نسبه وأيامه
هو كرز بن جابر بن حِسْل بن الأحب بن حبيب بن عمرو بن شَيْبَان بن مُحَارِب بن فهر بن مالك القُرَشِيِّ الفِهْرِي.
كان من رؤساء قريش قبل أن يُسْلِم، وأغار على سرح المدينة شهر جمادى الآخرة من السنة الثانية الهجرية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، واستعمل على المدينة المنوّرة زيد بن حارثة، حتى بلغ وادياً يقال له (سَفْوان) من ناحية بدر، وفاته كرز، فلم يدركه، وهي غزوة بدر الأولى، فعاد المسلمون إلى المدينة.
أسلم بعد الهجرة، وحسن إسلامه، فولاه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة سرية من سراياه، وهذا دليل قاطع على ثقة النبي بدينه وكفايته القيادية .
قائد السرية
وكانت هذه السرية في شهر شوال من السنة السادسة الهجرية (٤)، فقد قدم نفر من عُرَيْنَة (٥) ثمانية على رسول الله ، فأسلموا، ومرضوا بالمدينة، فأمر بهم رسول الله إلى لقاحه (٦) ، وكانت ترعى بذي الجذر صلى الله عليه وسلم ناحية قباء على ستة أميال من ،المدينة فكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا، فغدوا على اللقاح واستاقوها وأدركهم يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من المسلمين، فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشّوك في لسانه وعينيه حتى
مات .
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، فبعث في أثرهم عشرين فارساً، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفِهْرِيّ، فأدركوهم وأحاطوا بهم وأسروهم، وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة، فعاقبهم بموجب الآية الكريمة : (إِنَّما جَزَاءُ الَّذينَ يحاربون اللَّهَ ورسولَه ويَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ، ذلكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الآخرةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ()، وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة غزاراً، فردّوها إلى المدينة، وفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها لقحةً واحدة فسأل عنها فقيل: نحروها.
وهكذا، أدى كرز واجبه على أحسن وجه في قيادة هذه السرية، واستعاد اللقاح من الذين نهبوها وأسر الذين غدروا وسلّمهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنزل بهم ما يستحقونه من عقاب عادل ليكونوا عبرة لغيرهم من
الذين يطمعون في غزو المدينة أو مهاجمتها لسبب أو لآخر من الأسباب.
الشهيد
شهد كرز مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة فتح مكة مع مَنْ شهدها من المسلمين في شهر رمضان من السنة الثامنة الهجرية فكان كرز مع رتل المسلمين بقيادة خالد بن الوليد الذي تقدّم لفتح مكة باتجاه (الخَنْدَمَة)، وكان فيه صفوان بن أُمية وعِكْرِمَة بن أبي جَهْل وسُهَيْل بن عمرو، وكانوا قد جمعوا من المشركين ليقاتلوا المسلمين. وناوشهم خالد مناوشة طفيفة، فقتل كُرْز وحُنَيْس بن خالد بن ربيعة بن أَصْرَم حليف بني منقذ، وكانا في خيل خالد بن الوليد، فشذا عنه، وسلكا طريقاً غير طريقه خطاً، فقتلا جميعاً : قتل خُنَيْس قبل كرز فجعله كرز بين رجليه ثمّ قاتل عنه حتى قتل وهو
يرتجز ويقول :
قد علمت صفراء من بني فهر
نقية الوجه نقية الصدر
لأضر بن اليوم عن أبي صَخْرْ
وكان خُنيس يكنى أبا صخر، وخُنيس من خُزاعة.
والذي يبدو أن كرز بن جابر ثبت دفاعاً عن زميله خوفاً من أن يجهز المشركون عليه، ولكنّه قتل وهو يدافع عن زميله الجريح، فقتلا معاً، دون أن يترك زميله يلاقي وحده مصيره المحتوم، بينما يتملص هو من المعركة للنجاة بنفسه، مما يدلّ على شهامته العربية الإسلامية الأصيلة.
وقد وقع هو وزميله في فخ للمشركين لم يكونا ليقعا فيه لو أنهما سلكا الطريق الصحيح ولم ينحرفا عنه خطأ، وبهذا نال كرز شرف الصحبة وشرف قيادة إحدى سرايا النبي صلى الله عليه وسلم، وشرف الجهاد تحت لوائه، وشرف الشهادة في ساحات الجهاد.
الإنسان والقائد
۱ ـ لا تفاصيل أخرى جديدة عن حياته يمكن إضافتها إلى ما سجلناه عنه، فهذا القائد الشهيد الذي وهب أغلى ما يملك في هذه الدنيا دفاعاً عن الإسلام والمسلمين بخل المؤرخون عليه، فلم يذكروا عنه ما يستحوذ الذكر. أما مؤرخو رجال الحديث، فلم يذكروه حتى ولو بكلمة واحدة، لأنه لا حديث له يروونه وينسبونه إليه، وهكذا قوبل كرمه غير المحدود، بالبخل غير المحدود.
وقد استشهد في غزوة فتح مكة سنة ثمان الهجرية (٦٢٩ م).
أما مزايا قيادته فبالإضافة إلى إيمانه العميق، يبدو أنه كان شجاعاً مقداماً، سریع الحركة، مندفعاً، يحسن التعرّض والمطاردة، من أولئك النفر من القادة العقديين الذين يكثرون في أيام الرسالة، ويقلون في أيام المادة التي تطغى بها الناحية المادية على القيم الدينية .
كرز في التاريخ
يذكر التاريخ لكرز، أنّه كان من رؤساء المشركين المعروفين في أيام الجاهلية، ولولا إسلامه لما ذكرت له هذه الرئاسة أيضاً.
ويذكر له، أنه استطاع أن يغير على سرح المدينة على عهد النبي ، واستطاع التملص بغنائمه من المطاردة.
ويذكر له، أنه أسلم فحسن إسلامه، وأصبح موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم
فولاه قيادة إحدى سراياه .
ويذكر له، أنه ختم حياته العامرة بالجهاد في سبيل الله بالشهادة،
فاستشهد في موقف من مواقف الشهامة بالحرب.
رضي الله عن الصحابي الجليل، البطل المقدام، القائد الشهيد،
كرز بن جابر القُرَشِيِّ الفِهْرِيّ .