عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا قرابة تسع وثلاثين رجلاً ألحّ أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور وعدم الاختفاء، فقال صلى الله عليه وسلم : ((يا أبا بكر إنا قليل))، فلم يزل أبو بكر يلحّ حتى وافقه صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله والمسلمون تفرقوا في نواحي المسجد، وقام أبو بكر خطيبًا في الناس، فكان أول خطيب دعا إلى الله ورسوله، فثار عليه المشركون، وثاروا على المسلمين معه، فضربوا أبا بكر ضربًا شديدًا، حتى أن عتبة دنا منه وجعل يضرب وجهه بنعلين مخصوفتين، ثم نزوا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه رضي الله عنه، حتى جاء بنو تيم قوم أبي بكر وأجلوا عنه المشركين،
ويحمل رضي الله عنه مغمى عليه إلى بيت أهله وقد سالت دماؤه، واشتكت أعضاؤه، ولم يفق من غشيته إلا آخر النهار، وأمه عند رأسه تبكي بيدها الطعام والماء، وتفتح عينا أبي بكر وهو يرى أمه وجراحه وآلامه، فأول ما قال: أماه ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فتغضب أمّه: والله ما أوقعك فيما أنت فيه إلا صاحبك، ما لي علم به،
فيقول: أماه، اسألي لي عن خبره،
فأرسلت إلى أم جميل فاطمة بنت الخطاب، فقدمت وبشرته بأنه سالم بحمد الله،
فأقبلت عندها أمه بطعامها وشرابها عله يشرب أو يأكل،
فقال: يا أماه، لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراه.
أيُّ حبٍ هذا؟! فلتر الأمة كلَّها كيف الإيمان العظيم والحب الكبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحمل أبو بكر رجلاه تخطّ في الأرض إلى أن يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فما أن يراه رسول الله ويرى جراحه ودماءه إلا وينكبُّ عليه ويقبله، فينكب عليه المسلمون يقبلونه.
نُلام على محبتكم ويكفــي *** لنا شرفًا نلامُ وما علينا
إذا اشتبهت دموعٌ في خـدودٍ *** تبين من بكى ممن تباكى
فماذا يقول عندها أبو بكر لحبيبه وصفيه صلى الله عليه وسلم ؟
يقول له: بأبي أنت وأمي، ليس بي من بأس إلا ما ناله الفاسق من وجهي يا رسول الله،
ثم قال: يا رسول الله، هذه أمي برّة بولدها وأنت مبارك فادع الله لها وادعها إلى الله أن يستنقذها من النار،
فدعا لها ودعاها، فما أن رأت ذلك الحب وذاك المشهد إلا أن قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمدٌ رسول الله.
همه الدعوة، همه هداية الناس، يريدُ برها، وأعظم البر أن يدعوها لدين الله، إ
نه أبو بكر لطالما اقترب المشركون من رسول الله يريدون أذيته فما يقف أمامهم إلا أبو بكر يدافع ويناضل عنه، إنها الشجاعة والبطولة،
يعترف بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ قال يومًا: أخبروني بأشجع الناس، قالوا: أنت، قال: أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكنه أبو بكر رضي الله عنه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش تشده وتجره،
يقول علي: والله، ما دنا منا أحد إلا أبا بكر يجاهدهم ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله،
ثم رفع علي رضي الله عنه بردة كانت عليه وبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر؟
فسكت القوم، فقال علي: والله، لساعة من أبي بكر خير منه، ذلك رجل يكتم إيمانه وهذا يعلن إيمانه.
رواه البزار وأصل القصة في البخاري.