الْفَقَتْ كَلِمَةُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَمُؤرِّخِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَعْلَمُ نَسَاءِ الْأَرْضِ، وَهُوَ قولُ أَكِيدُ، وَوَصَفُ صَادِقٌ رَشِيدُ، يُصَدِّقُهُ الْوَاقِعُ، وَيَشْهَدُ لَهُ التاريخ، وَالْبَيِّنَةُ قَائِمَةٌ بِهِ فِي دَواوِينِ السُّنَّةِ وَأَسْفَارِ الْعِلْمِ وَسَجِلَّاتِ الْأَدَبِ، وَإِنَّ قُرَابَةَ رُبْعِ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ جَاءَتْ عَنْ طَرِيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَقَدْ تَرَبَّعَت رضي الله عنها عَلَى عَرْشِ الْعِلْمِ وَالْقَتَوى وَالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ مُنْذُ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه إِلَى حِينَ وَفَاتِهَا؛ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ قَدِ اسْتَقَلَّتْ بِالْقَتَوَى فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى أن مَاتَتْ يَرْحَمُهَا اللهُ وَكُنتُ مُلَازِمًا لَهَا مَعَ بِرْهَا بِي. وَكَثُرَت أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ وَالثَّبَلَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي وَصْفِ عِلْمِهَا وَفِقْهِهَا رضي الله عنها وَمِن ذَلِكَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهُ، لَا أَعْجَبُ مِنْ فَهْمِكِ، أَقُولُ: زَوْجَهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهِ عليه وسلم وَبِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بالشعرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ أَقُولُ: ابْنَةُ أَبي بَكْرٍ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ : مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ، كَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَقَالَتْ: أَي عُرَيَّةُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ اللهِ كَانَ يَسْقَمُ عِندَ آخِرِ عُمَرِهِ – أَوْ : فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجَهِ، فَتَنْعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ.
الْفَقَتْ كَلِمَةُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَمُؤرِّخِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَعْلَمُ نَسَاءِ الْأَرْضِ، وَهُوَ قولُ أَكِيدُ، وَوَصَفُ صَادِقٌ رَشِيدُ، يُصَدِّقُهُ الْوَاقِعُ، وَيَشْهَدُ لَهُ التاريخ، وَالْبَيِّنَةُ قَائِمَةٌ بِهِ فِي دَواوِينِ السُّنَّةِ وَأَسْفَارِ الْعِلْمِ وَسَجِلَّاتِ الْأَدَبِ، وَإِنَّ قُرَابَةَ رُبْعِ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ جَاءَتْ عَنْ طَرِيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَقَدْ تَرَبَّعَت رضي الله عنها عَلَى عَرْشِ الْعِلْمِ وَالْقَتَوى وَالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ مُنْذُ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه إِلَى حِينَ وَفَاتِهَا؛ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ قَدِ اسْتَقَلَّتْ بِالْقَتَوَى فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى أن مَاتَتْ يَرْحَمُهَا اللهُ وَكُنتُ مُلَازِمًا لَهَا مَعَ بِرْهَا بِي. وَكَثُرَت أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ وَالثَّبَلَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي وَصْفِ عِلْمِهَا وَفِقْهِهَا رضي الله عنها وَمِن ذَلِكَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهُ، لَا أَعْجَبُ مِنْ فَهْمِكِ، أَقُولُ: زَوْجَهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهِ عليه وسلم وَبِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بالشعرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ أَقُولُ: ابْنَةُ أَبي بَكْرٍ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ : مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ، كَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَقَالَتْ: أَي عُرَيَّةُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ اللهِ كَانَ يَسْقَمُ عِندَ آخِرِ عُمَرِهِ – أَوْ : فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجَهِ، فَتَنْعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَا جَالَسْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِقَضَاءِ، وَلَا بِحَدِيثِ جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا أَرْوَى لِشِعْرٍ، وَلَا أَعْلَمَ بِفَرِيضَةٍ وَلَا طِبٌ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: يَا خَالَهُ، مِنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتِ الطَّبَّ؟ قَالَتْ: كُنتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بعضهم لبعض فَحَفِظْتُهُ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم له حَدِيثُ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا. وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عنها. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْيَا فِي الْعَامَّةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمعَ عِلْمُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ثُمَّ عِلْمُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ الله لَكَانَتْ عَائِشَةُ أَوْسَعَهُمْ عِلْمًا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ رضي الله عنه عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: فَحُمِلَ عَنْهَا ربع الشريعة. وَإِذَا كَانَ الزُّهْرِي رحمه الله يَقُولُ عَن عَمْرَةَ رَحِمَهَا اللهُ – وَهِيَ إِحْدَى تِلْمِيذَاتِ عائِشَةَ رضي الله عنها: فَأَتَيْتُهَا فَوَجَدتُهَا بَجْرًا لَا يُنزَفُ. فَمَا بَالُكَ بِالْعَالِمَةِ إِذَنَ؟!
وَسَوْفَ نَعْرِضُ فِي هَذِهِ الصَّفَحَاتِ لِعَدَدٍ مِنْ بَدَائِعِ قُنُونِ عِلْمٍ عَائِشَةَ رضي الله عنها: عِلْمُها رضي الله عنها بِأَحْوَالِ الجَاهِلِيَّةِ:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ في الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أنحاء: فَنِكَاحُ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ اليَوْمَ: يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَليَّتَهُ – أَوِ : ابْنَتَهُ ، فَيُصَدِقُهَا ثُمَّ يَنكِحُهَا، وَنِكَاحَ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمَلُهَا مِن ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمَلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاسْتِبْضَاعِ. وَنكَاحَ آخَرُ : يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ العَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمَلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِندَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فلانُ، تُسَمِّى مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ. وَنكَاحُ الرّابع: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وهُنَّ البَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتِ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمَلَهَا جُعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ القَافَةَ، ثُمَّ الحقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لَا يَمْتَنِعُ من ذَلكَ، فلما بُعثَ مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ اليَوْم. وَعَنْهُ قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِقَضَاءِ، وَلَا بِحَدِيثِ جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا أَرَوَى لِشِعْرٍ ، وَلَا أَعْلَمَ بِفَرِيضَةٍ وَلَا طِبٌ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: يَا خَالَهُ مِنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتِ الطَّبَّ؟ قَالَتْ: كُنتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بعضهم لبعض فَحَفِظْتُهُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةَ، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَث، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ: لَا سَهْلِ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ، قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوَحِي لَا أَبُثْ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذكرهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ، قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوَحِيَ العَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقَ أُطَلَّقَ، وَإِنْ أَسَكُتْ أُعَلَّقَ، قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْل تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ وَلَا قُرُّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَامَةَ، قَالَتِ الخَامِسَةُ: زَوْحِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ، قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اصْطَجَعَ التَفَّ، وَلَا يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوجِي غَيَايَاءُ – أَوْ عَيَايَاهُ – طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءِ لَهُ دَاءُ، شَجَكِ أَوْ فَلْكِ أَوْ جَمَعَ كُلَّا لَكِ، قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِ، قَالَتِ العَاشِرَةُ: زَوجِي مَالِكُ وَمَا مَالِكُ، مَالِكُ خَيْرٌ مِن ذَلِكَ، لَهُ إِبلُ كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ، قَلِيلاتُ المَسَارِح، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ، قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِّي أُذُنّي، وَمَلَا مِن شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقِّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسِ وَمُنَقٌ، فَعِندَهُ أَقُولُ فَلَا أقبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ، أُمَّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمَّ أَبِي زَرْعٍ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجَعُهُ كَمَسَلٌ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمَّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةً أَبِي زَرْعٍ، لَا تَبثُ حَدِيثَنَا تَبْثِيثا، وَلَا تُنَقَّتُ مِيرَتَنَا تَنقِيئًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةٌ مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطَّيَّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمّا ثرِيَّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، قَالَتْ: فَلَوْ جَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُنتُ لَكِ كَأَبِي زرع لِأُم زرع».
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةَ، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَث، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ: لَا سَهْلِ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ، قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوَحِي لَا أَبُثْ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذكرهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ، قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوَحِيَ العَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقَ أُطَلَّقَ، وَإِنْ أَسَكُتْ أُعَلَّقَ، قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْل تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ وَلَا قُرُّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَامَةَ، قَالَتِ الخَامِسَةُ: زَوْحِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ، قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اصْطَجَعَ التَفَّ، وَلَا يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوجِي غَيَايَاءُ – أَوْ عَيَايَاهُ – طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءِ لَهُ دَاءُ، شَجَكِ أَوْ فَلْكِ أَوْ جَمَعَ كُلَّا لَكِ، قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِ، قَالَتِ العَاشِرَةُ: زَوجِي مَالِكُ وَمَا مَالِكُ، مَالِكُ خَيْرٌ مِن ذَلِكَ، لَهُ إِبلُ كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ، قَلِيلاتُ المَسَارِح، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ، قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِّي أُذُنّي، وَمَلَا مِن شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقِّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسِ وَمُنَقٌ، فَعِندَهُ أَقُولُ فَلَا أقبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ، أُمَّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمَّ أَبِي زَرْعٍ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجَعُهُ كَمَسَلٌ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمَّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةً أَبِي زَرْعٍ، لَا تَبثُ حَدِيثَنَا تَبْثِيثا، وَلَا تُنَقَّتُ مِيرَتَنَا تَنقِيئًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةٌ مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطَّيَّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمّا ثرِيَّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، قَالَتْ: فَلَوْ جَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُنتُ لَكِ كَأَبِي زرع لِأُم زرع».
علمها رضي الله عنها بِالنَّاسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْقَبَائِلِ وَالْبُلْدَانِ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهُ، لَا أَعْجَبُ مِنْ فَهْمِكِ أَقُولُ: زَوْجَةً رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَقُولُ: ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ، كَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَقَالَتْ: أَي عُرَيَّةُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْقَمُ عِندَ آخِرِ عُمْرِه – أو: فِي آخِرِ عُمْرِهِ-، فَكَانَتْ تَقدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجهِه فَتَنعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتَ، وَكُنتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِن ثم. وَعَن طَلَقِ بْنِ خَشَافٍ قَالَ: وَفَدَنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَننْظُرَ فِي قُتِلَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَرَّ مِنَّا بَعْضُ إِلَى عَليٍّ، وَبَعْضُ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلَيًّ رضي الله عنهما، وَبَعْضُ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا فَرَدَّتِ السَّلَامَ، فَقَالَتْ: وَمَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَتْ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ البَصَرَةِ؟ قُلْتُ: مِن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَتْ: مِنْ أَيِّ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ؟ قُلْتُ: مِنْ بَنِي قيس بن ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: أَمِنْ أَهْلِ فُلَانِ؟ فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضى الله عنه؟ قَالَتْ: قُتِلَ وَاللَّهِ مَظْلُومًا، لَعَنَ اللَّهُ قَتَلَتَهُ، أَقَادَ اللَّهُ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَسَاقَ اللَّهُ إِلَى أَعْيُنِ بَنِي تَمِيمٍ هَوَانًا فِي بَيْتِهِ، وَأَهْرَاقَ اللَّهُ دِمَاءَ بَنِي بُدَيْلٍ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَسَاقَ اللَّهُ إِلَى الْأَشْتَرِ سَهْمَا مِنْ سِهَامِهِ، فَوَاللَّهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ إِلَّا أَصَابَتْهُ دَعْوَتُهَا.
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ اسْتَقَامَ نَسَبُ النَّاسِ إِلَى مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي مُدْرِكُ – أَوْ : ابْنُ مُدْرِك – إِلَى عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ أَشْيَاءَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهَا، فَإِذَا هِيَ تُصَلِّي الضُّحَى، فَقُلْتُ: أَقْعُدُ حَتَّى تَفرُغَ فَقَالُوا: هَيْهَاتَ، فَقُلْتُ لِآذِنِهَا: كَيْفَ أَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ – أَوْ : أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم-، السَّلامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: أَخُو عَازِبٍ، نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ،
فَسَأَلْتُهَا عَن الْوِصَالِ، فَقَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَاصَلَ رَسُولُ صلى اللهِ عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا الْهِلَالَ أخبَرُوا النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَوْ زَادَ لزِدْتُ»، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَاكَ! – أَوْ شَيْئًا نَحوَهُ-، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي وَيَسْقِينِي»، وَسَأَلْتُهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ، قَالَتْ: فَجَاءَتْهُ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَصَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الظهَرَ، وَشُغِلَ فِي قِسْمَتِهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ صَلَّاهَا، وَقَالَتْ: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُهُ، فَإِنْ مَرِضَ قَرَأَ وَهُوَ قاعِدُ، وَقَدْ عَرَفتُ أَنْ أَحَدَكُمْ يَقُولُ: بِحَسي أَنْ أُقيمَ مَا كُتِبَ لِي، وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ. وَسَأَلْتُهَا عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يُخَتَلَفُ فِيهِ مِن رَمَضَانَ، فَقَالَتْ: لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ: أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِذَاكَ مِنَّا.
عِلْمُها رَضي الله عنها بِالتَّارِيخ وَالْقَصَصِ
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِي: أَتَدْرِي قَوْلَ النَّجَاشِيِّ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي رِشْوَةً عَلَى دِينِي؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: كَانَ ابْنَ مَلِكِ قَوْمِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ذَكَرًا، فَقَالَتِ الْحَبَشَةُ: هَذَا بَيْتُ مَمْلَكَتِكُمْ، وَإِنَّمَا لِمَلِكِكُمْ وَلَدٌ وَاحِدٌ، فَنَحْشَى أَنْ يَهْلِكَ فَتَخْتَلِفَ الْخَبَشَةُ بَعْدَهُ حَتَّى تَفْنَى، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَقْتُلَهُ وَنُمَلّكَ أَخَاهُ؟ فَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فَعَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَمَلَكُوا أَخَاهُ، وَكَانَ النَّجَاشِيُّ ذَا رَأْي وَدَهَاءٍ، وَلَمْ يَكُن عَمُّهُ يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْخَبَشَةُ قَالُوا: وَاللَّهِ، لَيَسْتَبِدَّنَّ هَذَا الْغُلَامُ أَمْرَكُمْ، وَلَئِنْ فَعَلَ لَا يَبْقَى مِنْكُمْ شَرِيفٌ إِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ عَرَفَ أَنكُمْ أَصْحَابُ أَبِيهِ الَّذِينَ قَتَلُوهُ، فَقَالُوا لِعَمِّهِ: إِنَّا نَرَى مَكَانَ هَذَا الْغُلَامِ وَطَاعَتَكَ إِيَّاهُ، وَإِنَّا قَدْ خِفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا، فَإِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بِلادِنَا، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ؛ قَتَلْنَا أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَتَقْتُلُهُ الْيَوْمَ! أَمَّا قَتْلُهُ فَلَسْتُ بِقَاتِلِهِ، وَلَكِنِّي سَوْفَ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَوَقَفَ فِي السُّوقِ فَاشْتَرَاهُ تَاجِرُ مِنَ الْتَجَّارِ بِسْتمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ وَانْطَلَقَ بِالْغُلَامِ مَعَهُمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الْعَشِيَّةُ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِن سَحَابِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَفَزِعُوا إِلَى بَنِيهِ فَإِذَا لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ، فَقَالَتِ الْحبَشَةُ: تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ أَنَّ مُلْكَكُمْ لِلْغُلَامِ الَّذِي بِعْتُمْ فِي صَدْرِ يَوْمِكُمْ، وَلَئِنْ فَاتَكُمْ لِيُفْسِدَنَّ أَمْرَكُمْ، فَأَدْرَكُوهُ فَطَلَبُوهُ، فَرَدُّوهُ وَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ التَّاجَ فَأَجَلَسُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ وَبَايَعُوهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ لَهُمُ التَّاجِرُ: رَدُّوا عَلَيَّ مَالِي أَوْ أَسْلِمُوا إِلَيَّ الْغُلَامَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُعْطِيكَ شَيْئًا، قَدْ عَرَفْتَ مَكَانَ صَاحِبِكَ فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَأُكَلَّمَنَّهُ، فَأَبَوا عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ ابْتَعْتُ غُلَامًا عَلَانِيَةً غَيْرَ سِرِّ بِسُوقٍ مِنَ الْأَسْوَاقِ، فَأَعْطَيْتُهُمُ الثَّمَنَ وَسَلَّمُوا إِلَيَّ الْغُلَامَ، ثُمَّ عُدِيَ عَلَى فَانْتُزِعَ غُلَامِي مِنِّي وَأُمْسِكَ عَنِّي مَالِي، فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى فَالْتَفَتَ إِلَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: لَتُعْطُنَّهُ مَالَهُ أَوْ لَتُسَلِّمُنَّ الْغُلَامَ فِي يَدِهِ لَيَذْهَبَنَّ مَعَهُ، فَقَالُوا: نُعْطِيهِ مَالَهُ. فَذَاكَ أَوَّلُ مَا عُرِفَ مِنْ صِدْقِهِ وَعَدْلِهِ وَصَلَابَتِهِ فِي الْحُكْمِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي رِشْوَةٌ حِينَ رَدَّ عَلَى مُلْكِي وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ [فِيَّ] فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ.
عِلْمُها رضي الله عنها بِأَسْبَابِ النزول
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَفْقَهَ فِي رَأْيِ إِنِ احْتِيجَ إِلَى رَأْيِهِ، وَلَا أَعْلَمَ بِآيَةٍ فِيمَا نَزَلَتْ، وَلَا فَرِيضَةٍ مِنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُنْزِلَ: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ ي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومِ الأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْشِدَني، وَعِندَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرِضُ عَنهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟» فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هَذَا أُنْزِلَ.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ عَنِ السَّاعَةِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿فيمَ أَنتَ مِن ذِكراهاإِلى رَبِّكَ مُنتَهاها﴾ وَعَنهَا رضي الله عنها تَقُولُ: ﴿ وَمَن كانَ غَنِيًّا فَليَستَعفِف وَمَن كانَ فَقيرًا فَليَأكُل بِالمَعروفِ ﴾ : أُنْزِلَتْ فِي وَالِي اليَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وعنها رضي الله عنها في قَوْلِهِ : ﴿ وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها ﴾ قَالَتْ: أُنْزِلَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ. وَعَنْهَا رضي الله عنها: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ في أَيمانِكُم ﴾ في قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ جَاءَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَتْ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثبِيرٍ فِي نَحْوِ مِنِّي، فَقَالَ عُبَيْدُ: أَي هَنتَاهُ، مَا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ في أَيمانِكُم ﴾ قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللهِ.
عِلّم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بِالْقِرَاءَاتِ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ: (إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ)، وَتَقُولُ: الوَلْقُ الكَذِبُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا.
[البخاري: ٤٤].
علمها رضي الله عنها بالتفسير
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلَتُ عَاِشَةَ يِّفْهَا فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَفَ بِهِمَا) [البقرة: ٥٨]، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحُ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ: ( لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا)، وَلَكِنَّهَا أنزلت فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبَلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنَّا كُنَّا نتحرج أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَهُ تَعَالَى: (إِنَّ الصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآرِ اللَّهِ) (البقرة: ١٥٨] الآيَةَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا.
-رواه البخاري ومسلم.
[ كتاب | عائشة أم المؤمنين بستان العلم الدّين ]
حَصانٌ رَزانٌ ما تُزِنُّ بِريبَةٍ
وَتُصبِحُ غَرثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ
عَقيلَةُ حَيٍّ مِن لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ
كِرامِ المَساعي مَجدُهُم غَيرُ زائِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَد طَيَّبَ اللَهُ خَيمَها
وَطَهَّرَها مِن كُلِّ سورٍ وَباطِلِ
فَإِن كُنتُ قَد قُلتُ الَّذي قَد زَعَمتُمُ
فَلا رَفَعَت صَوتي إِلَيَّ أَنامِلي
فَكَيفَ وَوِدّي ما حَيِيتُ وَنُصرَتي
لِآلِ رَسولِ اللَهِ زَينِ المَحافِلِ
لَهُ رَتَبٍ عالٍ عَلى الناسِ كُلِّهِم
تَقاصَرُ عَنهُ سَورَةَ المُتَطاوِلِ
فَإِنَّ الَذي قَد قيلَ لَيسَ بِلائِطٍ
وَلَكِنَّهُ قَولُ اِمرِئٍ بِيَ ماحِلِحسان بن ثابت رضي الله عنه في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
حصانٌ رزان
هي زوج النبي العدنان، الحصان الرزان ؛ كما قال ابن ثابت حسان . أنزل الله فيها عشر آيات من القرآن ؛ تبرئة لما لحق بها من البهتان . ألقى ربها عليها رداء العفة والطهر والإيمان ، وكانت حياتها رحلة علم وبر وإحسان ، وهي أميرة الفصاحة والبيان ؛ كأنها نهرٌ دائم الجريان ، هي الصديقة بنت الصديق وأخت عبد الرحمن . أبوها -سوى الأنبياء- ليس له مثيل في زمانٍ أو مكان ، وأمها المؤمنة المخبتة أم رومان .
حفظت أمنا القرآن الكريم ، وروت أحاديث كثيرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت حُجَّة في الفقه والمواريث ، وكم صححت من أحاديث .
قال عنها أبو نعيم الأصبهاني في ترجمتها : الصديقة بنت الصديق ، العتيقة بنت العتيق ، حبيبة الحبيب ، وأليفة القريب ، سيد المرسلين محمدٍ الخطيب . المبرأة من العيوب ، المعراة من ارتياب القلوب ؛ لرؤيتها جبريل رسول علام الغيوب .
-الحلية لأبي نعيم.