نسبه و أيامه
هو عبدالله بن أُنَيْس بن أسْعَد بن حَرَام بن حبيب بن مالك بن غَنْم بن كَعْب بن تَيْم بن نُفَاثة بن إياس بن يَرْبوع بن البَرْك بن وَبَرَة، أخي كلب بن وَبَرَة، و البَرْك بن وَبَرَة دخل فى جُهَيْنَة، و أصل ولد البَرْك بن وَبَرَة من قُضَاعة، لأنه البَرْك بن وَبَرَة بن تَغلِب بن حُلْوان بن عَمْران بن الحافي بن قُضَاعة.
و عبدالله هو حليف بنى سَلِمَة من الأنصار من بنى الخزرج، و حليف بنى سواد من سَلِمَة على الأخص، و بنو سواد هم الذين ينتسبون إلى سواد بن غَنْم بن كَعْب بن سَلِمَة بن سعد من الخزرج.
شهد بيعة العَقَبة، فأسلم و حسن إسلامه، و كان أحد ثلاثة كسروا آلهة بنى سَلِمَة، و كان أحد أفراد سريّة مؤلَّفة من خمسة رجال من مسلمى الخزرج، لقتل سَلَّام بن أبى الحُقَيْق أحد أعداء النبيّ ﷺ و المسلمين، فقصدوه فى (خَيْبَر) وقتلوه هناك، و كان عبدالله هو الذى تولى قتله، و سَلَّام هذا هو أبو رافع.
و كان أحد أفراد سريّة عبد الله بن رَوَاحَة لقتل اليُسَيْر بن رِزَام الذى كان بخَيْبَر يجمع غَطفان لغزو رسول الله ﷺ، و كان عبدالله هو الذى تولّى قتله.
و كان سَلَّام بن أبى الحُقَيْق و اليُسَيْر بن رِزَام يهوديين من يهود خَيْبَر، و من أعدى أعداء النبيّ ﷺ و المسلمين كافة.
سريّته إلى الهُذَلِيّ
خرج عبدالله من المدينة يوم الاثنين لخمس ليال خلون من شهر المحرّم، على رأس خمسة و ثلاثين شهراً من الهجرة، أي من السنة الرابعة الهجرية، فغاب عنها ثماني عشرة ليلة، و قدم يوم السبت لسبع بقين من المحرّم، بعد أن أدّى واجبه الذى أمره به النبيّ ﷺ.
فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية مؤلفة منه وحده إلى خالد بن سفيان بن تبيح الهذلي الذي كان بِعُرَنة يجمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليغزوه، فقتله عبد الله وعاد برأسه إلى المدينة المنورة.
قال عبد الله: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهُذَلِيّ يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بنَخْلَة أو بعرنة، فأته فاقتله. قلت: يا رسول الله ! انْعَته لي حتى أعرفه، فقال: “إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة “.
وخرجت متوشحاً سيفي، حتى دفعت إليه وهو في ظُعُن يرتاد لهنّ منزلاً ، وحيث كان وقت العصر، فلما رأيته وجدتُ ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القُشَعْرِيرَة، فأقبلت نحوه، وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصلّيت وأنا أمشي نحوه أومىء برأسي، فلما انتهيت إليه قال : مَنْ الرّجل؟ قلت : رجل من العَرَب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لذلك، قال: أَجَلْ إني لفي ذلك .
فمشيت معه شيئاً، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف، فقتلته، ثمّ خرجت وتركت ظعائنه مُنكَبّاتٍ عليه فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال: «افْلَحَ الوجه»، قلت: قد قتلته يا رسول الله، ووضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري .
وهكذا استطاع عبد الله وحده، ببطولته الفذة، وإقدامه النادر، أن يقضي على فتنة الهذلي التي كان يُعِدّها ويستعدّ لها، وينهي خططه في حرب الإسلام والمسلمين .
وبهذا تغدى عبد الله بالهذلي قبل أن يتعشى الهذلي بالمسلمين، فيجمع لهم الجموع ويخوض ضدّهم الحروب ويكبدهم الخسائر بالأرواح والأموال .
الإنسان والقائد
لما التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، قال عبد الله .في رثائه :
تطَاوَلَ لَيْلِي وَاعْتَرَتْني القَوَارِع وخَطْبٌ جَلِيلُ للبَلِيَّةِ جَامِعُ !
غَداةَ نَعَى النَّـاعِـي إِلَيْنَا مُحَمَّداً وتلك التي تَسْتَكُ مِنْهَا المَسَامِعُ
فَلَوْ رَدَّ مَيْنَا قَتْلُ نَفْسِي قَتَلْتُها ! ولكنَّهُ لا يَدْفَعُ المَوْتَ دَافِعُ
فَالَيْتُ لا أنني على مُلْكِ هَالِكِ من النَّاس، ما أَوْفَى ثَبِيْرُ وفَارِعُ
وَلَكِنَّني بَاكِ عَلَيْهِ ومُتْبِعٌ مُصِيبَتَهُ، إنـي إلـى اللَّـهِ راجِعُ !
وقد قبَضَ اللَّهُ النَّبِيَّيْنِ قَبْلَهُ وعادٌ أُصِيْبَتْ بالرُّزَى والتَّتَابِعُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ يَقُوْمُ بِأَمْرِنَا؟ وهل فـي قـريـش مـن إمام يُنَازِعُ ؟
علي أو الصديق أو عُمَرُ لَهَا وليس لهـا بعــد الثَّلاثَةِ رَابِعُ !
فإن قال مِنَّا قائل غَيْرُ هَذِهِ أَبَيْنَا وَقُلْنَا اللَّهُ رَاءِ وَسَامِعُ
فَيَا لَقُرَيْشٍ قَلدُوا الأمرَ بَعْضَهُمْ فَإِنَّ صَحِيحَ القَوْلِ للنّاسِ نَافِعُ
ولا تُبْطِمُوا عَنْهَا فُوَاقا فإنّها إذا قُطِعَتْ لمْ يُمْنَ فيها المطامع.
لقد كان عبد الله شاعراً مجيداً، وقد قال في سريته وقتل الهُذَلِيّ : تركت ابن ثَوْرِ كالحوار وحوله نوائح تَفْرِي كلَّ جَيْبِ مُقَدَّدِ تناولته والطعن خَلْفَي وخَلْفَهُ بأبيض مـن مـاء الحـديـد مُهَنَّـد عَجُومٍ لِهَامِ الدَّارِ عِينَ كأَنَّه شهابُ غَضَاً من مُلْهَبٍ مُتَوَقِّدِ أقول له والسَّيفُ يَعْجُمُ رأسه أنا ابنُ أُنيـس فــارســاً غيرَ قُعْدَد أنا ابن الذي لم يُنْزِلِ الدَّهرُ قِدْرَهُ رَحِيْبُ فِنَاءِ الدَّارِ غيرُ مُزَنَّدِ وقد شهد عبد الله العقبة وما بعدها شهد بدراً وأُحداً أصحابه، وما بعدهما في رواية وفي رواية أخرى أنّه شهد أحداً وما بعدها، والرواية الثانية هي الصواب فقد أبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من إذ لم يحسبوا أنهم سيحاربون فلم يشهدوا بدراً، وكان منهم عبد الله. وفي طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر إلى المدينة، لقيه عبد الله بـ (تُرْبان)، فقال : يا رسول الله ! الحمد لله على سلامتك وما ظفرك ! كنتُ يا رسول الله ليالي خرجت موروداً، فلم يفارقني حتى كان بالأمس، فأقبلت إليك، فقال: «أجرك الله».
لقد كان عبد الله مهاجرياً أنصارياً عقبياً ومن جلة الصحابة رضي الله عنهم وكان ممن صلّى إلى القبلتين. وبعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، شهد عبد الله فتوح بلاد الشام، ودخل مصر وخرج إلى إفريقية ، وبذلك نال عبد الله الذي كان يكنى أبا يحيى شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه الصلاة والسلام، وشرف الجهاد في الفتح الإسلامي العظيم.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرين حديثاً وكان من أصحاب الفتيا من الصحابة ، وروى عنه أولاده عطيّة وعمرو وضَمْرة وعبد الله، وروى عنه جابر بن عبد الله وبسر بن سعيد، وهو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وقال: «إني شاسع الدار فمرني بليلة أنزل لها من رمضان»، فقال: أنزل ليلة ثلاث وعشرين ).
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس والذي نفسي بيده لا يحلف أحد ولو على مثل جناح بعوضة إلا كانت وكتة في قلبه إلى يوم القيامة.
ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس في (غزة) مسيرة شهر ليأخذ عنه حديثاً في القصاص.
ولا نعرف سنة مولده وقد توفي بالشام سنة أربع وخمسين الهجرية (٦٧٣م) في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
أما سمات قيادته التي تبدو واضحة للعيان، فهي الشجاعة الخارقة، والإقدام النادر؛ وكنت لا أهاب الرجال، كما قال عن نفسه، ويكفي دلالة على ذلك اندفاعه إلى مشارف مكة وقتل الهذلي بين قومه وأنصاره وحشده دون أن يكون معه أحد من الناس، بل كان وحده، ليس معه غير سيفه .
كما أنه قتل غير الهذلي من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فكان هو الذي يتولى قتل أولئك الأعداء من بين رجال سريته. وإذا كان أفراد السرية من المختارين شجاعة وإقداماً فعبد الله أشجع الرجال المختارين من بين المهاجرين والأنصار والمسلمين كافة في حينه ومن أكثرهم إقداماً ومغامرة ورجولة .
لقد كان عبد الله قائداً بطلاً.
(من كتاب قادة النبي صلى الله عليه وسلم)