَا خِبَاءَنَا الْتَفَتَ إِلَيَّ زَوْجِي وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ،  ثُمَّ قَالَ:  إنِّي لأخشى أن يكون هذا العلام المُبارَك قَدْ أُصِيبَ  بِأَمْرِ لَا قِبَلَ لَنَا بِرَدِّهِ …  فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَقْدَرُ مِنَّا عَلَى ذَلِكَ.  فَاحْتَمَلْنَا الغُلَامَ وَمَضَيْنَا بِهِ حَتَّى بِلَغْنَا مَكَّةَ، وَدَخَلْنَا بَيْتَ أُمِّهِ، فَلَمَّا رَأَثْنَا حَدَّقَتْ فِي وَجْهِ وَلَدِهَا، ثُمَّ بَادَرَتْنِي  قَائِلَة: مَا أَقْدَمَكِ بِمُحَمَّدٍ يَا حَلِيمَةُ وَقَدْ كُنْتِ حَرِيصَةٌ عَلَيْهِ ؟! شَدِيدَةَ الرَّغْبَةِ فِي مُكْثِهِ عِنْدَكِ؟  فَقُلْتُ: لَقَدْ قَوِيَ عُودُهُ …  وَاكْتَمَلَتْ فُتُوتُهُ.  وَقَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ نَحْوَهُ، وَتَخَوَّفْتُ عَلَيْهِ مِنَ  الأَحْدَاثِ ؛ فَأَديتُهُ إِلَيْكِ …

فَقَالَتْ: اصْدُقِينِي الخَبَرَ فَمَا أَنْتِ بِالَّتِي تَرْغَبُ عَنِ الصَّبِيِّ لِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتِهِ …  ثُمَّ مَازَالَتْ تُلِحْ عَلَيَّ وَلَمْ تَدَعْنِي حَتَّى أَخْبَرْتُهَا بِمَا  وَقَعَ لَهُ، فَهَدَأَتْ ثُمَّ قَالَتْ:  وَهَلْ تَخَوَّفْتِ عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ يَا حَلِيمَةُ؟  فَقُلْتُ: نَعَمْ .  فَقَالَتْ: كَلَّا، وَاللهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيل .  وإن لاتي نَشَأْناً … فَهَلْ أَخبرك خبرة؟  فَقَلْتُ : بَلَى …  قَالَتْ: رَأَيْتُ ـ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ – أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لِي قُصُورَ يُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ … ثُمَّ إِنِّي حِينَ وَلَدْتُهُ نَزَلَ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ …  ثُمَّ قَالَتْ دَعِيهِ عَنْكِ، وَانْطَلِقِي رَاشِدَةٌ . 

وَجُزِيتِ عَنَّا وَعَنْهُ خَيْراً.  فَمَضَيْتُ أَنا وَزَوْجِي مَحْرُونَيْنِ أَشَدَّ الحُزْنِ عَلَى فِرَاقِهِ … وَلَمْ يَكُنْ غُلَامُنَا بِأَقَلْ مِنَّا حُزْنَا عَلَيْهِ، وَأَسْى وَلَوْعَةٌ عَلَى فُرَاقِهِ.  وَبَعْدُ … فَلَقَدْ عَاشَتْ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ حَتَّى بَلَغَتْ  مِنَ الكِبَرِ عِيًّا…  ثُمَّ رَأَتِ الطِّفْلَ اليَتِيمَ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ، قَدْ غَدَا لِلْعَرَبِ سَيْداً … وِلِلْإِنْسَانِيَّةِ مُرْشِداً … وَالْبَشَرِيَّة نَبِيًّا …  وَلَقَدْ وَفَدَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ آمَنَتْ  بِالكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ  …  وَصَدَّقَتْ به. فَمَا إِنْ رَآهَا حَتَّى اسْتَطَارَ بِهَا سُرُوراً، وَطَفِقَ يَقُولُ:  ( أُمي … أُمي … )  ثُمَّ خَلَعَ لَهَا رِدَاءَهُ، وَبَسَطَهُ تَحْتَهَا، وَأَكْرَمَ وِفَادَتَهَا أَبْلَغَ الإِكْرَامِ وَعُيُونُ الصَّحَابَةِ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَيْهَا فِي غَبْطَةٍ  وإجلال  …  صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ البَرِّ الوَفِيِّ صَاحِبِ الخُلُقِ الكَرِيمِ ..  وَرِضْوَانُ اللهِ عَلَى السَّيِّدَةِ حَلِيمَةِ السَّعْدِيَّةِ . 

(صور من حياة الصحابيات )

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة