شَّهامة عمر رَضِيَ اللهُ عنه
عن أسلَمَ مولى عُمَرَ قال: (خرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه إلى السُّوقِ، فلَحِقَت عمَرَ امرأةٌ شابَّةٌ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، هلك زوجي وترَك صِبيةً صِغارًا، واللهِ ما يُنضِجون كُراعًا ، ولا لهم زَرعٌ ولا ضرعٌ، وخَشِيتُ أن تأكُلَهم الضَّبُعُ، وأنا بنتُ خُفافِ بنِ إيماءَ الغِفاريِّ، وقد شَهِد أبي الحُدَيبيةَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فوقف معها عُمَرُ ولم يَمضِ، ثمَّ قال: مرحبًا بنَسَبٍ قريبٍ، ثمَّ انصرف إلى بعيرٍ ظهيرٍ كان مربوطًا في الدَّارِ، فحمل عليه غِرارتينِ ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقةً وثيابًا، ثَّم ناولها بخِطامِه، ثمَّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيَكم اللهُ بخيرٍ، فقال رجلٌ: يا أميرَ المؤمنين، أكثَرْتَ لها! قال عُمَرُ: ثَكِلَتْك أمُّك! واللهِ إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حِصنًا زمانًا فافتَتَحاه، ثمَّ أصبَحْنا نستفيءُ سُهْمانَهما فيه)
الكُراعُ من الإنسانِ: ما دونَ الرُّكبةِ، ومن الدوابِّ ما دون الكَعبِ. والمعنى: أنهم لا يحسِنون لصِغَرِهم طبخَ هذا القَدْرِ، ولا يَقدِرون على إصلاحِ ما يأكُلونه.
الغِرارةُ: كِساءٌ يُجعَلُ كالظَّرفِ لِما يُحمَلُ فيها، وتتَّخَذُ للتِّبنِ وغيرِه.
رواه البخاري (4160، 4161).
شهامة عُثمانَ بنِ طلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه
تقولُ أمُّ سَلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (… وانطلق زوجي أبو سَلَمةَ إلى المدينةِ، قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبينَ ابني. قالت: فكنتُ أخرُجُ كُلَّ غداةٍ فأجلِسُ بالأبطَحِ ، فما أزالُ أبكي حتى أُمسيَ، سنةً أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجلٌ من بني عمِّي أحدُ بني المغيرةِ، فرأى ما بي فرَحِمني، فقال لبني المُغيرةِ: ألا تُخرِجون هذه المسكينةَ، فرَّقتُم بينها وبين زوجِها وبين ولَدِها، قالت: فقالوا: الحَقي بزوجِك إن شئتِ. قالت: وردَّ بنو عبدِ الأسَدِ إليَّ عندَ ذلك ابني، قالت: فارتحَلْتُ بعيري ثم أخذتُ ابني فوضَعْتُه في حِجْري ثمَّ خرجتُ أريدُ زوجي بالمدينةِ، قالت: وما معي أحدٌ من خَلقِ اللهِ، قالت: قلتُ: أتبلَّغُ بمن لَقِيتُ حتى أقدَمَ على زوجي، حتى إذا كنتُ بالتَّنعيمِ لقيتُ عثمانَ بنَ طلحةَ بنِ أبي طلحةَ أخا بني عبدِ الدَّارِ، فقال: أين يا بنتَ أبي أميَّةَ؟ قالت: أريدُ زوجي بالمدينةِ، قال: أو ما معك أحدٌ؟ قلتُ: لا واللهِ إلَّا اللهُ وابني هذا، قال: واللهِ ما لك من مَترَكٍ، فأخذ بخِطامِ البعيرِ فانطلَقَ معي يهوي به، فواللهِ ما صَحِبتُ رجلًا من العَرَبِ قطُّ أرى أنَّه كان أكرَمَ منه؛ كان إذا بلغ المنزِلَ أناخ بي ثمَّ استأخر عنِّي، حتى إذا نزَلْنا استأخَرَ ببعيري فحَطَّ عنه، ثمَّ قيَّده في الشَّجَرةِ، ثمَّ تنحَّى إلى شجرةٍ فاضطجَعَ تحتَها، فإذا دنا الرَّواحُ قام إلى بعيري فقَدَّمه فرحَلَه ، ثمَّ استأخر عني، فقال: اركبي، فإذا ركِبتُ فاستويتُ على بعيري أتى فأخَذَ بخطامِه فقاد بي حتى ينزِلَ بي، فلم يَزَلْ يصنَعُ ذلك بي حتى أقدَمَني المدينةَ، فلمَّا نظر إلى قريةِ بني عَمرِو بنِ عَوفٍ بقُباءَ، قال: زوجُكِ في هذه القريةِ -وكان أبو سلمةَ بها نازِلًا- فادخُليها على بركةِ اللهِ، ثمَّ انصرف راجِعًا إلى مكَّةَ، قال: وكانت تقولُ: ما أعلَمُ أهلَ بيتٍ في الإسلامِ أصابهم ما أصاب أبو سَلَمةَ، وما رأيتُ صاحِبًا قَطُّ كان أكرَمَ من عثمانَ بنِ طلحةَ!) .
الأبطَحُ: يعني أبطَحَ مكَّةَ، وهو مَسيلُ واديها، ويُجمَعُ على البِطاحِ والأباطحِ. ومنه قيل: قُرَيشُ البِطاحِ، هم الذين ينزِلون أباطِحَ مكَّةَ وبَطْحاءَها.
خِطامُ البعيرِ: أن يؤخَذَ حَبلٌ من ليفٍ أو شعرٍ أو كتَّانٍ، فيُجعَلَ في أحَدِ طَرَفيه حَلْقةٌ، ثمَّ يُشَدَّ فيه الطَّرَفُ الآخَرُ حتى يصيرَ كالحَلْقةِ، ثم يقادَ البعيرُ، ثمَّ يُثنى على مخطَمِه.
رَحَل البعيرَ يَرحَلُه رَحلًا، فهو مرحولٌ ورحيلٌ، وارتحله: جعَل عليه الرَّحْلَ، ورَحَله رِحلةً: شدَّ عليه أداتَه.
((السيرة)) لابن هشام (1/468).
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (خَرَجتُ مَعَ جَريرِ بنِ عَبدِ اللهِ البَجَليِّ في سَفرٍ، فكان يخدُمُني، فقُلتُ له: لا تَفعلْ! فقال: إنِّي قد رَأيتُ الأنصارَ تَصنَعُ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَيئًا، آليتُ ألَّا أصحَبَ أحَدًا منهم إلَّا خَدمتُه!). وكان جَريرٌ أكبَرَ من أنَسٍ.
رواه البخاري (2888)، ومسلم (2513) واللفظ له.