سيِّد المتواضعين صلى الله عليه وسلم

“كان صلى الله عليه وسلم سيِّدَ المتواضعين ، يعلِفُ بعيره ، ويقُمُّ بيته ، ويخصِف نعله، ويرقِّع ثوبه ، ويحلب شاته ، ويطحَنُ مَعَ خَادِمِهِ ، ويَأْكُلُ معَهُ ، ويحملُ بضاعتهُ مِنَ السوق بيده ، ويصافح الفقير ، ويترك له يده حتى يكون هو الذي يُلقيها ، ولا يحتقر ما دُعِيَ إِلَيهِ ، وَلَو إِلَى حَشَفِ التمر.
وحاله معروف معَ أَهْلِ الصُّفَةِ ، وآخر ما نزل عليه في شأنهم قوله تعالى : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف : ۲۸] ، فكان بعد ذلك لا يقوم عنهم حتَّى يكونوا هُمُ الْبَادِئِينَ بالقيام ، غير أنَّهم لم يكونوا بُلَداء ، ولا ثقلاء كأَهلِ زماننا ، ولكنهم كما قال ابن أبي ربيعة [في ( ديوانه ، ١٦٣] :

فَلَمَّا اقْتَصَرْنَا دُونَهُنَّ حَدِيثَنَا
وَهُنَّ خَبِيرَاتٌ بِحَاجَاتِ ذِي التَّبْلِ

عَرَفْنَ الَّذِي نَهْوَى فَقُلْنَ: ائْذَنِي لَنَا
نَطُفْ سَاعَةً بَيْنَ الْبَسَاتِينِ وَالنَّخْلِ

فكانوا إِذا عَرَفوا أَنَّهُ يريدُ القيام.. انصرفوا عنه”.

(العُود الهندي)

«..وكان ﷺ يتصف بمكارم الأخلاق، والآيات التي فيها الحث على كل خلق جميل، فكان أول الخَلْقِ امتثالا لها، وسبقا إليها، وإلى تكميلها، فكان له منها أكملها وأجلها وأعلاها، وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا.

فكان سهلا لينا قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه ولا يرده خائبا، وإذا أراد أصحابه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن في ذلك محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم،

وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ له في كلامه، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إليه غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال، صلى الله عليه وسلم».

(السعدي)

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة