غَزْوَةُ وَدَّانَ وَهِيَ أَوَّلُ غَزَوَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وسَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَرِيَّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

(مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ وَالرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ) 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيَّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمَرِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ.

ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ صَفَرٍ، وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا.

سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَهِيَ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

(مَا وَقَعَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَإِصَابَةُ سَعْدٍ) 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ فِي سِتِّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ، بِأَسْفَلَ ثَنِيَّةِ الْمُرَّةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إلَّا أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ.

(مَنْ فَرَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ) 

ثُمَّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ الْقَوْمِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ حَامِيَةٌ. وَفَرَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (إلَى)  الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ابْن جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَكِنَّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصَّلَا بِالْكُفَّارِ. وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ: أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ  بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.

(شِعْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا) 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:

أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدَّمَائِثِ … أَرِقْتَ وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ 

تَرَى مِنْ لُؤَيًّ فِرْقَةً لَا يَصُدُّهَا … عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ

رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذَّبُوا … عَلَيْهِ وَقَالُوا: لَسْتَ فِينَا بِمَاكِثِ

إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقِّ أَدْبَرُوا … وَهَرُّوا هَرِيرَ الْمُجْحَرَاتِ اللَّوَاهِثِ 

فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةٍ … وَتَرْكُ التُّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ 

فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ … فَمَا طَيِّبَاتُ الْحِلِّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ

وَإِنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ … فَلَيْسَ عَذَابُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ 

وَنَحْنُ أَنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ … لَنَا الْعِزُّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ 

فَأُولِي بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً … حَراجِيجُ تُحْدَى فِي السَّرِيحِ الرَّثَائِثِ 

كَأُدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكَّةَ عُكَّفٍ … يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ النَّبَائِثِ 

لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ … وَلَسْتُ إذَا آلَيْت قولا بجانث

لَتَبْتَدِرَنَّهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ … تُحَرِّمُ أَطْهَارَ النِّسَاءِ الطَّوَامِثِ 

تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ … وَلَا تَرْأَفُ الْكُفَّارَ رَأَفَ ابْنِ حَارِثِ 

فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً … وَكُلَّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشَّرَّ بَاحِثِ

فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيكُمْ … فَإِنِّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ 

(شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي الرِّدِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ) 

فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ، فَقَالَ:

أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ … بَكَيْتَ بِعَيْنٍ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ 

وَمِنْ عَجَبِ الْأَيَّامِ وَالدَّهْرُ كُلُّهُ … لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ

لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ … عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ 

لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكَّةَ عُكَّفَا … مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ

فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةَ … وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ 

وَبِيضٍ كَأَنَّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا … بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللُّيُوثِ الْعَوَائِثِ 

نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا … وَنَشْفِي الذُّحُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ 

فَكَفَوْا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ … وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ 

وَلَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ … أَيَامَى لَهُمْ، من بَين نسأ وَطَامِثِ 

وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ … حَفِيٌّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ 

فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً … فَمَا أَنْتَ عَنْ أَعْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ

وَلَمَّا تَجِبْ مِنِّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ … تُجَدِّدُ حَرْبًا حَلْفَةً غَيْرَ حَانِثِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزِّبَعْرَى.

(شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ)

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ:

أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي … حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي

أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا … بِكُلِّ حُزُونَةٍ وَبِكُلِّ سَهْلِ 

فَمَا يَعْتَدُّ رَامٍ فِي عَدُوٍّ … بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلِي

وَذَلِكَ أَنَّ دِينَكَ دِينُ صِدْقٍ … وَذُو حَقٍّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ

يُنَجَّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيُجْزَى … بِهِ الْكُفَّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ 

فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي … غَوِيَّ الْحَيِّ وَيْحَكَ يَا بْنَ جَهْلِ 

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ.

(أَوَّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ) 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ، لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ.

سَرِيَّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

(مَا جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ) 

وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ.

فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السَّاحِلِ فِي ثَلَاثِ ماِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.

(كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ) 

وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنَّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبِّهَ

ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ حَمْزَةَ قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ رَايَتَهُ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلَّا حَقًّا، فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوَّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ. فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشِّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتَّحَلُّمِ وَالْجَهْلِ … وَلِلنَّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرِّجَالِ وَلِلْعَقْلِ

وَلِلرَّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ … لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ

كَأَنَّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا … لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ

وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ … وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ

فَمَا بَرِحُوا حَتَّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةِ … لَهُمْ حَيْثُ حَلُّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ

بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ، أَوَّلُ خَافِقٍ … عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي

لِوَاءٌ لَدَيْهِ النَّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ … إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ

عَشِيَّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلُّنَا … مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي 

فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقَّلُوا … مَطَايَا وَعَقَّلْنَا مُدَى غَرَضِ  النَّبْلِ 

فَقُلْنَا لَهُمْ: حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا … وَمَا لَكُمْ إلَّا الضَّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ

فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا … فَخَابَ وَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ

وَمَا نَحْنُ إلَّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا … وَهُمْ مِائَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ

فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ … وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السَّهْلِ 

فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْكُمْ … عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنَّدَامَةِ وَالثُّكْلِ 

(شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرَّدِّ عَلَى حَمْزَةَ) 

فَأَجَابَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:

عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ … وَلِلشَّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ 

وَلِلتَّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا … عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسُّؤْدُدِ الْجَزْلِ 

أَتَوْنَا بِإِفْكٍ كَيْ يُضِلُّوا عُقُولَنَا … وَلَيْسَ مُضِلًّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ 

فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا … عَلَى قَوْمِكُمْ إنَّ الْخِلَافَ مُدَى الْجَهْلِ

فَإِنَّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ … لَهُنَّ بَوَاكٍ بِالرَّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ

وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمَّا فَعَلْتُمْ فَإِنَّنَا … بَنُو عَمِّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ

فَقَالُوا لَنَا: إنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا … رِضًا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنَّا وَذِي الْعَقْلِ

فَلَمَّا أَبَوْا إلَّا الْخِلَافَ وَزَيَّنُوا … جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ

تَيَمَّمْتُهُمْ بِالسَّاحِلَيْنِ بِغَارَةٍ … لِأَتْرُكَهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أصل 

فورّعنى مَجْدِيٌّ عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي … وَقَدْ وَازَرُونِي بِالسُّيُوفِ وَبِالنَّبْلِ

لِإِلٍّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيِّعُهُ … أَمِينٌ قَوَاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ 

فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْتُ غَادَرْتُ مِنْهُمْ … مَلَاحِمَ لِلطَّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ 

وَلَكِنَّهُ آلَى بِإِلٍّ فَقَلَّصَتْ … بِأَيْمَانِنَا حَدُّ السُّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ 

فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيَّامُ أَرْجِعْ عَلَيْهِمْ … بِبِيضٍ رِقَاقِ الْحَدِّ مُحْدَثَةِ الصُّقْلِ

بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ … كِرَامٍ الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشِّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ.

(سيرة ابن هشام)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة