من قادة النبي ﷺ: ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِيّ القائد الشّهيد

نسبه وأيّامه



هو ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِيّ من بني سُلَيْم، وهو أبو العوجاء السُّلَمِيّ من بني سُلَيْم، والأوّل أشهر، لأن أكثر المؤرّخين الثقاة أخذوا به. وبنو سُلَيْم، نسبة إلى سُلَيْم بن فَهْم بن غَنْم بن دَوْس بن عُدْثَان بن عبد الله بن زَهْران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالِك بن نَصْر بن الأزْد. و لا نعرف اسم ابن أبي العوجاء، ولا شيئاً عن حياته الأولى قبل الإسلام، وقد أسلم قبل فتح مكة، واسمه في قائمة الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة. وأخبار ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِي قليلة جداً، ولولا سريته التي قادها لما كان له ذكر. على كل حال، فقد نال شرف الصُّحبة وشرف الجِهاد تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم.

قائد السرية

كانت سرية ابن أبي العوجاء السُّلَمِيّ إلى بني سُلَيْم في شهر ذي الحجّة من السنة السابعة الهجرية، بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من عُمْرَة القضاء، إلى المدينة من مكة. فقد بعث رسول الله الله ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِيّ في خمسين رجلاً إلى بني سُلَيْم، فخرج إليهم. وكان عَيْنٌ لبني سُلَيْم مع سرية ابن أبي العَوْجاء، دون أن يدري، فلما فَصَل من المدينة، خرج العَيْن إلى قومه فحذرهم وأخبرهم بسرية ابن أبي العَوْجاء المتوجهة إليهم. و استعد بنو سُلَيْم لمواجهة سرية ابن أبي العَوْجاء قبل وصولها إليهم، فجاءهم وهم معدّون له..

فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا جمعهم، دعوهم إلى الإسلام فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتمونا إليه. وتراموا بالنَّبْل ساعة، وجعلت الأمداد تأتي إلى بني سُلَيْم، حتى أحدقوا بالمسلمين من كل ناحية. وقاتل المسلمون قتالاً شديداً، حتى قُتِل عامّتهم، وأصيب ابن أبي العَوْجاء جريحاً مع القتلى، ثمّ تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة في أوّل يوم من شهر صفر سنة ثمان الهجرية. و في رواية أخرى، أن ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِيّ أُصيب هو وأصحابه وقتلوا جميعاً، فاستُشهد ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِي مع مَنْ استُشهد من أصحابه.
وأرجِّح الرواية الثانية، وهي استشهاد ابن أبي العوجاء، لأنّ أخباره انتهت بعد هذه السرية، فلم يعد له ذكر بين الصحابة في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، مما يؤيد استشهاده.

ويبدو أن هذه السرية كانت من السرايا الدعوة، فرفض بنو سُلَيْم قبولها، و تكاثروا على المسلمين، فأصبحت القوتان غير متكافئتين، وكان التفوق عَدَداً وعُدَداً مع المشركين على المسلمين، كما أن المشركين كانوا في بلادهم، يستندون على قاعدتهم، بينما كان المسلمون بعيدين عن قاعدتهم، وكانت خطوط مواصلاتهم طويلة، مما سهّل تموين المشركين وصعب تموين المسلمين.

وهذا التفوق الكبير الذي كان مع المشركين، أدى إلى اندحار المسلمين دون أن يقصِّروا في أداء واجبهم، فما ضعفوا ولا استكانوا ولا استسلموا، بل قاتلوا قتال الأبطال حتى تساقطوا جميعاً شهداء في ساحة الجهاد. كما أن العين الذي كان للمشركين بين المسلمين، نقل أخبار المسلمين إلى المشركين و كشف نيات المسلمين للمشركين مبكراً، فأعان المشركين على إحراز النصر من جهة وأدى إلى هزيمة المسلمين من جهة أخرى، وكان من الصعب أن يحول المسلمون دون تسرّب العيون إلى المدينة فقد كان أولئك العيون يتظاهرون بالإسلام ويختلطون بالمجتمع الإسلامي، فمن الصعب الكشف عنهم في تلك الظروف والأحوال السائدة حينذاك.

وكان ابن أبي العوجاء أسوة لرجاله في القتال حتى الرمق الأخير، فلم يبق عليه عتب ولا لوم، وحسبه أنه استُشهد دفاعاً عن عقيدته ولم يتخلّ عنها خوفاً على روحه، فمات ميتة الأبطال.

الإنسان والقائد


ذكرنا أن أخبار ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِي قليلة للغاية، فظهر فجأة وقاد سريته فقضى شهيداً في أواخر سنة سبع الهجريّة، ولا معلومات إضافية عنه إنساناً. ويبدو أنه كان على جانب عظيم من الإيمان والورع والتقوى، لكي يوليه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة قسم من أصحابه إلى بني سُلَيم قوم ابن أبي العَوْجاء، مما يدل على أن إيمانه العميق اقتلع ما في نفسه من تقاليد الجاهلية في التعصب الأعمى للقبيلة، وحلّ محلّه الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

كما يبدو أنّه كان على جانب كبير من الذكاء والاتّزان وحسن التصّرف وقوة الشخصية والثقة بالنفس، لكي يستطيع قيادة أصحابه كما ينبغي، فليست القيادة سهلة التكاليف يستطيع تحمّل أعبائها كلّ إنسان، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يولي القيادة إلا الرجل المناسب الذي يستطيع تحمّل أعبائها بإيمانه وكفاياته القيادية لا بنسبه أو حسبه أو أمر من أمور الدنيا الأخرى المتعارف عليها عند حكّام الدنيا وحدهم، ولا مكان لهما في مقاييس النبيّ صلى الله عليه وسلم والحكّام الذين يقتفون آثاره ويهتدون بهديه في تولية الرجل المناسب للعمل المناسب.

إن ابن أبي العَوْجاء من القادة العقائديين الذين عملوا لعقيدتهم لا لأنفسهم، فضحوا بأرواحهم من أجل عقيدتهم، ولم يضحوا بعقيدتهم من أجل أرواحهم.


ابن أبي العَوْجاء في التاريخ


يذكر التاريخ لابن أبي العَوْجاء، أنه أسلم قبل فتح مكّة المكرمة، فنال شرف الصّحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرّسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام. ويذكر له، أنه استُشهد دفاعاً عن عقيدته مُقبلاً غير مدبر، فأصبح في عداد الشهداء السابقين الأولين. رضي الله عن الصحابي الجليل، القاذد الشهيد، ابن أبي العَوْجاء السُّلَمِيّ.

(قادة النبي صلى الله عليه وسلم)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة