ذاك هو الصدّيق!

في يوم كان أعسر أيام المسلمين، كادت فيه قاعدة الإسلام أن تموج، لكن رجل المواقف الصديق رضي الله عنه كان لها، ذاك يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهاج الناس وماجوا وتضاربت الأقوال، وأغلق باب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يفتح حتى يأتي أبو بكر، ويأتي والناس ينتظرون، ويتيقن الخبر، ثم يخرج والعبرة تخالج حلقه، والدمعة بعدما رقأت من عينه، لكن يخرج ليقول كلمات الحق وإن كانت مُرّة، وإن كانت في أحب الناس إليه، لأن دين الله ورضاه فوق كل الناس، ويصدع الصديق صدعا أفاق الصحابة إفاقة موجبة للفتوحات: (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وأعز الله الدين ونصره وثبته بأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

ولو لم يكن الصديق ثابتا في مواقفه لربما لم نعرف الإسلام قط كما جاء! فاللهم اجز عن أمة الإسلام الصديق خير ما تجزي به عبادك.

عن عمر ذُكرَ عندَهُ أبو بَكرٍ فبَكى ، وقالَ : وددتُ أنَّ عمَلي كلَّهُ مثلُ عملِهِ يومًا واحدًا من أيَّامِهِ وليلةً واحدةً مِن لياليهِ أم ليلتُهُ فليلةٌ سارَ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ إلى الغار فلمَّا انتهَيا إليْهِ قالَ : واللَّهِ لا تدخلُهُ حتَّى أدخلَ قبلَكَ فإن كانَ فيهِ شيءٌ أصابَني دونَكَ فدخلَ فَكسحَهُ ووجدَ في جانبِهِ ثقبًا فشقَّ إزاره وسدَّها بِهِ وبقي منْها اثنان فألقَمهُما رجليْهِ ثمَّ قالَ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ادخُل فدخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ووضعَ رأسه في حِجرِهِ ونامَ فلُدِغَ أبو بَكرٍ في رجلِهِ منَ الجحر ولم يتحرَّك مخافةَ أن ينتبِهَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فسقَطت دموعُهُ على وجْهُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ : مالك يا أبا بَكرٍ؟ قالَ : لُدِغتُ فداكَ أبي وأمِّي فتفلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فذَهبَ ما يجدُهُ ثمَّ انتقضَ عليْهِ وَكانَ سببَ موتِهِ وأمَّا يومُهُ فلمَّا قُبضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ارتدَّتِ العربُ وقالوا : لا نؤدِّي زَكاةً . فقالَ : لو مَنعوني عقالًا لجاهدتُهم عليْهِ . فقلتُ : يا خَليفةُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ تألَّفِ النَّاسَ وارفُق بِهم . فقالَ لي : أجبَّارٌ في الجاهليَّةِ وخوَّارٌ في الإسلام؟ إنَّهُ قدِ انقطعَ الوحيُ وتمَّ الدِّينُ أينقصُ وأنا حيٌّ ؟ (هداية الرواة)

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله: ‹ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة›. رواه مسلم

قال النبي – صلى الله عليه وسلم – :” إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته”. ( البخاري 3454) .

قال أبو رجاء العطاردي رضي الله عنه: دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين ورأيت رجلًا يقبل رأس رجل وهو يقول:

“أنا فداؤك، ولولا أنت لهلكنا!”.

فقلت: من المقبِّل؟ ومن المقَبَّل؟

قال: “ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين”.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

«لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أنَّ الله من علينا بأبي بكر»،

في عزمه على قتال المرتدين وانتصاره عليهم انتصارا مبينا.

وخلد التاريخ مقولته الأبية:”والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها”.

عناقًا: المراد به هو الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة.

رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو لم يكونوا من أصحاب العزائم، لما وصلنا الإسلام!

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة