من قادة النبي ﷺ: غالِب بن عبد الله اللَّيْثِيّ القائد الأمير

نسبه وأيّامه الأولى

هو غالب بن عبد الله بن مُسْعِر بن جَعْفَر بن كَلّب بن عامِر بن لَيْث بن بُكَيْر بن عبد مَنَاة بن كِنَانة الكِنانِيّ اللَّيْثِيّ، ويقال: غالب بن عبيد الله، والصّواب: غالب بن عبد الله بن مُسْعِر.

ونسبه قسم إلى كَلْب، فقال: الكَلْبِيّ،  ونسبه قسم آخر إلى لَيْث فقال: اللَّيْثِيّ،  ولا فرق بينهما، فإن كلباً بطن من ليث، وسياق النّسب يدلُّ عليه، كما نسبه قسم ثالث إلى كِنَانَة، فقال: الكِنانيّ فهو غالب بن عبد الله الكلبيّ اللَّيْثِيّ الكناني، ولا خلاف بين انتسابه هذا في الواقع، لأنه انتساب إلى أحد ابائه المذكورين في نسبه.

وهناك غالب بن فضَالة الكِناني، ذُكر في قسم من كتب علم الرجال، ولم يذكر في قسم آخر، ومَنْ ذكره نسب إليه قيادة سريّة (فَدَك) التي قادها غالب بن عبد الله الكناني والتي سيرد ذكرها وشيكاً، مما يدلُّ على خطأ المؤرّخ في اسم أبيه فضالة، ويحتمل أن يكون هو غالب بن عبد الله الكناني، وما يقال عن غالب بن فَضالة الكناني يقال عن غالب بن عبد الله بن فضالة، فهو غالب بن عبدالله الكناني أيضاً، إذ لم يَقد سرية فَدَك غير غالب بن عبد الله الكِناني اللَّيْثِيّ  كما هو معروف وبإجماع مؤرخي المغازي والسّير.

ولا نعرف متى وكيف وأين أسلم غالب، وأوّل ما ورد ذكره كان في قيادة السرايا، ولم يكن النبي ﷺ يولي قيادة السرايا إلّا لمن حسن إسلامه أولاً ولمن يتحلّى بالمزايا القيادية المتميّزة ثانياً، ولذوي الخبرة العملية في ميادين القتال ثالثاً وآخيراً؛ فلا بد وأنّ إسلام غالب كان قديماً، وأثبت وجوده عمليا في ميادين الجهاد. لكي يوليه النبيّ  ﷺ المراكز القيادية في سراياه عليه الصّلاة والسّلام.

ومهما يكن من أمرٍ،  فقد نال غالب شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه الصّلاة والسّلام.

في سرّيته إلى المَيْفَعَة

وهي سرية غالب إلى المَيْفَعَة في شهر رمضان من السنة السابعة الهجرية، بعثها رسول الله ﷺ بقيادة غالب بن عبد الله إلى بني عُوال وبني عيد بن ثعلبة وهم بالمَيْفَعة، بعثه في مائة وثلاثين رجلاً ودليلهم يَسار مولى رسول الله ﷺ. وهجم المسلمون على المشركين ووقعوا وسط محالِّهم، فقتلوا مَنْ تصدّى لهم، واستاقوا نَعَماً وشاءً، فحدروه إلى المدينة، ولم يأسروا أحداً.

وفي هذه السرية، قتل أسامةُ بن زيد الرجلَ الذي قال: «لا إله إلا الله » فقال النبيّﷺ : «آلا شققتَ قلبه فتعلم صادق هو أم كاذب؟»، فقال أسامة : «لا أقاتل أحداً يشهد أن لا إله إلّا الله ».

وكان الذي قتله أسامة هو مِرْدَاس بن نَهِيْك، قال أسامة: «أدركته أنا ورجل من الأنصار، فلما شَهَرْنَا عليه السِّلاح قال: أشهد أنَّ لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا على رسول الله ﷺ أخبرناه خبره، فقال: « يا أُسامة! مَنْ لك بلا إله إلّا الله؟» قلت: يا رسول الله! إنّما قالها تَعَوُّذاً بها من القتل. قال: «فَمَنْ لَكَ بها يا أُسامة؟»، فوالذي بعثه بالحق، ما زال يردّدها عليَّ حتى لوددت أنَّ ما مضى من إسلامي لم يكن،  وأني كنتُ أسلمتُ يومئذٍ، وأني لم أقتله! قلت: أَنْظِرْني يا رسول الله! إني أعاهد الله أن لا أقتل رجلاً يقول: لا إِله إلآ الله أبداً. قال: «تقول بعدي يا أسامة؟ قلت: بَعْدَك»، فنزل  قوله تعالى: {ولآ تَقُوْلُوْا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، تََبتغُوْنَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدنيا، فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمَ  كَثِيرة}. . الآية.

وهكذا باغت غالب بسريته المشركين مباغتة كاملة، فأثّر في معنوياتهم تأثيراً حاسماً، مما أدّى إلى هزيمتهم بعد تكبيدهم خسائر بالأرواح والمواد، وعاد إلى المدينة بالغنائم منتصراً، فأدّى واجبه في هذه السريّة على أحسن وجه.

في سرّيته إلى الكَدِيْد

وهي سرية غالب إلى بني المُلَوِّح بالكَدِيد في شهر صَفَر من السّنة الثّامنة الهجريّة، بعثها رسول الله بقيادة غالب، مؤلّفة من بضعة عشر رجلاً، وأمرهم أن يشنّوا الغارة على بني المُلَوِّح بالكَدِيْد، وهم من بني لَيْث. وخرجت السرية، فلما كانت ب(قُدَيْد) لقي غالبُ الحارث بن البَرْصَاء اللَيثيّ، فأخذته السريّة، فقال: «إنما جئتُ أريد الإسلام، وإِنّما خرجتُ إلى رسول الله فقال له غالب: «إن تكن مسلماً لم يضررك رباطنا يوماً وليلة، وإن تكن على غير ذلك نَسْتَوْثِقْ منك». فشدّوه وثاقا،  وخلفوا عليه رُوَيْجِلاً منهم اسود، قال له غالب: (إِنْ نازَعكَ فاحتزّ رأسه».

وسارت السرية حتى جاءت الكَدِيْد عند غروب الشّمس، فكمنت في ناحية الوادي: وبعث غالب رجلاً من السرية هو جُنْدبِ بن مَكِيْث الجُهَنِيّ ربيئة للسرية، فخرج حتى أتى تلًا مشرفاً على الحاضِر يطلعه عليهم، حتى إذا أسند عليهم في التلّ علا على رأس التلّ ثم اضطجع عليه، قال: «فإني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباءٍ له، فقال لامرأته: إني أرى على  هذا الجبل سواداً ما رأيته أوّل من يومي هذا، فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرّت منها شيئاً! فنظرت فقالت: والله ما أفقد من أوعيتي شيئاً، فقال: فناوليني قوسي ونَبلي، فناولته قوسه وسهمين معها، فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ بين عيني! فانتزعته، وثَبَتُّ مكاني، ثم أرسل آخر، فوضعه في منكبي، فانتزعته فوضعته وثبتَ مكاني، فقال لامرأته: والله لو كانت ربيئة لقد تحرّكت بعد! والله لقد خالطَها سَهمايَ لا أبا لَك! فإذا أصبحتِ فانظريهما لا تمضغهما الكلاب، ثم دخل».

وراحت الماشية من إبلهم وأغنامهم، فلما احتلبوا وعَطَّنوا واطمأنوا فناموا، شنّ المسلمون عليهم الغارة، واستاقوا النّعَم.

وخرج صريخ القوم في قومهم، فجاء ما لا قِبَل بالسرية به:من المشركين عَدَداً وعُدَداً، ولكنّهم خرجوا بالنَّعَم وانحدروا بها حتى مرّوا بابن البَرْصَاء، فاحتملوه. وأدركهم القوم، واقتربوا منهم، وأصبح ليس بين السرية والمشركين غير الوادي، فجاء سيل عَرِم ملأ جنبتيه ماءً، فلا يستطيع أحد أن يجوزه، فلم يستطع المشركون طلب السريّة، فأسرع المسلمون باتجاه المدينة، ومعهم النّعَم من الغنائم، وراجزهم يرتجز:

أبَى أبو القاسِم أن تَعَزَّ بي

 في خَضِل نباتُهُ مُغْلَوْلِبِ

صُفْرٍ  أعاليهِ كَلَوْنِ المُذّهَبِ

وذاك قَوْلُ صَادِقٍ لم يَكْذِبِ

وكان شعار السرية يومئذ: أَمِتْ…. أَمِتْ…

لقد استطاع غالب بحذره ويقظته واستطلاعه، الحصول على المعلومات الكافية عن عدوّه، فباغتهم بالهجوم الليلي مباغتة كاملة بالأسلوب، إذ لم يكن المشركون يتوقعون هجوماً ليلياً عليهم، كما باغتهم بالزمان، إذ لم يكن المشركون يتوقّعون الهجوم عليهم ليلاً،  بل اطمأنوا وأمنوا، كما استطاع غالب بسرعة الحركة من الابتعاد عن المشركين والخلاص من مطاردتهم له،  فأدّى غالب واجبه في هذه السرية أداءً رائعاً حقاً، وحقّق أهدافه كافة منها.

في سريته إلى فَدَك

وهي سريّة غالب إلى مُصَابٍ أصحاب بشير بن سعد بِفَدَك في شهر صَفَر من السنة الثامنة الهجرية، بعثها رسول الله  بقيادة غالب بن عبد الله. وكان عليه الصّلاة والسّلام قد هيّأ الزُبير بن العَوّامِ وقال له: «سرْ حتى تنتهي إلى مُصَابِ أصحاب بشير بن سعد، فإن أظفرك الله بهم، فلا تَبق فيهم وهيّأ مع الزّبير  مائتي رجل وعقد له لواء.

وكان بشير بن سعد قد بعثه النبي  في ثلاثين رجلا إلى بني مُرّة بفَدَك. فقتل المُريّون أصحاب بشير وأصابوا بشيراً بجروح بليغة، وكان ذلك في شهر شعبان من السنة السّابعة الهجرية”.

وقَدِم غالب من سريته إلى الكَدِيْد مُنْتَصِرا فقال رسول الله للزبير: «اجلسْ!»، وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل، وخرج أُسامة بن زيد فيها، حتى انتهى إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد، وخرج معه عُلْبَة بن زيد فيها، فأصابوا منهم نَعَما وقتلوا منهم قتلى.

وقبل الاشتباك بالمشركين، آخى غالب بين أفراد سريته، وجعل كل رجلين من السرية أخوين، وأمرهم ألا يفترقوا، وقال: «لا تعصوني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ أطاع أميري فقد أطاعني، ومَنْ عصاه فقد عصاني، وَإنّكم متى تعصوني فإنكم تعصون نبيكم»؛ فأغارت السرية على بني مُرّة في فَدَك صباحاً،  وانتصروا عليهم، وكبّدوهم خسائر فادحة بالأرواح والمواد.

وهكذا حقّق غالب هدف هذه السرية تحقيقاً كاملاً،  فلم تضع دماء أصحاب بشير بن سعد هدراً دون مطالب، بل لقّن الذين أصابوهم من بني مُرَّة درساً قاسياً، وأثّر في معنويات المعتدين فانهارت بعد هزيمتهم؛ بينما استعاد المسلمون معنوياتهم العالية بعد إحراز النصر، وبعد تيقنهم من أن هناك مَنْ يدافع عن حقوقهم ولا يسكت عمّن يُلحق بهم الضرر مادياً أو معنويا.

في غزوة فتح مكة

وكانت في السنة الثامنة الهجرية في رمضان المبارك، وكان غالب على مقدمة النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.

قال غالب: «بعثني النبيّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح بين يديه، لأسهّل له الطريق ولأكون له عيناً، فلقيني في الطريق لِقَاح  بني كنانة، وكانت نحواً من ستّة آلاف لَقحة، وإِنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نزل، فحلبت له،  فجعل يدعو الناس إلى الشّراب،  فمن قال: إني صائم،  قال: «هؤلاء العاصون»”. وكان النبي ﷺ قد سار إلى فتح مكة في رمضان فصام وصام أصحابه، حتى إذا كان بالكَدِيْد بين (عُسْفَان)،و (أمَج) أَفْطر بعد صلاة العصر. وشرب على راحلته علانية ليراه الناس، وأمر بالفطر، فبلغه ﷺ أن قوماً تَمَادَوْا على الصيام، فقال: «أولئك العُصَاة»: إباحة للإفطار في السَفر.

وهكذا ولى النبيّ ﷺ غالب بن عبد الله قيادة مقدّمته في غزوة فتح مكة، ثقة به وتقديراً لمزاياه القيادية، فحقّق للنبيِّ ﷺ هدفه، ونهض بواجبه في قيادة المقدّمة على أحسن وجه.

في حرب العراق

بعد التحاق النبيَ ﷺ بالرفيق الأعلى، شهد غالب فتوح العراق،  فشهد معركة (البُوَيْب)،سنة ثلاث عشرة الهجرية على عهد عمر بن الخطاب بقيادة المُثَنَى بن حارثة الشيباني، وأبلى في هذه المعركة بلاءً حسناً للغاية، فكان أحد أبطال المسلمين الذين قتلوا تسعة من الفرس في هذه المعركة،  وكان من أصحاب التسعة المعدودين، فانتصر المسلمون انتصاراً كاسحاً على الفرس في تلك المعركة.

وقُبيل معركة القادسية التي كانت سنة أربع عشرة الهجرية بقيادة سعد، أغارت سرية من المسلمين على الحِيْرّة، فإذا أخت مرزبانها الفارسيَّ تزفٌ إلى أحد أشراف العجم، ومعها في الحاشية ثلاثون من الدهاقين ومائة من التوابع ومعهم مالا يُدْرى قيمته؛ فغنمت السرية العروس وما معها من رجال وأثقال ومتاع، فترك سعد بن أبي وقاص هذه الغنائم من الأشخاص في (العُذَيْبِ)، وقسم الغئائم على مستحقيها، وجعل على أولئك الأسرى من الأشخاص خيلاً تحولها، وأمّر عليها غالب بن عبدالله وشهد غالب معركة القادسية الحاسمة، فأرسله مع نفرٍ من ذوي الرأي والنجدة وأمرهم بتحريض الناس على القتال، فخطب الناس وحرّضهم على القتال، واشتبك مع الفرس برفقة أمثاله من أهل النجدات، وهو الذي قتل هرمز ملك (الباب) التي تسمى اليوم (دربند) على بحر الخزر، وكان هرمز على رأس رجاله مع الفرس في معركة القادسيّة الحاسمة.

ولا نعرف بالضبط المعارك التي خاضها بعد التحاق النبيّ ﷺ بالرفيق الأعلى في حروب أهل الرِدّة وقبل القادسية وبعدها من معارك الفتوح شرقاً وغربا فمن الصعب على المؤرخين تسجيل دور كل مجاهد في كلَّ معركة خاضها، لكثرة المجاهدين وتعدّد المعارك، وحسبنا أن نسجّل ما ذكره المؤرخحون لغالب في هذا المجال» وهو يدل دلالة واضحة على أنه كان من الشخصيات البارزة في الفتوح، وأنّه كان من أصحاب الأيام المعدودين .

الإنسان والقائد

۱ – لغالب بن عبد الله رواية، فقد أخرج البخاري في تاريخه والبغوي، وروى عنه قطن بن عبد الله الليثي، وذكره في مسند أحمد وأبي نعيم من طريق أحمد بن محمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد، وأخرجه أبو داود، وحديثه قليل وذكره قليل أيضاً، والاختلاف في نسبه قائم. وكان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم فقد استخلفه على المدينة في بعض غزواته، مما يدل على ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بحسن إدارته.

وقد تولى خراسان زمن معاوية بن أبي سفيان، ولاه زياد بن أبي سفيان  وكان ذلك سنة ثمان وأربعين الهجرية، فقدم (مرو) عاصمة خراسان.

ولا نعلم شيئاً عن أعماله في خراسان ولا متى عُزل وكم بقي والياً عليها، كما لا نعرف شيئاً عن تاريخ مولده وتاريخ وفاته، وقد توفي بعد سنة ثمان وأربعين الهجرية على كل حال.

وقد ذكرت ولاية خُراسان لغالب بن عبد الله الكناني الليثي في الإصابة ولم تذكر هذه الولاية لغالب بن عبد الله بن فضالة ولا لغالب بن فضالة الكناني، لأن الأسماء الثلاثة لشخصية واحدة هي غالب بن عبد الله الكناني الليثي، والاختلاف بالنسب فقط، ورواية الكلبي في سياق نسبه أصح من سياق نسبه عند غيره الذين خالفوه، لذلك اقتصر قسم من المؤرخين، وبخاصة القدامى منهم على ذكر غالب بن عبد الله بسياق نسب ابن الكلبي، ولم يذكروه بسياق آخر .

وما دام الأمر كذلك، فقد روي غالب عن ابن عباس في قوله تعالى: (ما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوْلِهِ من أَهْل القُرَى، فلله وللرسول). الآية. قال: قُرَيْظَة والنَّضِير وخَيْبَر وفَدَكَ. أما قريظة والنضير، فهما بالمدينة، وأمّا فدَك، فإنها على رأس ثلاثة أميال من المدينة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً عليهم غالب بن فضالة من بني كنانة، فأخذوها عَنْوَة، ولا يبعد فإن ابن الكلبي ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعث غالب بن عبد الله إلى بني مُرّة بفَدَك، ويكون قولهم في اسم أبيه فَضَالة إما من غلط من الكاتب وإما اختلاف فيه، ولم ينفرد ابن الكلبي بذكر سرية غالب بن عبد الله إلى فَدَك، بل ذكر هذه السرية كثير من المؤرخين والنسابة غير ابن الكلبي كما هو معروف.

وعداد غالب في أهل الحجاز وعده قسم في أهل خراسان، ويبدو أنه أصبح في أهل خُراسان لأنه قضى ردحاً من الزمن والياً عليها، وعداده أصلاً في أهل الحجاز .

ونستطيع استنتاج مزاياه إنساناً باعتباره أحد قادة النبي صلى الله عليه وسلم وعماله، بأنه كان على جانب عظيم من الإيمان والتقوى والأمانة والاستقامة، وأنه كان يتحلى بمزايا قيادية ومزايا إدارية، فهو قائد قدير وإداري حازم، وأنه كان على خُلق رفيع.

 ٢ – أما السمات القيادية لغالب فواضحة كل الوضوح، لأنه قاد ثلاث سرايا من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم في حياته المباركة، كما قاد مقدمة المسلمين في غزوة فتح مكة ، فلما التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى استمر على نشاطه في الجهاد فكان من أصحاب الأيام في حرب العراق وفارس .

ولعل من تلك السمات الحذر واليقظة، فلم يصدق الأسير الذي ادعى الإسلام وأنه في طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم الإعلان إسلامه؛ بل شد وثاقه وجعل عليه حارساً مزوداً بأوامر واضحة جليّة؛ أن يحز رأسه إذا حاول الهروب من الأسر، حتى يحول دون اتصال هذا الأسير بقومه وكشف نيات المسلمين مبكراً، مما يؤدي إلى استعداد المشركين للقاء المسلمين.

وكان الأسير من بني ليث، وغالب من بني ليث أيضاً، ولكنه لم يُراع ابن عمه كما كان يفعل في أيام الجاهلية، بل عامله كأي عدو آخر بصرف النظر عن قرابته مما يدلّ على تغلغل تعاليم الإسلام فيه من جهة، واجتثاث عنعنات الجاهلية وتقاليدها من جذورها في نفسه من جهة أخرى.

ومن دلائل يقظته وحذره إرساله الربايا الاستطلاعية، ليستطيع إعداد خطته على هدى وبينة وبشكل يؤدي إلى النصر . وكان يحرض رجاله على القتال ويحثهم على الجهاد، ويؤاخي بين أصحابه، ليكون التعاون وثيقاً بينهم قبل المعركة وفي أثنائها وبعدها، كما يأمر بالطاعة المطلقة والالتزام بتنفيذ أوامره نصاً وروحاً، والابتعاد عن الخلاف والفتنة، إذ لا نصر مع الخلاف ولا هزيمة مع الطاعة. وقد كان قائداً تعرضياً يطبق مبدأ المباغتة بالزمان فيتعرض بوقت لا يتوقعه العدو، والمكان باتجاه لا يتوقعه العدو، وبالأسلوب في التعرض ‏السريع الخاطف والانسحاب السريع الخاطف قبل أن يعود إلى العدو رشده الذي فقده جراء المباغتة .

ويبدو أن من سماته القيادية سرعة الحركة : التقدم بسرعة إلى ساحة المعركة، والانسحاب بسرعة مع الغنائم فكأنه أحد رواد الحرب الخاطفة التي بحاجة إلى قابلية الحركة وسرعتها.

أهدافه

وكان من القادة الذين يطبقون مبدأ إدامة المعنويات، فكان من رفع معنويات رجاله من جهة وهدم معنويات أعدائه من جهة أخرى. وكان سريع القرار صائبه يثق برجاله ويثقون به، ويبادلهم حباً بحب، يعرف مزايا أصحابه وخواصهم ويكلّف كل واحد منهم ما يناسب كفايته من واجبات له شخصية قوية نافذة يتحمّل المسؤولية كاملة ولا يتهرب منها ولا يلقيها على عواتق الآخرين، يتمتع بمزية سبق النظر ويحسب لكل أمر حسابه ويعدّله ما ينبغي لمعالجته وحسمه بسرعة قبل فوات الأوان له قابلية بدنية جيدة، وماض ناصع مجيد.

ولعلّ من أبرز سماته القيادية، شجاعته الشخصية الفائقة، فلما أصيبت سرية بشير بن سعد، أعد النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وهو من هو شجاعة وإقداماً، لتأديب بني مُرَّة الذين أصابوا تلك السرية وألحقوا بها أفدح الأضرار بالأرواح، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اثر غالب بن عبد الله للقيام بمهمة تأديب بني مُرَّة، وهذا دليل على أنه كان له في ميزان الشجاعة والإقدام وزن ثقيل .

لقد كان غالب من قادة النبي المتميزين .

غالب في التاريخ

يذكر التاريخ لغالب أنه قاد ثلاث سرايا من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النصر.

ويذكر له، أنه قاد مقدمة المسلمين في غزوة فتح مكة، أهم غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.

ويذكر له، أنه نال شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.

ويذكر له، أنه لم يغمد سيفه بعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى،

فكان من أصحاب الأيام في الفتوح.

ويذكر له، أنه كان عاملاً من عمال النبي صلى الله عليه وسلم، وعاملاً من عمال المسلمين من بعده .

رضي الله عن الصحابي الجليل القائد الفاتح، الإداري الحازم غالب بن عبد الله اللَّيْثي .

(قادة النبي صلى الله عليه وسلم)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة