من قادة النبي ﷺ: عُكاشة بن مِحصن الأسدي القائد الشهيد

نسبه وأيامه

عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، ويكنى: أبا محصن، حليف بني عبد شمس من بني أمية، كان من ساداتهم وفضلائهم، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام.

وهاجر عُكاشة من مكة إلى المدينة مع من هاجر من قومه بني غَنم بن دودان رجالًا ونساء، وكانوا أهل إسلام، فاستقر في المدينة المنورة ليبدأ صفحة جديدة من صفحات خدمته للإسلام والمسلمين، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين المجذَّر بن ذِياد البلوي حليف الأنصار.

وكان أحد أفراد سرية عبد الله بن جحش الأسدي، وكان في هذه السرية أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول أسيرين أسرا من المشركين، وأول قتيل قُتل منهم.

وشهد عكاشة غزوة بدر الكبرى الحاسمة، فأبلى فيها بلاء حسنًا، وانكسر في يده سيف، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفًا جديدًا، فقاتل به حتى انتصر المسلمون، ولم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل من المشركين يوم بدر معاوية بن عبد قيس حليف عامر بن لؤي ثم من بني مالك بن حِسل من قريش.

وشهد غزوة أحد، فباشر النبي صلى الله عليه وسلم القتال، فرمى بالنبل حتى فنيت نبله وتكسرت سِيَة قوسه، وأخذ القوس عكاشة يوتره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله! لا يبلغ الوتر»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مده يبلغ»، ففعل عكاشة وأعاد قوس النبي صلى الله عليه وسلم إليه صالحًا للرمي.

وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وسائر المشاهد، وكان من الفرسان الذين شهدوا غزوة بني قريظة من يهود، وشهد غزوة ذي قَرَد على طريق المدينة – الشام ناحية خيبر فارسا أيضًا وقتل أوثار بن عمرو بن أوثار، وقيل: بل قتل أوثار وعمرو بن
أوثار من بني فزارة، وكان عكاشة من أوائل من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ملبيا دعوته لمطاردة عُيينة بن حصن الفزاري وقومه الذين نهبوا لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وبذل جهده لاستعادتها من المشركين.

وقد أحسن عكاشة غاية الإحسان في خدمة الإسلام والمسلمين أيام السلام والحرب، وفي الجهادين الأكبر والأصغر، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممن يدخل الجنة بغير حساب.

وهكذا نال عُكّاشة شرف الصحبة، وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.

سرية الغَمر

وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عُكّاشة في أربعين رجلًا، إلى الغمر ـ غمر مرزوق، وهو ماء لبني أسد على ليلتين من (فَيد) طريق الأول إلى المدينة – منهم: ثابت بن أقرم، وشجاع بن وهب، ويزيد بن رقيش، فخرج سريعًا يُعد السير.

وَنَذِر به القوم، فهربوا من ديارهم ونزلوا علياء بلادهم.

وانتهى عكاشة إلى ماء بني أسد، فوجد الدار خالية منهم، فبعث الطلائع يطلبون خبرًا أو يرون أثرًا حديثًا، فرجع إليه شجاع بن وهب، وأخبره أنه رأى أثر نعم قريبًا، ثم أصابوا ربيئة لبني أسد قد رصد ليلته يسمع الصوت ويرى حركة السرية، فلما أصبح نام، فأخذوه وهو نائم، فسألوه عن أخبار بني أسد، فذكر أنهم قد لحقوا بعلياء بلادهم ومعهم النعم، فأمّنه المسلمون، فدلهم على نعم لبني عمّ له، فأغاروا عليها واستاقوا مائتي بعير، فأرسلوا الرجل، وساقوا النعم إلى المدينة، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوا كيدًا.

وقد جرى ذلك في شهر ربيع الأول سنة ست الهجرية.

لقد أدى عُكّاشة واجبه في قيادة هذه السرية على أحسن ما يرام، إذ عاد وسريته دون أن يتكبدوا خسائر بالأرواح أو المعدات، وغنموا من الأعراب عددًا كبيرًا من الإبل، وأثروا في معنوياتهم تأثيرًا كبيرًا، إذ هربوا منهم ولم يستطيعوا مجابهتهم، كما أثروا في معنويات أعراب المنطقة كافة، وجعلوهم يخشون المسلمين.

سرية الجِنَاب

بعث النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة تسع الهجرية سرية بقيادة عكاشة إلى الجِنَاب أرض عُذْرَة وبَلِىَّ. وبلي من بني: قضاعة. ولا نعلم شيئًا عن عدد أفراد هذه السرية ولا عن الهدف من إرسالها، ولا نتائج هذه السرية، ويبدو أنها سرية من سرايا الدعوة، قصدت تلكالمنطقة للدعوة إلى الإسلام، لأن الإسلام في السنة التاسعة الهجرية كان قويا في تلك المناطق، وكان أكثر سكانها قد أسلموا وحسن إسلامهم قبل سنين، وربما بقيت جيوب في تلك المنطقة لم يُسْلِم أهلها، فكانت تلك السرية إحدى المحاولات لتطهير تلك الجيوب من الشرك ونشر الإسلام فيها.

الشهيد

حين ارتد العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة الهجرية، فارتدت كل قبيلة عامةً أو خاصة إلا قريشًا وثقيفًا، واستغلظ أمر طُليحة بن خويلد الأسدي، واجتمع على طليحة عوام طيّىء وأسد، عقد أبو بكر الصديق رضي الله عنه أحد عشر لواء، كان من بينها لواء خالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد.

وكان أبو بكر بعث عديّ بن حاتم الطائي إلى طيّىء قبل خالد وأتبعه خالدًا، وأمره أن يبدأ بطيّىء ومنهم يسير إلى (بُزاخة).

وقدم عدي على طيّىء، فدعاهم وخوفهم، فأجابوه، وقالوا له: استقبل الجيش، فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. واستقبل عدي خالدًا، وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيىء إلى إخوانهم عند طليحة، فلحقوا بهم، فعادت طيىء إلى خالد بإسلامهم.

ورحل خالد يريد جَديْلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم؛ فكان عدي خير مولود في أرض طيىء وأعظمه بركة عليهم.

وأرسل خالد بن الوليد عكاشة وثابت بن أقرم الأنصاري طليعةً، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة، فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتًا ورجعا.

فقد انفرد طليحة بعكاشة وسلمة بثابت، وكان ثابت وعكاشة فارسين، عكاشة على فرس يقال له: الرّزام، وثابت على فرس يقال له: المحيّر، فلم يلبث سلمة أن قتل ثابت بن أقرم، فصرخ طليحة لسلمة: «أعنّي على الرجل، فإنه قاتلي»، فكرّ سلمة على عكاشة، فقتلاه جميعًا، فعادا إلى من وراءهما من الناس، فأخبراهم الخبر، فسرّ عُيينة بن حصن، وكان مع طليحة، وقد كان خلّفه على عسكره، وقال: «هذا الظفر».

وجاءت مقدمة خالد في مائتي فارس عليها زيد بن الخطاب رضي الله عنه، فمرّت بعكاشة وثابت قتيلين، فحزن المسلمون على قتلهما كثيرًا.

وأقبل خالد ومعه المسلمون، فلم يَرُعهم إلا ثابت بن أقرم قتيلا، فعظم ذلك على المسلمين، ثم لم يسيروا إلا يسيرًا حتى وجدوا عكاشة قتيلا، فاجتاح المسلمين حزن عظيم. وأمر خالد بحفر قبرين لهما، فدفنا بدمائهما وثيابهما، وكانت بعكاشة جراحات منكرة، فجزع لذلك المسلمون.

ولم يذهب دم عكاشة وثابت هدرًا، فقد انتصر المسلمون على طليحة يوم بُزاخة؛ وكبّدوا جماعته أفدح الخسائر بالأرواح والأموال.

أما طليحة فقد أعدّ فرسًا له وراحلة لامرأته النوّار؛ فلما دارت الدائرة على أصحابه ركب فرسه وحمل امرأته؛ ثم نجا بها، فانهزم ولحق بالشام؛ ثم نزل على بني كلب، وأسلم حين بلغه أنّ أسدًا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيماً في بني كلب حتى مات أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه.

وكان خرج معتمراً في خلافة أبي بكر الصدّيق ومرّ بجنبات المدينة؛ فقيل لأبي بكر: هذا طُليحة! فقال: «ما أصنع به؟ قد أسلم!» ثم أتى عمر بن الخطاب؛ فبايعه حين استُخلف؛ فقال له: «أنت قاتل عُكّاشة وثابت؟ والله لا أحبّك أبداً!» فقال: «يا أمير المؤمنين! ما يهمك من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يُهِنّي بأيديهما!»؛ فبايعه عمر، ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق مجاهدًا.

وكان استشهاد عُكّاشة سنة إحدى عشرة الهجرية (137م).

الإنسان والقائد

كان عُكّاشة من سادات الصحابة وفضلائهم ومن السابقين الأوّلين، ووقع ذكره في الصحيحين في حديث ابن عباس في السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فقال عكاشة: «ادع الله أن يجعلني منهم»، قال: «أنت منهم»؛ فقام آخر فقال: «ادع الله أن يجعلني منهم»، فقال: «سبقك بها عُكّاشة». وقد ضُرب بها المثل، يقال للسبق بالأمر: «سبقك بها عُكّاشة».

روى عنه من الصحابة أبو هريرة، وابن عباس. رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا لا حساب عليهم»، فقال عُكّاشة بن مِحصن: «يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم»، فقال له: «أنت منهم»، ودعا له فقام رجل آخر، فقال: «يا رسول الله! ادعُ الله لي أن يجعلني منهم»، فقال: «سبقك بها عكاشة».

وروى عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت علي الأمم بالموسم، فراثت عليّ أمتي، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم، قد ملؤوا السهل والجبل، فقال: يا محمد! أرضيت؟ قلت: نعم يا رب! قال: فإن لك مع هؤلاء سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون»، فقال عكاشة بن محصن: «يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم»، فقال: «أنت منهم»، فقام رجل آخر فقال: «يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم»، فقال: «سبقك بها عكاشة». قال بعض أهل العلم: إن ذلك الرجل كان منافقا -وفيه نظر – فأجاب رسول الله بمعاريض من القول، وكان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يمنع شيئًا يُسأله إذا قدر عليه.

وكان عكاشة يوم انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ابن أربع وأربعين سنة، وقتل بعد ذلك بسنة، ببزاخة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة اثنتي عشرة الهجرية.

والصحيح أن عكاشة استشهد يوم بزاخة التي كانت سنة إحدى عشرة الهجرية كما أسلفنا ولم يكن يوم بُزاخة سنة اثنتي عشرة الهجرية، فمات في نفس السنة التي تُوفي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه استشهد بعد بضعة أشهر من وفاة النبي، فكان عمره حين استشهد خمساً وأربعين سنة تقريباً.

وكان عكاشة من أجمل الرجال، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخله الله الجنة ويجعل وجهه كالبدر، فكان يمشي عَنَقَا.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أسد خطباء العرب»، ويقول: «منا خير فارس في العرب عبد الله بن جَحْش»، فقال عُكاشة: «يا رسول الله! ذاك منا»، فقال: «بل هو منا»، يريد بذلك حلفه لبني عبد شمس من أُمية.

نعرف من أهله أخاه أبا سنان بن مِحْصَن، شهد بدراً وأُحداً والخندق، وتوفي والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة سنة خمس الهجرية، ودفن في مقبرة بني قريظة اليوم، وتوفي ابن أربعين سنة، وكان أسنّ من عُكاشة بسنتين.

كما نعرف سنان بن أبي سنان بن مِحْصَن، وعكاشة عمه، وكان بين سنان وبين أبيه في السِنّ عشرون سنة، وشهد بدراً وأُحداً والخندق والحُدَيْبِيَّة، وكان أوّل مَنْ بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة يوم الحديبية، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين الهجرية.

كما نعرف أخت عُكاشة وهي أم قيس بنت محصن، وكانت من النساء المبايعات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما قيادته، فيمكن أن نتبين من سماتها، بأنه شجاع مقدام، أبلى بلاء حسناً في الغزوات التي شهدها تحت راية النبي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كرمه بإهدائه سيفاً لشجاعته وإقدامه، وأنه كان يسارع إلى تلبية صريخ النجدة، فيندفع اندفاعاً شديداً إلى سعير المعركة غير هياب ولا وجل.

وأنه كان من فرسان النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فرسان خالد بن الوليد بعد أن التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، ولم يكن في المقدمة حسب، بل كان في طليعة المقدمة، يستطلع أخبار العدو، ويمنعه من استطلاع أخبار المسلمين، ويحمي المقدمة، ويواجه العدو قبل أي فرد من أفراد المسلمين، وهذا دليل على شجاعته وإقدامه، وفطنته والمعيّته لأنّ الذي يُكلّف بالاستطلاع، لا بد أن يكون ذكياً جداً، شديد الاندفاع، حاضر البديهة.

وكان من أولئك القادة الذين يعملون لخدمة عقيدتهم والمسلمين، فهو قائد من قادة العقيدة، بذل نفسه رخيصة من أجل عقيدته، وضحى بروحه من أجل إعلاء كلمة الله.

عُكّاشة في التاريخ

يذكر التاريخ لعكاشة، بأنّه كان من السابقين الأولين ومن سادات الصحابة وفضلائهم وفرسانهم وشجعانهم.
ويذكر له أنه كان من قادة النبي صلى الله عليه وسلم لسريتين من سراياه .
ويذكر له، أنّه كان شهيداً من شهداء الإسلام الأولين.

رضي الله عن الصحابي الجليل، الفارس الشهيد، القائد البطل، عُكّاشة بن مِحْصَن الأسدي.

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة