من قادة النبي ﷺ: عبد الله بن عَتِيك الأنصاري الخَزْرَجِي القائد الشهيد

نسبه وأيامه

هو عبد الله بن عَتِيك بن قيس بن الأسود بن مريّ بن كعب بن غَنْم بن سلمة بن الخزرج الأنصاري، من بني غنم بن سَلِمَة من الخزرج.

شهد أحداً وما بعدها من المشاهد لا اختلاف في ذلك، والاختلاف أنه شهد بدراً، فقد بُني قولهم: إنّه شهدها على الظن، عدا واحداً نص على أنه شهد بدرا. ولم أجد اسمه بين أسماء البدريين في المصادر كافة، ولو شهدها لورد اسمه بين تلك الأسماء، أسوة بغيره.

وعلى كل حال، نال ابن عَتِيك شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شرف عظيم.

كما تولى قيادة سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم، فكان جندياً مجاهداً
وقائداً من قادة المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

واستشهد عبد الله بن عتيك يوم (اليمامة) التي كانت بين المسلمين في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بقيادة خالد بن الوليد وبين المرتدين بقيادة مُسَيْلمة الكذاب، في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة الهجرية، فاستشهد من الصحابة أربعمائة وخمسون رجلاً، وقيل: استشهد من الصحابة ستمائة نفس، وكان عبد الله بن عتيك أحد الصحابة الشهداء في هذه المعركة، وكان من بين الصحابة الشهداء خمسون أو ثلاثون من حملة القرآن. والواقع أن معركة اليمامة كانت سنة إحدى عشرة الهجرية لا سنة اثنتي عشرة الهجرية.

وذكر أنه شهد معركة (صفّين) مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والصحيح هو أنه استشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة الهجرية، لإجماع مؤرّخي سيرته على ذلك، واسمه ورد في قائمة الشهداء التفصيلية في معركة اليمامة.

وعبد الله بن عتيك ليس أخا جبر بن عتيك، وقيل: جابر بن عتيك، لأن نسب جابر أو جبر – على الأصح – هو جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هبشة بن الحارث بن أميّة بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، بطن من بطون الأوس، بينما عبدالله بن عتيك من الخزرج كما ذكرنا. ومما يقوي أنّه ليس بأخ له، أن الأوس قتلوا كعب بن الأشرف والخزرج قتلوا أبا رافع، لا يختلف أهل السير في ذلك.

روى عن معاوية بن أبي سفيان وعبادة بن الصامت. وروى عنه محمد بن سيرين. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له النسائي وابن ماجه حديثاً واحدًا في بيع الذهب بالذهب.

وكانت أم عبدالله بن عتيك يهودية بخيبر أرضعته، وكان يرطن باليهودية (العبرية)، وكان ضعيف البصر.

سريَّتُه

وكانت في رمضان من سنة ست الهجرية.
انقضى شأن غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب، وانقضى شأن قريظة، وكان أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق ممن حزّب الأحزاب وألب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوس قبل غزوة (أحد) قد قتلت اليهودي كعب بن

‏الأشرف في عداوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحول: لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَنَاء إلّا قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فَضَلًا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، فلا يَنْتَهُون حتى يُوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك.

ولما أصابت الأوس كَعْب بن الأشرف في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلاً علينا أبداً.

وتذاكر الخزرج: مَنْ رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الاشرف؟ فذكروا ابن أبي الحُقَيْقَ، وهو بخَيْبِر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فإذن لهم، فخرج إليه خمسة نفر من الخزرج، كلهم من بني سَلِمَة، وهم: عبدالله بن عَتِيْك، وعبد الله بن أُنَيْس، وأبو قتَادة الحارث بن رِبْعِي، ومَسْعود ابن سِنَان، وخَزاعي بن الأسود حليف لهم من المسلمين من أسلم.

وأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم عبدالله بن عَتِيْك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان، فنهضوا حتى أتوا خيبر ليلاً.

وكان سَلّام ساكناً في دار في جماعة من يهود، فلم يَدَعُوا بيتاً في الدّار إلا أغلقوه على أهله، وكان سَلَّام في عِلِّيّةِ له إليها عَجَلَة، فأسندوا فيها حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا عليه، فخرجت إليهم امرأته فقالت: «مَنْ أنتم؟»، قالوا: «ناس من العَرَب نلتمس المِيْرَة»، قالت «ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه».

فلما دخلوا أغلقوا الباب على أنفسهم تخوّفاً أن تكون دونه مُجاولة تحول بينهم وبينه، فصاحت امرأته فهموا بقتلها، ثم ذكروا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء، فأمسكوا عنها، ثمّ تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه، أبيض في سواد الليل كأنّه قُبْطِيّة مُلْقَاة، ووضع عبد الله بن عَتِيْك سيفه في بطنه حتى أنفذه، كما تحامل عليه بالسيف عبد الله بن أنيس في بطنه حتى أنفذه، وسلّام يقول: قَطني … قَطنِي، أَي حَسْبِي حَسْبِيْ.

وخرج أفراد السرية من حجرة سَلّام، وكان عبد الله بن عَتِيك سَيِّيء البصر، فوقع من الدرجة فوُثئت رجله وثئاً شديداً، فحمله أصحابه حتى أتوا مَنْهَراً من مناهِرِهم، فدخلوا فيه واستتروا.

وخرج أهل الآطام، وأوقدوا النيران في كل وجه، فلما يئسوا رجعوا إلى آطامهم.

وقال أفراد السرية: «كيف لنا بأن نعلم بأن عدوّ الله قد مات؟»، فرجع أحدهم ودخل بين الناس، فوجد امرأته ورجال يهود حوله، وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدّثهم وتقول: «أما والله! لقد سمعت صوت ابن عَتِيك، ثمّ أكذبتُ نفسي وقلت: أنَّى ابن عَتِيك بهذه البلاد؟»، قال: «ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه، ثمّ قالت: فاظ وإله يهود! فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها»، وقد حدث الذي ذهب يستطلع موت سلام أصحابه بحديثه هذا بعد عودته إليهم من مهمته الاستطلاعية، فأيقنت السرية بهلاكه.

واحتمل أفراد السرية عبد الله بن عَتِيك، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بقتل سلّام، واختلفوا عنده في قتله: كلهم يدّعيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هاتوا أسيافكم»، فنظر إليها، فقال لسيف عبد الله بن أنيس: «هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام».

قال حسان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلّام بن أبي الحقيق:

لله درّ عصابة لاقيتهم
يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
يسرون بالبيض الخفاف إليكم
مرحاً كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محلّ بلادكم
فسقوكم حتفاً ببيض ذفف
مستنصرين لنصر دين نبيّهم
مستصغرين لكلّ أمر مجحف

وهكذا تخلص المسلمون من عدو لدود، وكان إقدام عبد الله وإقدام سريته إقداماً فذاً بكل معنى الكلمة .

الإنسان والقائد

١ – لا نعرف شيئاً عن حياة عبد الله بن عتيك قبل الإسلام، ولا نعرف متى أسلم، ولا نشاطه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين. كما لا نعرف شيئاً عن أهله وذريته، وحسبنا أن نعلم أنه كان صحابياً من الأنصار، وأنه جاهد تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم ما وسعه الجهاد.

أما تفاصيل حياته إنساناً، فلا نعلم عنها إلا القليل، واستشهد سنة إحدى عشرة الهجرية في معركة اليمامة.

٢ ـ ولكي نعرف أهمية سرية عبد الله بن عَتِيك إلى أبي رافع سلّام ابن أبي الحقيق، لا بد لنا من معرفة شيء عن سلّام بن أبي الحقيق.

كان من بني النضير اليهود، وحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً، نصبت أحبار يهود لرسول الله العداوة بغياً وحسداً وضغناً، لما خص الله تعالى العرب به من أخذه رسوله منهم، وأضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن عسا على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره، واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جُنة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود، لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام، وكان أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنّتونه ويأتونه باللَّبس ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم وفيما يسألون عنه،

إلا قليلاً من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها، ومن أحبار يهود الذين نزل فيهم القرآن وكانوا يحقدون على النبي صلى الله عليه وسلم ويتعنّتونه: سلّام بن أبي الحُقيق من يهود بني النضير.

وحين حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير وأجلاهم عن المدينة، كان سلّام يهدد المسلمين قائلاً: «إنّ حلفائي بخيبر لعشرة آلاف مقاتل»، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، فتبسم، ثم دارت الدائرة على بني النضير، فاستسلموا للمسلمين.

وكان سلّام من التجار الكبار الذين يتعاطون الربا، وكان له على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فلما أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم صالحه سلّام على أخذ رأس ماله ثمانين ديناراً، وأبطل ما فضل وصنع يهود المرابون صنيعه مكرهين.

وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ سيف سلّام بن أبي الحقيق، وكان سيفاً له ذكر عندهم. وكان من جملة غنائم بني النضير.

ولجأ سلّام إلى خيبر، فكان من يهود الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة، فكانت غزوة الخندق ثمرة من ثمرات حقدهم وعملهم الدائب على الإسلام، وقالوا: «إننا سنكون معكم حتى نستأصله»، وزعمت لقريش أن دين قريش خير من الإسلام.

لقد كان سلّام بن أبي الحقيق من أخطر أعداء النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين، وكان لا بد من وضع حد لنشاطه المخرب، فقد كان لا يُريح ولا يستريح، ولكن القضاء عليه لم يكن سهلاً ميسوراً، وبخاصة وهو في حُصنه الحصين، بين أهله وذويه الأقوياء، في وسط خيبر المحصّنة ذات الحصون والقلاع، التي يحميها عشرة آلاف مقاتل، والتي تستطيع إرسال ثلاثة آلاف مقاتل فوراً، فلا بد من أن يوكل أمره إلى بطل مقدام، وكان هذا البطل هو عبد الله بن عتيك.

والحديث عن شجاعته وإقدامه حديث مُعاد، فهو الذي تطوع لقتل سلّام، فأمّره النبي صلى الله عليه وسلم على سريته، فنهض بواجبه على أحسن وجه، وبشكل بطولي يدعو إلى فائق الإعجاب.

وقد كان التعاون بين أفراد السرية وثيقاً جداً، وأثر القائد في هذا التعاون لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه.

وقد تولى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في شهر ربيع الأول من السنة التاسعة الهجرية قيادة سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم، فولى عبد الله بن عتيك على الماشية والرِّثّة من الغنائم. ولا يمكن أن يولّي مثل هذا المنصب إلا القوي الأمين.

إنه من أولئك القادة الذين يعملون لعقيدتهم لا لأنفسهم، فأكرمه الله بالشهادة، فسقط مضرّجاً بدمائه، دون أن يسقط من يده السيف.

ابن عتيك في التاريخ

يذكر التاريخ لعبد الله بن عتيك، أنه نال شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه الصلاة والسلام.
ويذكر له، أنه كان أحد قادة سرايا النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وأنه بقي مجاهداً بعد التحاقه بالرفيق الأعلى.
ويذكر له، أنه حقق أغلى أمانيه في حياته، فنال الشهادة في ميدان القتال دفاعاً عن الإسلام.
ويذكر له، أنه ضحى بروحه من أجل عقيدته، ولم يضح بعقيدته من أجل روحه.
ويذكر له، أنه كان من وجوه الأوس والخزرج من الأنصار في المدينة المنورة، وأنه تقدم بعمله الدائب في خدمة الإسلام والمسلمين.

رضي الله عن الصحابي الجليل، القوي الأمين، القائد الشجاع، عبد الله بن عتيك الأنصاري الخزرجي.

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة