قال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، عن أبيه ، عن جده ، أن عائشة قالت : حضرت أبي وهو يموت فأخذته غشية فتمثلت:
من لا يزال دمعه مقنعا
فإنه لا بد مرة مدفوق
فرفع رأسه وقال: يا بنية ليس كذلك ، ولكن كما قال الله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ( ق )وقال موسى الجهني عن أبي بكر بن حفص بن عمر أن عائشة تمثلت لما احتضر أبو بكر :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال: ليس كذلك، ولكن: (وجاءت سكرة الموت بالحق، إني قد نحلتك حائطا وإن في نفسي منه شيئا فرديه على الميراث، قالت : نعم ، قال : أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا ، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر ، ففعلت .
وقال القاسم، عن عائشة أن أبا بكر حين حضره الموت قال : إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللقحة وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا ، فإذا مت فادفعيه إلى عمر ، فلما دفعته إلى عمر قال : رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده .
وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ، فإن لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن.
وعن القاسم قال: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله فحفر له ، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال : رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر عند حقوي أبي بكر .
وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح .
وعن مجاهد قال : كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه ، فقال : قد رددت ذلك على ولده ، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياما .
وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنت عميس وحبيبة بنت خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم.
ويقال: إن اليهود سمته في أرزة فمات بعد سنة ، وله ثلاث وستون سنة ، رضي الله عنه وأرضاه .
سير أعلام النبلاء | ترجمة أبي بكر الصديق