أقام عَمرٌو على أجنادينَ لا يَقدِرُ من الأرطبونِ على سَقطةٍ، ولا تشفيه الرُّسُلُ، فوَلِيَه بنفسِه، فدخل عليه كأنَّه رسولٌ، فأبلغه ما يريدُ وسمع كلامَه، وتأمَّل حصونَه حتى عرف ما أراد، وقال الأرطبونُ في نفسِه: واللهِ إنَّ هذا لعَمرٌو، أو إنَّه الذي يأخُذُ عمرٌو برأيِه، وما كنتُ لأصيبَ القومَ بأمرٍ هو أعظَمُ مِن قَتلِه! فدعا حَرَسيًّا فسارَّه فأمَرَه بقتلِه. فقال: اذهَبْ فقُمْ في مكانِ كذا وكذا، فإذا مرَّ بك فاقتُلْه. ففَطِن عمرُو بنُ العاصِ، فقال للأرطبونِ: أيُّها الأميرُ، إني قد سَمِعتُ كلامَك وسمِعتَ كلامي، وإنِّي واحدٌ من عَشَرةٍ بعَثَنا عُمَرُ بنُ الخطَّابِ لنكونَ مع هذا الوالي؛ لنشهَدَ أمورَه، وقد أحبَبتُ أن آتيَك بهم ليسمعوا كلامَك، ويَرَوا ما رأيتُ. فقال الأرطبونُ: نعم، فاذهَبْ فائتِني بهم. ودعا رجلًا فسارَّه فقال: اذهَبْ إلى فلانٍ فرُدَّه. وقام عمرٌو فذهب إلى جيشِه، ثمَّ تحقَّق الأرطبونُ أنَّه عَمرُو بنُ العاصِ. فقال: خدعني الرَّجُلُ، هذا واللهِ أدهى العَرَبِ!
((تاريخ الأمم والملوك)) للطبري (13/ 247)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (9/ 653).