الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه والإعراض عن الجاهلين

قال عِصامُ بنُ المُصطَلِقِ: (دخَلْتُ المدينةَ فرأيتُ الحَسَنَ بنَ عَليٍّ، فأعجبَني سَمتُه وحُسنُ رُوائِه، فأثار مني الحَسَدَ ما كان يَجُنُّه صدري لأبيه من البُغضِ، فقلتُ: أنت ابنُ أبي طالِبٍ! قال: نعم. فبالَغْتُ في شَتمِه وشَتمِ أبيه، فنَظَر إليَّ نظرةَ عاطِفٍ رَؤوفٍ، ثمَّ قال: أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] ، فقرأ إلى قولِه: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201] ، ثمَّ قال لي: خَفِّضْ عليك، أستغفِرُ اللهَ لي ولك، إنَّك لو استعَنْتَنا أعنَّاك، ولو استَرْفَدْتَنا أرفَدْناك، ولو استَرْشَدْتَنا أرشَدْناك، فتوسَّمَ فيَّ النَّدَمَ على ما فَرَط مني فقال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] أمِن أهلِ الشَّامِ أنت؟ قُلتُ: نعم. فقال: شِنْشِنةٌ أعرِفُها مِن أخزَمِ ! حيَّاك اللهُ وبَيَّاك، وعافاك، وآدَاك ، انبَسِطْ إلينا في حوائِجِك وما يَعرِضُ لك، تجِدْنا عندَ أفضَلِ ظَنِّك إن شاء اللهُ.
قال عِصامٌ: فضاقَت عَلَيَّ الأرضُ بما رَحُبَت، ووَدِدْتُ أنَّها ساخت بي (أي: انخَسَفَتْ.)! ثمَّ تسَلَّلْتُ منه لِواذًا وما على وَجهِ الأرضِ أحَبُّ إليَّ منه ومن أبيه!) .

أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (43/224).

رَفَده: أعطاه وأعانه، والرِّفْدُ -بكَسرِ الرَّاءِ- العطاءُ والصِّلةُ،

أخزَمُ هذا رجُلٌ كان عاقًّا لأبيه ونشأ أولادُه منشأَه فآذَوا جَدَّهم، فقال: إنَّ بَنَيَّ ضَرَّجُوني بالدَّمِ شِنْشِنةٌ أعرِفُها مِن أخْزَمِ. أي: طَبيعةٌ عَرَفْتُها مِن أخزَم ظهَرَت في بنيه.

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة