“نصرت الله ورسوله با عُمير”.
[ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
نسبه وأيامه الأولى
هو عُمَيْر بن خَرَشة بن أُمية بن عامر بن عبد الله، وهو خَطْمَة، بطن من بطون الأوس، بن جَشَم بن مالك بن الأوس.
وكان قديم الإسلام، صحيح النية، وكان أسبق بني الإسلام، وكان أولهم إسلاماً، ولم يكن في بني خطمة يوم أسلم مسلم غيره، وكان يكسر أصنام بني خطمة، مما يدل على أنه كان مسلماً إيجابياً يصاول عن الإسلام، ولم يكن مسلماً سلبياً يكتفي بأداء العبادات فيخدم نفسه ولا يصنع شيئاً غيرها في خدمة الإسلام.
ولا نعلم سنة مولده ولا تفاصيل أيامه الأولى قبل الإسلام. أما بعد الإسلام، فقد كان عمير يُدعى: القارىء، وقد حفظ طائفة من القرآن، وكان يؤم بني خَطْمَة قومه، وكان أبوه شاعرا.
ولم يشهد عمير بدراً ،لضرارته فقد كان أعمى، وقيل: بل كان بصيراً ولكنه ضعيف البصر.
وأرجح أنه كان بصيراً، ولكنه كان ضعيف البصر، لأنه شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض غزواته، وأدّى بعض الواجبات التي يصعب على الأعمى أداؤها، كما سنذكر إحدى تلك الواجبات وشيكاً.
ويبدوأنه كان يشكو ضعف البصر الشديد لذلك اختلفوا في أمره، فقال قسم منهم: إنه أعمى وقال الآخرون: إنه بصير، ولكنه ضعيف البصر .
سَرِيَّتُه
وكانت سرية عمير إلى عضماء بنت مروان من بني أمية بن زید لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. أي في السنة الثامنة الهجرية.
وكانت عصماء عند يزيد بن زيد بن حصن الخَطْمِي، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتقول الشعر . فقالت تعيب الإسلام وأهله:
بِاسْتِ بني مالك والنَّبِيتِ وعَوْفِ وَبِاسْتِ بني الخَزْرَج
أطَعْتُمْ أَتَاوِي مِنْ غيرِكُمْ فلا من مُرادٍ ولا مَذْحِج
تُرَجُونَه بَعْدَ قَتْلِ الرؤوس كما يُرْتَجِي مَرَقُ المُنْضِ
ألا أَنفُ يَبْتَغِي غِرَّةً فَيَقْطَعَ مِنْ أَمَلِ المُرْتَجِي
فأجابها حسّان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
بنو وائل وبنو واقف وخَطْمَة دونَ بني الخَزْرَج
متى ما دَعَتْ سَفَها وَيْحَهَا بِعَوْلَتِهَا والمنايا تَجِي
فهزَّتْ فَتى ماجداً عِرْقُهُ كَرِيمَ المداخلِ والمَخْرَج
فَضَرْجَها من نَجِيعِ الدَّما بَعْدَ الهُدو فلم يَحْرَج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: “ألا آخِذٌ لي من ابنة مَرْوان؟»، فسمع ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَيْر وهو عنده، فلما أمسى من تلك الليلة سَرَى عليها في بيتها، فقتلها.
وأصبح عمير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! إني قد قتلتها، فقال: «نَصَرْتَ اللهَ ورسولَه يا عُمَيْر!»، فقال: «هل عليَّ شيء من شأنها يا رسول الله؟»، فقال: “لا يَنْتَطِحُ فيها عَنْزان” .
ورجع عمير إلى قومه، وبنو خطمة يومئذ مَوْجُهُم كثير في شأن خَطْمَة، وكان بنت مروان ولها يومئذ بنون خمسة رجال، فلما جاءهم عمير من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا بني خطمة! أنا قتلتُ ابنة مروان، فكيدوني جميعاً ثم لا تُنظرون»، فذلك اليوم أوّل ما عزّ الإسلام في دار بني خطمة – وكان يستخفي بإسلامه فيهم مَنْ أسلم، وأسلم يوم قُتِلت ابنة مروان رجال من خطمة لما رأوه من عزّ الإسلام.
ويبدو أن سكوت أبناء عصماء وإخوتها عن أخذ الثأر من عمير، لأن عميراً كان من أشرافهم، وكان معدوداً من أشرافهم المعدودين حقاً، وأن الإسلام فشا فيهم وأنّهم خافوا المسلمين الذين أصبحوا قوة ضاربة بعد انتصارهم في غزوة بَدْرِ الحاسمة ولا يمكن تعليل سكوتهم عن أخذ ثأرهم إلا بأحد هذه الأسباب، أو بهذه الأسباب مجتمعة .
الشهيد
خاض المسلمون غزوة (أُحد) في شهر شوّال من السنة الثالثة الهجرية، فخسر المسلمون سبعين ،شهيداً، كان بينهم من شهداء الأنصار عمير وفي رواية : أنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقام مقامه ولده عبد الله بن عمير وهذه الرواية على الاحتمال لا على الجزم.
وفي رواية : أنه شهد أحداً وما بعدها، وفي رواية: أنه لم يشهد أحداً ولا الخندق لضرر بصره.
وأرجح أنه شهد أحداً، واستشهد في هذه الغزوة، لأن الثقاة الذين أرخوا له أجمعوا على أنّه شهد أحداً، والذين نصوا على استشهاده في هذه الغزوة من أوثق أولئك الثقاة.
وهكذا ضحى عمير بحياته من أجل عقيدته وكان بمقدوره أن يبقى بعيداً عن الحرب غير ملوم، لأنه كان لا يُبْصِر أو كان ضعيف البصر، وهذا عذر مشروع يسوغ له التخلف عن القتال.
الإنسان والـقـائــد
التفاصيل عن حياة عمير إنساناً قليلة للغاية، ويروى أنه قتل أخته لأنها شتمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قتل عصماء بنت مروان من قومه، وكسر أصنام بني خَطْمَة، وكان يدعى بالقارىء ويؤم قـومـه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الأعمال تدلّ على إيمانه العميق وعقيدته الراسخة .
وقد مرض عُمير، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم وقال لمن حوله من أصحابه:
انطلقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقف نعوده”.
ويروي عنه ابنه عَدِي بن عُمَيْر.
ويمكن اعتباره من المغاوير أو الفدائيين المتطوعين، أكثر من اعتباره قائداً له سمات القائد الخاصة، وكان إقدامه على قتل عصماء متطوعاً دليلاً على أنه من أولئك المغاوير الفدائيين يتّسم بالشجاعة والإقدام والجرأة وحب المغامرة من أجل إعلاء كلمة الله .
لقد كان عمير مجاهداً من الطراز الأول، وقد أعزّ الإسلام بشجاعته وإقدامه وجرأته، وقد جاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعمى أو ضعيف البصر. وبذلك نال عمير شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسّلام، وختم حياته بالشهادة.
عُمَيْر في التاريخ
يذكر التاريخ لعمير، أنّه كان أوّل مَنْ أسلم من قومه، وأنه أعزّ الإسلام بقتله عصماء إحدى أعداء الإسلام والمسلمين .
ويذكر له أنه كان موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم وموضع حبه وتقديره . ويذكر له أنه كان من قراء المسلمين الأولين، وأنه من المغاوير الفدائيين المتطوعين لخدمة الإسلام إيجابياً.
ويذكر له أنه ضحى بروحه من أجل ،عقيدته، فنال شرف الشهادة تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم.
رضي الله عن الصحابي الجليل القارىء المحدث، البطل الشهيد عمير بن عَدِي الخَطْمِي الأوسي الأنصاري.
(من كتاب قادة النبي صلى الله عليه وسلم)