فتيات الصحابةرضوان اللّه عليهن

فيما يلي مقدمة لكتاب فتيات الصحابة، تحمل خلاصات مهمة:

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد : فللنموذج والقدوة أثر بالغ في النفوس؛ إذ هو الشاهد على أهل المعاني النظرية للتطبيق، وليس أدل على ذلك من عناية القرآن الكريم بالنموذج والقصة، فيتكرر الحديث كثيراً في القرآن عن قصص الأنبياء والصالحين، بل الله مثلاً للمؤمنين {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْنَا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَتَفَحْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١١ -١٢] والسيرة والتاريخ الإسلامي بحاجة اليوم إلى إعادة قراءة، وإلى أن يعرض ويبرز أمام الجيل بلغة أخرى ومنهج آخر، وذلك لا يعني طي صفحات ما سطره سلف الأمة وإنما إعادة عرض بعض الصفحات وترتيبها بما يتلاءم مع احتياجات الناس في هذا العصر. إن دراسة موقع الطفل والشاب والمرأة في التاريخ الإسلامي – بدءاً بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم – وجمع المتفرق منها وتحليله، يجيب عن تساؤلات وإشكالات يعاني منها المربون اليوم، ويرسم نموذجاً وقدوة صالحة أمام الجيل. الجيل المسلم اليوم أحوج ما يكون إلى القدوة الصالحة، في هذا العصر الذي فقدت أمة الإسلام فيه هويتها، ودخل معظم شباب المسلمين وفتياتهم سباقاً محموماً على الشهوات والملذات، وأصبحت قدواتهم ومثلهم محصورة في جيل الفن الساقط والغناء الماجن، أو في جيل الرياضة واللهو العابث.

وقد أدرك الأعداء خطورة موقع المرأة فتشدقوا بتبني قضيتها، وارتفعت الصيحات هنا وهناك مطالبة بتحريرها، مدعية أن التبرج والسفور والخروج للعمل والاحتكاك بالرجال، بل السير وراء طرق الفاحشة والرذيلة، أن ذلك كله حق مسلوب للمرأة تفتقده اليوم. وعمت أصوات دعوات التغريب مشرق العالم الإسلامي اليوم ومغربه وها هي الصحف والمجلات، وها هي برامج الإعلام الساقط تملأ الآفاق وكلها تضرب على هذا الوتر وتقرع طبول الحرب على الدين والفضيلة والعفاف فحري اليوم بمن يملك في قلبه غيرة على دين المسلمين وتاريخهم أن يسعى لإبراز الصفحات اللامعة المشرقة من تاريخ الصدر الأول أمام شبابنا وفتياتنا. ولئن كان الشباب بحاجة ماسة لإبراز هذا النموذج، فالفتيات أشد حاجة، وقضيتهن أعظم إلحاحاً. ومن هنا تجيء هذه المحاولة لجمع شتات طائفة من أخبار فتيات الرعيل الأول متممة ومكملة لأختها “شباب الصحابة”، وتأتي ضمن سلسلة رسائل للشباب تأكيداً على ما يراه الكاتب من أن ما صدر من هذه السلسلة ليس خاصاً بالشباب وحدهم؛ إذ الخطاب في الشرع يجيء للمؤمنين، والمؤمنات يدخلن فيه تبعاً، وهو يرى أنه كما أن الفتيات بحاجة للاستنارة والاستفادة من سير شباب الرعيل الأول، فالشباب كذلك بحاجة لدراسة سير من اصطفاهن اللهومن عليهن بفضيلة الصحبة. إن من يتأمل سير المؤمنات من الرعيل الأول يرى فيهن مثلاً عالياً وقدوة صالحة في الإيمان والعبادة والصلة بالله تبارك وتعالى، وفي البذل للدين والتضحية والصبر والثبات، وفي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، وفي طلب العلم الشرعي وتحصيله، وفي الخلق الحسن والسمت الصالح، إنها مثل وقدوات تبقى أمام الجيل على مدى الزمان والمكان، أمام المؤمنين والمؤمنات، أمام الرجال والنساء على حد سواء.

فاستعنت بالله تبارك وتعالى في جمع ما تيسر من أخبار فتيات الصحابة وسيرهن، وقد سلكت في هذا الكتاب ما سلكته في الكتاب السابق “شباب الصحابة”، غير أني مددت العمر إلى الثلاثين لأن ما روي من أخبار النساء لا يقارن بما روى من أخبار الرجال، فكانت سير الشباب تضيق عن إيراد من فوق الخامسة والعشرين بخلاف سير الفتيات وسعيت قدر الإمكان إلى ربط القصص والنماذج بالواقع المعاصر وهموم الفتاة المسلمة، وإيراد بعض الشواهد خاصة من أخبار النساء وسيرهن. اسأل الله أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن يبارك في هذا الجهد وينفع به، وأن يرزقنا محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويحشرنا معهم؛ إنه سميع مجيب.

بقلم الشيخ محمد بن عبد الله الدويش.

مدخل

ثمة مفاهيم واقتناعات حول قضية المرأة تكونت وترسخت بفعل عوامل ومؤثرات عدة، وتحولت إلى بدهيات جعلت كثيراً من الناس ينطلق منها مباشرة ويغفل عن أصلها ومنشئها ومدى سلامتها واتفاقها مع المنهج الشرعي. ومنها أن للمرأة خصوصية فطرية، ترتب عليها بعض الخصوصية في الأحكام الشرعية مما تتميز به عن الرجال، وهذه الخصوصية إنما هي في أحوال استثنائية، إذ الأصل العموم، فخطاب الشرع يأتي عاماً يخاطب به الإنس والجن الرجل والمرأة، الكبير والصغير. لكن بعضهم يعكس المسألة فيجعل الخصوصية هي الأصل، وتبدو مظاهر هذا الفهم في مطالب كثيرة بتوجيه حديث خاص للمرأة كل قضية تطرح. ومن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى التوازن في التعامل مع هذه القضية فهو لا يهمل المرأة بل يوجه لها الخطاب الخاص فيما يخصها، ثم تبقي القاعدة بعد ذلك عموم الخطاب، فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من توجيه وأمر ونهي ووعظ إنما يخاطب بهالجميع دون استثناء، وإن كان قد استمعه الرجال، أو ورد بلغة التذكير. إن هذه النظرة علاوة على خطأ منطلقهاK تورث عبئاً لا رصيد له يتضمن مزيداً من المطالبة بعطاء وخطاب خاص يوجه إلى ما لا يدخل ضمن دائرة خصوصيتها ، وهي أيضاً تحرم المرأة من كثير مما يطرح في الساحة؛ نظراً لأنها تنتظر الخطاب الخاص في كل قضية. ويتمثل الشاهد لهذه الحقيقة في تراث الأمة فقد عرف تراثنا التعامل مع خصوصيات المرأة. فكانت لها بعض الأحكام الفقهية التي قررها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ودونها علماء المسلمين وجلوها في مؤلفاتهم، كأحكام الطهارة والنكاح والميراث ونحو ذلك، كذلك أحكام الآداب الشرعية مثل اللباس وضوابط العلاقات الاجتماعية التي تكون فيها طرفاً مع آخرين، رجالاً ونساءً وأطفالاً وخدماً ونحو ذلك، وما وراء ذلك من خصوصيات فإن الخطاب الإسلامي كان خطاباً للإنسان بكامله، دون تفرقة بين أجناس أو طبقات أو نساء ورجال.

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة