من قادة النبي ﷺ: عَمْرو بن أُمَيّة الضَّمْرِي الكناني القائد السّفير

نسبه وأيّامه

هو عمرو بن أميّة بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جُدَي بن ضَمرة بن بكر بن عبد مَناة بن كنانة الكناني، أبو أمية.

كان من أنجاد العرب ورجالها نجدة وجراءة وجودا.

وقد أسلم قديما، وهو من مهاجرة الحبشة، ثمّ هاجر إلى المدينة، وفي رواية أخرى: أنه شهد بدراً وأحداً مع المشركين. وأسلّم حين انصرف المشركون من أحد، وهذا ما نرجّحه، لأنّه لم يرد له ذكر في أسماء مهاجرة الحبشة؛ ولا في مهاجرة المدينة، ولا في المؤاخاة التي جرت بعد الهجرة إلى المدينة بين المهاجرين والأنصار كما هو معروف، كما لم يرد له ذكر في أيّ نشاط اجتماعي أو عسكري للمسلمين بعد الهجرة، مما يدل على أنه أسلم بعد أحد وهاجر إلى المدينة المنوّرة، فكانت أوّل مشاهده بئر معونة كما سيرد ذلك بشيءٍ من التفصيل وشيكا..

وليس من المعقول أن يبقى عمرو بن أَميّة، وهو مَنْ هو مكانة وشرفاً وسجايا، مجهول المكانة خامل الذكر في الأحداث الإسلاميّة الأولى، وهو قدا أسلم قديماً، ومَعنى ذلك أنه أسلم متأخرا بعد غزوة أحد، فبدأ تسليط الأضواء على حياته في المجتمع الإسلامي الجديد بعد إسلامه.

ولما أسلم وحسن إسلامه، أصبح موضع ثقة النبي ﷺ، فأخذ يبعثه في أموره العسكريّة والسياسيّة والإدارية، فقد كان شجاعاً له إقدام بالإضافة إلى سجاياه الفكريّة والبدنية الأخرى التي يرد ذكرها في تفصيل حياته قائداً وإنسانا.

في سرية بئر معونة

وكانت هذه السرية فى شهر صفر من السنة الرابعة الهجريّة بقيادة المنذر بن عمرو الساعدي الخزرجي الأنصاري. وكان سبب إرسال هذه السرية، أن أبا براء الكلابي، ويعرف بملاعب الأسنة واسمه: عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وفد على النبي ﷺ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فلم يسلم ولم يُبعِد، وقال: «يا محمد! لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد فدعَوْهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك»، فقال ﷺ: «إني أخشى عليهم أهل نجد»، فقال أبو براء: «أنا جار لهم».

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو في أربعين من المسلمين، وقيل: في سبعين من خيار المسلمين، فنهضوا ونزلوا بئر معونة.

وحين وصلت السرية إلى بئر معونة، بعثوا حرام بن مِلحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، ثم عدا عليه فقتله، ثم استنهض إلى قتال سرية المسلمين بني عامر، فأبوا أن يجيبوه، لأن أبا براء أجارهم، فاستغاث عليهم بني سُليم، فنهضت معه عُصيّة ورعل وذكوان، وهم قبائل من بني سليم، فأحاطوا بالمسلمين، فقاتلوا، فقُتلوا كلهم رضوان الله عليهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنه ترك في القتلى وفيه رمق، فارتثّ من القتلى، فعاش حتى قتل شهيداً يوم الخندق رضوان الله عليه.

وكان عمرو بن أمية الضمري في سرح المسلمين، ومعه المنذر بن محمد بن عقبة بن أُحَيحة بن الجُلّاح، فنظرا إلى الطير تحوم على العسكر، وكانا في سرح المسلمين، فنهضا إلى ناحية أصحابهم، فإذا الطير تحوم على القتلى، والخيل التي أصابتهم لم تزل بعد، فقال المنذر بن محمد لعمرو بن أُمية: «فما ترى؟»، فقال: «أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر»، فقال المنذر: «ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قُتل فيه المنذر بن عمرو»، فقاتل حتى قُتل. وأُخذ عمرو بن أُمية أسيراً، فلما أخبرهم أنه من مضَر، جز ناصيته عامر بن الطفيل وأطلقه عن رقبة كانت على أمه، وذلك لعشرين بقين من صفر.

ورجع عمرو بن أميّة، حتى إذا كان في (القرقرة) من صدر (قناة)، أقبل رجلان من بني عامر، وقيل: من بني سُليم حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان معهما عهد من رسول الله ﷺ لم يعلم به عمرو بن أمية، وكان قد سألهما: «ممن أنتما؟»، قالا: «من بني عامر»، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنّه قد أصاب منهما ثأره من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، قال: «لقد قتلت قتيلين كان لهما مني جوار، لأدينّهما هذا عمل أبي براء، قد كنت كارهاً متخوفاً».

لقد كان قرار عمرو بن أُمية بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما حدث في بئر معونة لسرية المسلمين قراراً حكيماً وصائباً، فما كان الرجل جباناً، بل كان شجاعاً معروفاً بشجاعته، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً تجاه حشود القبائل الغادرة، والمتورطة في قتل سرية المسلمين، وكل ما يمكن أن يحدث هو استشهاده الحتمي في قتال غير متكافئ.

وكان قرار صاحبه الأنصاري في الإصرار على الاستشهاد، قراراً شجاعاً بطولياً، فما كان له أن يعود إلى مستقره في المدينة، وهو يرى جثث إخوانه قتلى تملأ ساحة المعركة.

لقد كان قرار عمرو بن أُمية قرار العقل، وقرار الأنصاري قرار العاطفة، وكان لكلّ من القرارين ما يسوغه حينذاك، وقد اجتهدا وللمجتهد أجره على كل حال.

في غزوة بني النضير من يهود

وكانت في شهر ربيع الأول سنة أربع الهجرية، وكانت منازل بني النضير بناحية (الغرس) وما والاها، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت، فصلى في مسجد قباء ضاحية المدينة، ومعه نفر من أصحابه المهاجرين والأنصار، ثم أتى بني النضير فكلّمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أُمية، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت!.

وخلا بنو النضير بعضهم مع بعض وهموا بالغدر بالنبي ﷺ، وذلك بطرح صخرة عليه من فوق أحد سطوح المنازل التي كان جالساً في جوارها.

ونهض النبي ﷺ سريعاً، وتوجه إلى المدينة، فلحقه أصحابه هناك.

وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير محمد بن مسلمة: «أن اخرجوا من بلدي، فلا تساكنوني بها، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشراً، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه»، فمكثوا على ذلك أياماً يتجهزون، فأرسل إليهم عبد الله بن أبي المنافق حليفهم: «لا تخرجوا من دياركم، وأقيموا في حصنكم، فإنّ معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون عن آخرهم، وتمدّكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان». فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك».

وأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: «حاربت يهود».

وسار النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فصلى العصر بفضاء بني النضير، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يحمل رايته. فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي المنافق وحلفاؤهم من غطفان، فأيسوا من نصرهم.

وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، فقالوا: «نحن نخرج من بلادك»، فقال: «لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا السلاح». فنزلت يهود على ذلك، وكان حاصرهم خمسة عشر يوماً.

وكان عمرو هو الحافز المباشر لهذه الغزوة التي أنقذت المسلمين من عدو جائم بين ظهرانيهم.

قائد السرية

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أُمية إلى مكة، بعد مقتل خُبيب بن عدي، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب، وبعث معه جبّار بن صخر الأنصاري.

وكان خبيب أحد أفراد سرية (الرجيع) التي كانت في صفر من السنة الرابعة الهجرية في ستة رجال دعاة إلى الله، فغدر بهم المشركون، وقتلوا من قتلوا وأسروا خبيباً وباعوه بمكة، فصُلب خبيب (بالتنعيم) وهو القائل حين قدم ليُصلب:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع

وخبيب أول من سنّ الركعتين عند القتل. وقال له أبو سفيان بن حرب: «أيسرك يا خبيب أن محمداً عندنا بمكة تُضرب عنقه وأنك سالم في أهلك؟»، فقال: «والله ما يسرني أني سالم في أهلي، وأن يصيب محمداً شوكة تؤذيه».

وقد بعث النبي ﷺ عمرو بن أمية وحده عيناً على قريش، فحمل خبيب بن عدي من الخشبة التي صلب عليها، وعاد بها إلى المدينة، ولكن كان ذلك في السنة الرابعة الهجرية، حيث كانت سرية الرجيع في تلك السنة، بينما كانت سرية عمرو إلى أبي سفيان هذه في السنة السادسة الهجرية.

أما السبب الحقيقي لإرسال سرية عمرو ومعه سلمة بن أسلم بن حريس إلى أبي سفيان في مكة، فهو أن أبا سفيان بن حرب قال لنفر من قريش: «ألا أحد يغتال محمداً فإنّه يمشي في الأسواق؟»، فأتاه رجل من الأعراب فقال: «قد وجدتَ أجمع الرجال قلباً، وأشدّه بطشاً، وأسرعه شداً، فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله، ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأسوره ثم آخذ في عير وأسبق القوم عدواً، فإني هاد بالطريق خِرّيت!»، قال: «ائت صاحبنا»، فأعطاه بعيراً ونفقة وقال: «اطو أمرك».

وخرج ليلاً، فسار على راحلته خمساً وصبّح (الحرة) صبح سادسة، فأقبل يسأل عن رسول الله حتى دلّ عليه، فعقل راحلته ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد بني عبد الأشهل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ هذا ليريد غدراً!»، وذهب الرجل ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجذبه أسيد بن حضير بداخلة إزاره، فإذا بالخنجر، فسقط في يديه وقال: «دمي… دمي…»، فأخذ أسيد بلبّته، فدعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقني ما أنت؟»، قال: «وأنا آمن؟»، قال: «نعم!»، فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان، فخلّى عنه رسول الله ﷺ، فأسلم الرجل.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال: «إن أصبتما منه غِرة، فاقتلاه!».

ودخلا مكة، ومضى عمرو يطوف بالبيت ليلاً، فرآه معاوية بن أبي سفيان، فعرفه، فأخبر قريشاً بمكانه فخافوه وطلبوه، وكان فاتكاً في الجاهلية، وقالوا: «لم يأت عمرو لخير»، فحشد له أهل مكة، وتجمعوا، فهرب عمرو وسلمة، فلقي عمرو عُبيد الله بن مالك التميمي، فقتله، وقتل آخر سمعه يغني ويقول:


ولست بمسلم ما دمت حياً
ولست أديــن ديــن المسلمينــا!

ولقى رسولين لقريش يتجسسان فقتل أحدهما وأسر الآخر.

وقدم عمرو المدينة، فجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.

وقد جعلت هذه السرية في تسلسل سرايا النبي صلى الله عليه وسلم بين سرية كُرز بن جابر الفهري التي جرت في شهر شوال من السنة السادسة الهجرية، وسرية عمر بن الخطاب التي جرت في شهر شعبان من السنة السابعة الهجرية، ويبدو أنها جرت في السنة السادسة الهجرية، إذ لم ينص مؤرخوها على موعد حدوثها عدا ما جاء في أنساب الأشراف من أنها كانت في صفر سنة ثمان الهجرية، وهذا غير معقول لأن المسلمين حينذاك كانوا في هدنة ضمن شروط صلح الحديبية كما هو معروف، والمسلمون يوفون بالعهود ولا ينقضونها أبداً.

ولم يحقق عمرو هدفه كما ينبغي، لأن صاحبه الذي كان معه أصر على الصلاة بالبيت والطواف حول الكعبة، فانكشف أمره، لأنه كان معروفاً للغاية، فضيع الكتمان الضروري لمثل هذه العملية، ولكنه نجح بالفتك بغير أبي سفيان من المشركين: من المتعصبين على الإسلام، وعيون قريش وأرصادهم، ومن غيرهم من أعداء المسلمين.

في الغزوات والسرايا


١ ـ شهد عمرو غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وقسماً من سراياه بعد سرية بئر معونة، وقد شهد حصار الطائف الذي كان في شهر شوال من السنة الثامنة الهجرية، وقد وصف عمرو دفاعات أهل الطائف من المشركين فقال: «لقد طلع علينا من نبلهم ساعة نزلنا شيء الله به عليم، كأنه رجل من جراد — وترّسنا لهم — حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة». ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحُباب بن المنذر فقال: «انظر مكاناً مرتفعاً مستأخراً عن القوم». فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف خارج من القرية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحوّلوا، إني لأنظر إلى أبي محجن يرمي من فوق الحصن بعشرته بمعابل كأنها الرماح، ما يسقط له سهم.

٢ ـ كما شهد سرية خالد بن الوليد إلى دُومة الجندل، فاستطاع خالد أسر أكيدر بن عبد الملك ملك دومة الجندل وقتل أخيه حسان بن عبد الملك، وكان على حسان قباء ديباج مخوّص بالذهب، فغنمه خالد، وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن أمية، فجعل المسلمون يتلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية خالد إلى دومة الجندل من غزوة تبوك التي كانت في شهر رجب من السنة التاسعة الهجرية.

وكانت غزوة تبوك آخر غزوات النبي ﷺ، فكانت هذه الغزوة إيذاناً بمولد الدولة الإسلامية.

السفير

أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية سفيراً إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام سنة ست الهجرية، وكتب إلى النجاشي كتاباً، فأسلم النجاشي، وأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، ويرسلها ويرسل من عنده من المسلمين من أرض الحبشة إلى المدينة المنورة.

فقد آمن النجاشي بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعه، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب، وأرسل إليه ابنه في ستين من الحبشة، فغرقوا في البحر. وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت مهاجرة بالحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، فتنصر وتوفي بالحبشة، فخطبها النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوكلت أم حبيبة خالد بن سعيد بن العاص بتزويجها، وكان وأخوه أقرب من بالحبشة إليها، فزوجها إياه، ونقد النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم مهر أم حبيبة أربع مئة دينار، وبعث بكسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قميص، وسراويل، وعمامة، وعطاف أسواني من قرية يقال لها: أسوان، وهي آخر مدينة بمصر، وخفين ساذجين.

وأرسل النجاشي إلى النواتي، فقال: «انظروا ما يحتاج فيه هؤلاء القوم من السفن؟»، فقالوا: يحتاجون إلى سفينتين، فجهزهم، وكلّم قوم النجاشي من الحبشة أسلموا في أن يبعث بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلّموا عليه، وقالوا: نصاحب أصحابه هؤلاء، فنجذف بهم في البحر ونغنّيهم، فأذن لهم، فشخصوا مع عمرو بن أمية والمسلمين، وأمر عليهم جعفر بن أبي طالب.

ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن أمية إلى النجاشي سنة ست الهجرية، فعاد من سفارته سنة سبع الهجرية، لأن مهاجري الحبشة، وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب عادوا من الحبشة إلى المدينة في أعقاب غزوة خيبر التي كانت في شهر محرم من سنة سبع الهجرية.

كما أن عمرو بن العاص الذي أوفدته قريش إلى النجاشي، قد غادر إلى أرض الحبشة بعد غزوة الحديبية، فقد ذُكر أنه لم يحضر الحديبية ولا صلحها، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلح ورجعت قريش إلى مكة، فسافر إلى أرض الحبشة، والحديبية كانت في شهر ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية، كما هو معروف.

لقد أوفد النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية في أواخر السنة السادسة الهجرية إلى أرض الحبشة، وعاد منها في أوائل السنة السابعة، ومن هنا حدث الاختلاف بين المؤرخين في سنة إيفاد عمرو بن أمية، فمنهم من قال: سنة ست الهجرية، ومنهم من قال: سنة سبع الهجرية.

وروى عمرو بن العاص قصة لقائه بعمرو بن أمية في الحبشة، فقال: «فأجمعوا لنا ما نهديه له — أي للنجاشي — وكان أحب ما يُهدى إليه من أرضنا الأدَم، فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، فدخل عليه، ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري لو دخلت على النجاشي لسألته إياه فأعطانيه، فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد، فدخلت عليه، فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحباً بصديقي! أَهدَيت إليّ من بلادك شيئاً؟ قلت: نعم أيها الملك، قد أهديت إليك أدماً كثيراً، ثم قرّبته إليه، فأعجبه واشتهاه. ثم قلت: أيها الملك! إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا! فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقاً منه!

ثم قلت: أيها الملك! والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله؟ قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ فقال: ويحك يا عمرو! أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده! قلت: أتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم. فبسط يده، فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي.»

وكان نص كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي حمله عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي:

بسم الله الرحمن الرحيم
من: محمد رسول الله
إلى: النجاشي الأصحم ملك الحبشة:

سِلم أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن. وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه الله من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه.

وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله.

وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ونفراً من المسلمين، فإذا جاءك، فاقرِهم، ودع التجبّر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله، فقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصحي.

والسلام على من اتبع الهدى.

الختم: محمد رسول الله.

إلى النجاشي أيضًا:

هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، وأن محمدًا عبده ورسوله.

وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني رسول الله، فأسلم تسلم، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.

فإن أبيت، فعليك إثم النصارى من قومك.

الختم: محمد رسول الله.

ولعل “الأصحم” مقحم من الراوي حسب ما فهم، والصواب أن اسم النجاشي هو: أَصْحَمَة.

وأرى أن الكتاب النبوي الرقم (١) أُرسل مع جعفر بن أبي طالب لا مع عمرو بن أُمية، كما ذُكر في سيرة جعفر.

جواب النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى: محمد رسول الله.
من: النجاشي الأصحم بن أبجر.

سلام عليك يا نبيّ الله ورحمة الله وبركاته، من الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام.

أما بعد: فقد بلغني كتابك يا رسول الله، فيما ذكرتَ من أمر عيسى، فوربّ السماء والأرض، إنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرتَ ثُفروقا، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بُعثتَ به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقًا مصدقًا، وقد بايعتك، وبايعتُ ابن عمك، وأسلمتُ على يديه لله ربّ العالمين، وقد بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم بن أبجر، فإني لا أملك إلا نفسي، وإن شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول الله، فإني أشهد أنّ ما تقول حق، والسلام عليك يا رسول الله.

التوقيع

قال ابن إسحاق: «وذُكر لي أن النجاشي بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة، فلما كانوا في وسط البحر غرقت بهم سفينتهم، فهلكوا.»


كتاب النجاشي إلى النبيّ ﷺ

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى محمّد ﷺ
من: النجاشي أصحمة.

سلامٌ عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته. أما بعد: فإني قد زوّجتك امرأة من قومك وعلى دينك، وهي السيِّدة أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وأهديتك هدية جامعة قميصاً وسراويل وعطافاً وخفين ساذجين. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
التوقيع


كتاب آخر للنجاشيّ إلى النبِيّ ﷺ

إلى: محمّد ﷺ
من: النجاشي أصحمة.
سلامٌ عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إِلَه إلا الذي هداني للإسلام.

أما بعد: فقد أرسلتُ إليك يا رسول الله مَنْ كان عندي من أصحابك المهاجرين من مكَّة إلى بلادي. وها أنا أرسلتُ إليك ابني أُريحا في ستين رجلًا من أهل الحبشة، وإن شئتَ أن آتيكَ بنفسي فعلتُ يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقوله حقّ.
والسّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

وكان أوّل رسول بعثه رسول الله ﷺ، عمرو بن أميّة الضَّمْرِي إلى النّجاشيّ، وكتب إليه كتابين، يدعوه في أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول الله ﷺ فوضعه على عينيه، ونزل من سريره فجلس على الأرض تواضعاً، ثم أسلم وشهد بشهادة الحق، وقال: «لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته»، وكتب إلى رسول الله ﷺ بإجابته وتصديقه ‏وإسلامه. وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوِّجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها عُبَيْد الله بن جَحْش الأسدي فتنصّر هناك ومات، وأمر رسول الله ﷺ أن يبعث إليه بمن قِبَلَه من أصحابه ويحملهم، ففعل، فزوَّجَه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وأصدقَ عنه أربعمائة دينار، وأمر بجهاز المسلمين وما يُصلحهم، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أميّة الضَّمْرِيّ، ودعا بِحُقّ من عاج فجعل فيه كتابي رسول الله ﷺ ، وقال: «لن تزال الحبشة بخير ماكان هذان الكتابان بين أظهرها.»

وقد مرّت بنا الكتب التي حفظتها لنا المصادر، وليس بينها كتابه عليه الصّلاة والسّلام إلى النجاشي الذي يأمره به أن يزوِّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، ويحمل إليه مَن عندَه من أصحابه.

ومن المحتمل أنّ هذا الكتاب قد فُقِد ولم يسجّل، ولكن النجاشي تسلّمه ونفذ ماجاء فيه، وأجاب عليه، كما هو واضح في كتاب النجاشي رقم (٤) وكتابه الرقم (٥).

والذي يبدو لي أن كتاب النبيَ ﷺ الرقم ‎(‏١)، أرسله إلى النجاشي مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، حين هاجر من مكّة إلى أرض الحبشة، وما جاء في هذا الكتاب يدلّ على ذلك.

أما الكتاب الرقم (٢)، فهو الذي حمله عمرو بن أمية الضَّمْرِيَ في سفارته إلى النجاشي، ولكن البيهقي في دلائل النبوّة ذكر هذا الكتاب بعد قصة هجرة الحبشة، وفي ذكره هنا نظر، فإنّ الظاهر أنّ هذا الكتاب إنما هو للنجاشي الذي كان بعد المسلم صاحب جعفر، وذلك حين كتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ قُبيل الفتح، كما كتب إلى هِرَقْل عظيم الروم قيصر الشّام، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى صاحب مصر، وإلى النجاشي.

قال الزهري: «كانت كتب النبيّ ﷺ إليهم واحدة – يعني نسخة واحدة- وكلّها فيها هذه الآية: «يا أَّهْلَ الكتاب تَعَالَوْا إلى كلمةٍ سَواء. . .» الآية، وهي من سورة آل عمران، وهي مدنية بلا خلاف، وقد نزل ثلاث وثمانون آية من أولها في وفد نَجْران».

واسم النجاشيّ الذي جاءه عمرو بن أمية (أُصحَمَة) كما ذكرنا، وقد شكّك كثيرون بإسلام النجاشيّ، وبدأ التشكيك من الأجانب غير المسلمين، فقلّدهم المسلمون بنقل أقوالهم دون تدقيق ولا تمحيص. ولكن إسلام النجاشي ثابت، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه صلاة الغائب حين علم بموته، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم والنسائي وغيرهم، ولا تُصلّى صلاة الغائب إلّا على الموتى من المسلمين.

لقد حقّق عمرو بن أُميّة أهداف سفارته إلى النجاشي كافة: إسلام النجاشي أو تجديد إسلامه وإسلام غيره من الحبشة؛ واستقدام المسلمين المهاجرين في أرض الحبشة إلى المدينة، وزواج النبيّ ﷺ أم حبيبة رضي الله عنها. وقد يكون النجاشي الذي أسلم على يدي عمرو قد خلف النجاشي الذي أسلم على يدي جعفر بن أبي طالب، فيكون الخلف والسلف قد أسلما، وأرجح ذلك.

وهكذا أثبت عمرو بن أميّة أنه ليس مقاتلاً رهيباً فحسب، بل مفاوضاً لامعاً أيضاً.

وتبقى قصة سفارة عمرو بن أميّة إلى مُسَيْلَمَة الكذاب، فقد قدم مسيلمة مع وفد بني حَنِيفْةَ قومه المدينة المنورة، وكان منزله في دار ابنة الحارث امرأة من الأنصار، واجتمع برسول الله ﷺ، ثم عاد إلى اليَمَامة بِنَجْدٍ وتنبَّأ وتكذّب لبني حنيفة وادّعى أنه شريك رسول الله ﷺ في النبوة، فاتَّبعه بنو حنيفة، وكان قدوم بني حنيفة ومعهم مسيلمة في سنة عشرِ الهجرية، وهي عام الوفود.

ويبدو أن أخبار ردّة مسيلمة الكذّاب تسرّبت إلى المسلمين، فكتب إليه رسول الله ﷺ مع عمرو بن أميّة الضَّمْرِي، يدعوه إلى الإسلام، فكتب مسيلمة إلى النبيّ ﷺ جواب كتابه، يذكر فيه أنه نبِي مثله، ويسأله أن يقاسمه الأرض، ويذكر أنّ قريشاً قومٌ لا يَعْدِلون، وكان نص كتاب مسيلمة الكذّاب إلى النبي ﷺ:

«من مسيلمة رسول الله.. إلى محمد رسول الله. أما بعد: فإني قد أُشركت معك في الأمر، وإنَّ لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكنْ قريشاً قوم يعتدون»، وبعث كتابه هذا إلى النبيّ ﷺ مع رسولين، فسألهما رسول الله ﷺ عنه، فصدّقاه، فقال لهما: «لولا أنّ الرُّسل لا تُقْتل لقتلتكما».

وكتب النبيّ ﷺ إلى مسيلمة: «بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذّاب، أما بعد، فالسّلام على مَنْ اتَبَع الهُدى، فإنَّ الأرض لله، يورثها مَنْ يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين»، وبعث بالكتاب مع السّائب بن العوّام أخي الزُّبير بن العوّام رضي الله عنهما.

وقيل: إنَّ دعوى مسيلمة وغيره النبوّة كانت بعد حجّة الوداع ومرضته التي مات فيها، فلما سمع الناس بمرضه عليه الصّلاة والسّلام، وثب الأسود العَنْسِيّ باليمن، ومسيلمة باليمامة، وطُلَيْحَة الأسديّ في بني أسد.

ومعنى ذلك: أنّ عمرو بن أُميّة حمل رسالة النبيّ ﷺ إلى مسيلمة بموجب الرواية الأولى سنة عشرة الهجرة، وبموجب الرواية الثانية سنة إحدى عشرة الهجرية.

ومن الواضح أنّ سفارة عمرو كانت لمهمّة استطلاعية، هدفها التأكّد من رِدّة مسيلمة وبني حنيفة ودرجة خطورة هذه الردّة على مستقبل الإسلام والمسلمين، فوجد أنّ أمر مسيلمة وبني حنيفة قد خرج عن الطوق، وأن حافزهم هو النعرات القبلية التي جاء الإسلام لمحاربتها، ولا علاقة للدين في حافزهم ورِدّتهم، فلا مجال للعقل في معالجة الأمر، فنطق السيف حين سكت العقل.

وكان لعمرو بن أُمية فضل مع غيره من الذين أطلقوا إشارات الإنذار المبكّر للمسلمين من أجل العمل لمكافحة المرتدين وإعادة الوحدة إلى الصفوف تحت لواء الإسلام، فبدأت الاستعدادات لحرب أهل الرِدّة، فلما التحق النبيّ ﷺ بالرفيق الأعلى، وضع خليفته أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه خطة حرب الرِدّة في موضع التنفيذ، فاستطاع خلال شهور معدودة إعادة الوحدة إلى الصفوف تحت لواء الإسلام من جديد.

وكان للاستعدادات المتّخذة لحرب الرِدّة، أثر حاسم في انتصار المسلمين بعددهم القليل، على المرتدين بعددهم الكثير، وكان لعمرو أحد الروّاد الذين استحثّوا على إنجاز تلك الاستعدادات وإبراز أخطار الردّة، فضل في استكمال تلك الاستعدادات بدقّة وسرعة في أحرج الظروف والأحوال.

الإنسان والقائد

١-‏ روى عمرو بن أميّة عشرين حديثاً عن النبيّ ﷺ وروى له أصحاب الستّة الصحاح في الحديث، واتفق البخاري ومسلم على حديث واحد، وللبخاري حديث آخر انفرد به.

‏وقد روى عنه بنوه الثلاثة: جعفر، وعبد الله، والفضل، وابن أخيه الزَّبرقان والشَّعبِيّ، وأبو سَلَمَة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو قلابة الجرميّ وأبو المهاجر.

‏وقد ذكر المحدَّثون، أنّ أولاده الثلاثة رووا له ما رواه من أحاديث رسول الله ﷺ، ولكنّ النسَّابة ذكروا ابنه جعفر بن عمرو بن أميّة وحفيده الزَّبْرِقان بن عبد الله بن عمرو بن أميّة، ويبدو أنّ هذين فقط اشتهرا بين أولاده وأحفاده، فاستحقا ذكر النسابة الذين لا يذكرون غالباً غير المشاهير. وعمرو معدود من أهل الحجاز، فقد بقي في المدينة ومات فيها، ولم يرحل إلى الأمصار بعد الفتح.

ولا ندري سنة ميلاده، ولكنه توفي بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان قبل سنة ستين الهجرية، فكانت وفاته سنة خمسين الهجرية
(٦٧٠م)، ويبدو أنه كان من المعمّرين، لأنّه كان مشهوراً بسجاياه في الجاهلية، فلا بدّ من أن يكون في الجاهلية قد بلغ من العمر ما جعله معروفاً مشهوراً بين الناس.

وقد انفرد ابن خياط في تاريخه بذكر أنَّ النبيّ ﷺ بعث عمرو بن أميّة بهديه إلى أبي سفيان، وكان ذكر هذا الخبر في سياق تسمية رسل النبيّ ﷺ إلى الملوك والرؤساء، باعتبار أن أبا سفيان كان رئيساً لقريش، وانفرادٌ مصدر واحد -‏ على شهرته- وعدم نقله من المصادر الأخرى، يدلُّ على غرابة الخبر والشكٌ في سلامته.

ومصدر الشك في هذا الخبر، هو أنّ قريشاً كانت في هدنة مع المسلمين بعد حروب طاحنة بين الجانبين، كما أن موقف أبي سفيان من الإسلام والمسلمين يختلف مع موقف سائر الملوك والرؤساء الآخرين، لأنه كان العدو المباشر للإسلام والمسلمين، لهذا أشك في صحّة هذا الخبر.

لقد كان عمرو من أجواد العرب وشخصياتهم المعروفة، وكان شخصية مرموقة قبل الاسلام وبعده، وقد خدم الإسلام والمسلمين خدمات عظيمة جداً لا تُنسى.

٢- لقد كان عمرو من رجال العرب نجدةً وجرأةً وأحد أبطالهم، وكان شجاعاً، وكان سريع الحركة، يتملص بسرعة إذا حاق به الخطر، فيعجز خصمه عن اللّحاق به.

وكان حاضر البديهة، لأنّ مجابهة المواقف المتغيرة السريعة، والنجاح في التملّص من أخطارها، دليل على حضور البديهة والذكاء.

وكان عاقلاً متزناً، لذلك كان من مهماته التي نهض بها السّفارة إلى النجاشي داعياً وخاطباً ومفاوضاً.

ومن المهمات التي أنجزها، يبدو أنه كان من المجاهدين الفدائيين المغاوير.

وربما تبدو مهمة استنقاذ جثّة خُبَيْب بعد صلبه من قريش مهمة سهلة أو لا أثر لها ولا تأثير ولا قيمة. والواقع خلاف ذلك، فقد كانت الجثة محروسة حراسة قويّة، فاستطاع خطفها من بين حرّاسها المتريصين، كما أنّ خطفها رفع معنويات المسلمين من جهة، وأدّى إلى انهيار معنويات قريش من جهة أخرى.

فقد كان النبي ﷺ لا يتخلّى عن أصحابه أحياء وأمواتاً، وهذا مما يرفع معنوياتهم في السَلم والحرب. وكان خطف الجثة ضربة شديدة على معنويات قريش، لأنهم أيقنوا أن المسلمين يستطيعون تحقيق مآربهم حتى في عقر دار قريش على رغم اليقظة والحراسة، فأصبحوا غير آمنين على أنفسهم.

تلك هي أبرز سمات قيادة عمرو، تبدو واضحة للعيان من دراسة سيرته العطرة.

عمرو بن أميّة في التاريخ

يذكر التاريخ لعمرو، أنه كان من أبطال العرب وشجعانهم قبل الإسلام وبعد الإسلام.

وأنه وظف شجاعته وإقدامه لخدمة أهداف النبيّ ﷺ وخدمة الإسلام والمسلمين.

وأنه كان مجاهداً صادقاً وقائداً متميّزاً وسفيراً لامعاً. وأنه نال شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء النبي ﷺ.

رضي الله عن الصحابيّ الجليل، القائد البطل، السفير الحصيف، عمرو بن أميّة الضَّمْرِيَ.

(قادة النبي صلى الله عليه وسلم)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة