حياته
المعلومات التي سجلها المؤرخون عن حياة كعب بن عُمَيْر الغفاري قليلة جداً، فلا نعرف متى أسلم ولا عن نشاطه في الإسلام شيئاً مذكوراً، كما لا نعرف عن تاريخ ولادته ولا عن تفاصيل نسبه ما يستحق الذكر . ولكن الذين ذكروه باختصار شديد وصفوه بأنّه من كبار الصحابة. وهي منزلة عظيمة تدلّ على أنّه من السابقين إلى الإسلام، وأنه كان على درجة عظيمة من الإيمان والتقوى والورع وأنّه جاهد تحت لواء الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسّلام جهاداً صادقاً مثمراً، فاستحق أن يتولى قيادة إحدى سراياه عليه الصلاة والسلام . وقد استشهد في السنة الثامنة الهجرية كما سيرد تفصيل ذلك وشيكاً، فانتهت حياته المباركة بالشهادة في سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين في ميدان الجهاد. جهاده بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة أميراً على السرايا، ولكن لم يسجل له أصحاب السير والمؤرخون غير سرية واحدة فقط .
فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من السنة الثامنة الهجرية كعب بن عمير الغفاري، في خمسة عشر رجلاً حتى انتهوا إلى (ذات أطلاح) من أرض الشام، فوجدوا جمعاً كثيراً من قُضَاعَة، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل. فلما رأى ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشدّ القتال حتى قُتِلوا، فأفلت منهم جريح في القَتْلى، فلما بَرَدَ عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله الله فأخبره الخبر ، فشق ذلك على رسول الله ، وهَمَّ بالبعث إليهم، فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر ، فتركهم وكان كعب في صفحة مسير الاقتراب من المدينة إلى ذات أطلاح، يكمن النهار ويسير الليل، حتى دنا من قضاعة، فرآه عَيْن لهم، فأخبرهم بقلة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءوا على الخيول وقتلوهم. وكانت قُضَاعة هي التي قتلتهم.
وفي رواية، أنّ كعب بن عُمير جُرح، (فتحامل حتى بلغ المدينة)، وما تحامل كعب بل تحامل أحد رجاله، والإجماع على أنه قتل في هذه السرية. لقد حاول كعب أن يباغت قضاعة، فكمن نهاراً، وسار ليلاً، فأدى الذي عليه من واجب الكتمان لمباغته عدوه، وتحقيق هدفه ذات أطلاح موضع من وراء وادي القرى إلى المدينة، بالمباغتة، ولكن أحد عيون قضاعة رأى سرية كعب واكتشف أنها قليلة العدد، بعيدة المدد، فأنذر قومه بالذي رآه واكتشفه، فتكاثر العدد على السرية القليلة، التي استماتت في القتال حتى استشهد أفرادها وعلى رأسهم قائدها.
وكان من الصعب أن يحول كعب بين أحد عيون قضاعة، وبين الذي حدث، في بيداء شاسعة، وسط مجتمع يتشابه أفراده لغة وشكلاً وثياباً، في ظروف غير اعتيادية هي ظروف الحرب بين المسلمين من جهة والمشركين من جهة أخرى، فاستطاعت الفئة المتفوّقة عَدَداً وعُدَداً، أن تبيد الفئة القليلة، لأنَّ الصراع كان بين فئتين غير متكافئتين، ولأن التفوق العددي وبالسلاح والخيل كان إلى جانب العدو، ولأن العدو كان يقاتل في بلده مستنداً على قاعدته بينما كان يقاتل المسلمون بعيداً عن المدينة قاعدتهم، فكانت المزايا العسكرية كلّها تقريباً إلى جانب المشركين، فانتصروا على المسلمين الذين اعتمدوا المباغتة لإحراز النصر، ففقدوا تلك المباغتة بانكشاف أمرهم في نيتهم وفي عَدَدهم فلم يبق أمامهم إلا أن ينالوا الشهادة، إذ خسروا إحدى الحُسْنَيَيْن النّصر ، فلم يبق أمامهم إلا إحدى الحسنيين التي لا تقل أهمية عن الأولى : الشهادة.
فضحوا بأرواحهم جميعاً دفاعاً عن عقيدتهم، وآثروا الشهادة على الحياة . وكان استشهاد كعب في السنة الثامنة الهجرية (629 م) .
كعب في التاريخ
يذكر التاريخ لكعب، أنّه كان من كبار الصحابة، فنال شرف الصحبة، وشرف الجهاد تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم . ويذكر له أنّه أحد السابقين الأولين إلى الاستشهاد في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الله، دفاعاً عن الإسلام والمسلمين. رضي الله عن الصحابي الجليل القائد الشهيد، كعب بن عُمَيْر الغفاري .