فائدة في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب موسى وعيسى عليهما السلام
أخرج أحمدُ في “مسنده” (3600) قال: حدثنا أبو بكر، حدثنا عاصم، عن زِرِّ بن حُبيش، عن عبدالله بن مسعود، قال: “إن الله نَظَرَ في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدٍ، فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراءَ نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسنٌ، وما رأوا سيئًا، فهو عند الله سيئ”.
أصحاب موسى عليه السلام
يقول الله عز وجل في مُحكَم التنزيل على لسان أصحاب موسى عليه السلام: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].
وتأمَّل الفارق بين هذا الحال وحال أصحاب نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ورَضِيَ الله عن صحابته أجمعين.
أخرج البخاري في “صحيحه” (3952) قال: حدثنا أبو نعيم: حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعود يقول: ((شهِدتُ من المقداد بن الأسود مشهدًا، لَأنْ أكونَ صاحبَه أحبُّ إليَّ مما عُدِل به، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، ولكنَّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرَقَ وجهه وسرَّه))؛ يعني: قوله.
أصحاب عيسى عليه السلام
قال الله عز وجل في محكم التنزيل على لسان أصحاب عيسى عليه السلام: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 112، 113].
وتأمَّل هذا الطلب وصيغته وقارنه بالتصديق واليقين التام الذي كان عليه كبارُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
أخرج البخاري في “صحيحه” (3690) قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن قالا: سمِعنا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما راعٍ في غنمه عَدَا الذئب فأخذ منها شاةً، فطلبها حتى استنقذها، فالتفت إليه الذئب، فقال له: من لها يوم السَّبُع، ليس لها راعٍ غيري؟ فقال الناس: سبحان الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أُومِنُ به وأبو بكر وعمر، وما ثَمَّ أبو بكر وعمر)).
وكذلك فإن أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يتركونه، ويموتون دونه.
فعند النصارى في أناجيلهم، عندما أتى اليهود ليقبضوا على عيسى ليقتلوه؛ نجد في (إنجيل مرقس 14: 50): “فتركه الجميع وهربوا”؛ [مر 14: 50]، وفي (إنجيل متى 26: 56): “وأما هذا كله، فقد كان لكي تكمل كتب الأنبياء، حينئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا”؛ [مت 26: 56]، وعلى زعمهم تمَّت قصة الصلب والقتل بعد أن تركه أصحابه.
بل تأمَّل هذا النص الذي أنقله كما هو من كتبهم؛ في (إنجيل مرقس 14: 51-52): “عندئذٍ تركه الجميع وهربوا، وتبِعه شابٌّ لا يلبَس غير إزار على عريه، فأمسكوه، فترك الإزار وهرب منهم عريانًا”؛ [مر 14: 51-52].
وتأمل الفارق والفضل الكبير العظيم الذي منَّ الله عز وجل به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن اختار له أصحابه، وعلى أصحابه بأن هداهم ووفَّقهم وثبَّتهم، وعلينا بأن جَعَلَهم سلفًا لنا، نسأل الله أن يجمعنا بهم تحت لواء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أخرج البخاري في “صحيحه” (3811) قال: حدثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث: حدثنا عبدالعزيز، عن أنس رضي الله عنه قال: ((لما كان يوم أُحُدٍ انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مُجوِّب به عليه بحَجَفَةٍ له، وكان أبو طلحة رجلًا راميًا شديد القدِّ، يكسِر يومئذٍ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يمر معه الجَعْبَةُ من النَّبل، فيقول: انشرها لأبي طلحة، فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تُشرِف يصيبك سهمٌ من سهام القوم، نحري دون نحرك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُلَيمٍ، وإنهما لَمُشمِّرتان، أرى خَدَمَ سُوقِهما، تَنْقُزان القِرَبَ على متونهما، تُفرِغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة، إما مرتين وإما ثلاثًا)).
وكذلك في يوم حُنينٍ؛ أخرج مسلم في “صحيحه” (1775) قال: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس بن عبدالمطلب قال: قال عباس: “شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنينٍ، فلزِمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نُفَاثةَ الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفِق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبلَ الكفار، قال عباس: وأنا آخذٌ بلِجامِ بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكُفُّها إرادة ألَّا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عباس، نادِ أصحاب السَّمُرة، فقال عباس وكان رجلًا صيِّتًا: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمُرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفارَ، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا حين حَمِيَ الوطيس، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَصَيَاتٍ فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد، قال: فذهبتُ أنظُرُ، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زِلْتُ أرى حدَّهم كليلًا، وأمرهم مدبرًا”
اللهم ارضَ عن المهاجرين والأنصار وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع