أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِ اللهِ ، وَسَيِّدُ شُهَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ
هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ كَانَ تِرْبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ كَانَا صَبِيَّيْنِ يَدْرُجَانِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ . وَكَانَ أَخًا لَهُ مِنَ الرَّضَاعِ ؛ حَيْثُ تَغَذَّيَا مِنْ ثَدْيِ وَاحِدٍ. وَكَانَ يَتَّصِلُ بِهِ بِأَوْثَقِ وَشَائِحِ الْقُرْبَى … ذَلِكُمْ هُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؛ عَمُ الرَّسُولِ الْأَعْظَم له ، وَسَيَّدُ شُهَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ نُبَى الرَّسُولُ الْكَرِيمُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمِ قَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ قَلِيلًا ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيْدًا مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ الْمَعْدُودِينَ … وَصِنْدِيدًا مِنْ صَنَادِيدِهِمُ الْمَرْمُوقِينَ . تَحْسِبُ لَهُ مَكَّةُ أَلْفَ حِسَابٍ ، وَيُكِن لَهُ أَهْلُهَا الْحُبَّ الْمَشْفُوعَ بِالتَّحِلَّةِ وَالْإِعْظَامِ …
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الصَّلَاتِ الْوَاشِجَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ .. فَإِنَّهُ لَمْ يُعِرْ دَعْوَتَهُ كَبِيرَ اهْتِمَام … وَلَمْ يُسْلِمُ حِينَ أَنْذَرَ الرَّسُولُ الله عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ. وَلَقَدْ كَانَ الْفَارِسُ الْهَاشِمِي صَاحِبَ صَيْدٍ ؛ يَجِدُ فِيهِ مِنْعَتَهُ الْكُبْرَى ،
وَيَسْتَنْفِدُ فِي كَرْهِ وَفَرِّهِ طَاقَاتِهِ الزَّاخِرَةِ الْمَشْبُوبَةِ …. وَفِيمَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ رَاجِعًا مِنْ صَيْدِهِ ؛ مُتَنَكِّبًا قَوْسَهُ عَارِضًا رُمْحَهُ ؛
يَمْشِي مِشْيَةَ الزَّهْوِ وَالْحُيَلَاءِ.
…
إِذِ اعْتَرَضَتْهُ مَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْن جَدْعَانَ وَقَالَتْ لَهُ : لَوْ أَنَّكَ – يَا أَبَا عَمَارَةً – سَمِعْتَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ سِبَابِ أَبِي الْحَكَمِ لِابْنِ
أَخِيكَ مُحَمَّدٍ … وَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتُهُ مِنْ هَجْمَتِهِ عَلَيْهِ ؛ لَكَانَ لَكَ الْيَوْمَ شَأْنُ آخَرُ … فَمَا كَادَتْ كَلِمَاتُهَا تُلَامِسُ سَمْعَهُ ؛ حَتَّى اسْتَشَاطَ غَيْظًا وَتَمَيَّرَ صَدْرُهُ حَمِيَّةٌ ، وَسَأَلَ الْفَتَاةَ عَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَسُبُّهُ .
فَقَالَتْ : لَقَدْ رَآهُ نَاسٌ كَثِيرٌ .
فَعَادَ الْفَارِسُ الْهَاشِمِيُّ أَدْرَاجَهُ ..
وَيَمَّمَ وَجْهَهُ شَطْرَ الصَّفَا حَيْثُ كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَتَوَسَّطُ حَلْقَةَ الْقَوْمِ ؛ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِقَوْسِهِ ضَرْبَةٌ ؛ شَجَّتْ رَأْسَهُ … وَأَسَالَتْ دَمَهُ ….
ثُمَّ أَعْلَنَ إِسْلَامَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ ، وَجَهَرَ بِكَلِمَةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ . وَقَالَ مُتَحَدِّيًا : هَا أَنَا ذَا قَدْ أَسْلَمْتُ ، وَإِذَا كَانَ فِي وُسْعِ قُرَيْشٍ أَنْ تَرُدَّنِي عَنِ الْإِسْلَامِ ؛ فَلْتَفْعَلْ .
وَلَمَّا رَأَى بَنُو مَحْرُومٍ دِمَاءَ سَيِّدِهِمْ أَبِي جَهْلٍ تَنْزِفُ مِنْ رَأْسِهِ وَتُغَطِّي وَجْهَهُ؛ نَهَضُوا إِلَى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُرِيدُونَ أَنْ يَنَالُوا مِنْهُ فَمَا كَانَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ إِلَّا أَنْ قَالَ لَهُمْ : دَعُوا أَبَا عَمَارَةَ … فَقَدْ أَهَنْتُهُ فِي مَلَا مِنَ النَّاسِ .؛ حِينَ سَبَيْتُهُ وَشَتَمْتُهُ عَلَى وفي لمح البرقي و ذاع نبأ إسْلَام عَمْرَةَ فِي مَكة … فَوَقَعَ ذَلِكَ الْخَيْرُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وُقُوعَ الصَّاعِقَةِ .
أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ .. فَحَدِّثْ بِمَا شِئْتَ عَنْ فَرْحَتِهِ بِإِسْلَامِ عَمِّهِ وَلَا حَرَجَ ..
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ ؛ فَقُلْ مَا طَابَ لَكَ الْقَوْلُ عَنْ بَهْجَتِهِمْ بِانْضِمَامِ صِنْدِيدِ قريش إِلَيْهِمْ … فَهُمْ عَرَفُوا فِي مَكَّةَ يَوْمَيْنِ أَبْهَجَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَأَعَزَّ عَلَى نُفُوسِهِمْ يَوْمُ إِسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ … وَيَوْمُ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . فَمَا إِنْ أَسْلَمَا حَتَّى عَزَمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَطُوفَ بِهَا … وَيُؤَدِّيَ صَلَاتَهُ عِنْدَهَا عَلَى مَسْمَعِ وَمَرْأَى مِنْ قُرَيْشٍ … وَاسْتَجَابَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ الله ، وَخَرَجَ فِي حِرَاسَتِهِمَا :
أَحَدُهُمَا أَمَامَهُ ، وَالْآخَرُ وَرَاءَهُ … حَتَّى بَلَغَ الْكَعْبَةَ الْمُعَظَّمَةَ .
فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا. وَصَلَّى الظُّهْرَ عِنْدَهُ آمِنًا مُطْمَئِنا
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ الْأَرْقَمِ وَعُيُونُ قُرَيْشٍ تَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَقُلُوبُهُمْ تَمَيَّرُ غَيْظًا مِنْهُ ، وَضَغِينَةٌ عَلَيْهِ
وَلَمَّا هَاجَرَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ … كَانَ أَوَّلُ لِوَاء عَقَدَهُ لِعَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَهُوَ أَوَّلُ لِوَاءٍ عُقِدَ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي يَوْمِ بَدْرٍ أَبْلَى حَمْزَةُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَشَدَّ الْبَلَاءِ وَأَعْظَمَهُ ؛ فَكَانَ
ثَقِيلَ الْوَطْأَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ … شَدِيدَ النِّكَايَةِ بِهِمْ .
فَمَا إِنِ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْأَغَرُ ؛ حَتَّى بَرَزَ حَمْزَةُ كَالْجَمَلِ الْأَوْرَقِ وَقَدْ وَضَعَ عَلَى صَدْرِهِ عَلَامَةٌ تُمَيِّرُهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْصِدَهُ . وَكَانَتْ عَلَامَتَهُ رِيشَةُ نَعَامَةٍ حَمْرَاءُ أَثْبَتَهَا عَلَى صَدْرِهِ … وَهُنَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَحْرُومِنُ
وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سِيِّئَ الْخُلُقِ – فَقَالَ : أُعَاهِدُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى لَأَشْرَبَنَّ مِنْ حَوْضِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَأَهْدِمَنَّهُ ، أَوْ لَأَمُوتَنَّ دُونَهُ … مبتغاه .
فَبَرَزَ لَهُ حَمْزَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَضَرَبَهُ ضَرْبَةٌ أَطَارَتْ سَاقَهُ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَالدِّمَاءُ تَشْخُبُ مِنْهُ . ثُمَّ جَعَلَ يَحْبُو نَحْوَ الْحَوْضِ لِيَبَرَّ بِيَمِينِهِ ؛ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ قَبْلَ أَنْ يَنَالَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ ؛ فَلَمَّا فَصَلُوا عَنِ الصَّفِّ دَعَوْا إِلَى الْمُبَارَزَةِ …. فَقَتَلَهُ.
فَنَهَدَ إِلَيْهِمْ فِي لَمْحَةِ الطَّرْفِ ؛ ثَلَاثَةُ فِتْيَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَعْوَادِ الرَّمَاحِ . فَقَالَ لَهُمْ عُتْبَةُ : مَنْ أَنْتُمْ ؟
فَقَالُوا : جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ .
فَقَالَ : ارْجِعُوا مَا لَنَا بِكُمْ حَاجَةٌ .
ثُمَّ نَادَوْا : يَا مُحَمَّدُ … أَخْرِجْ لَنَا الْأَكْفَاءَ مِنْ بَنِي قَوْمِنَا ..
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : (قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ …
وَقُمْ يَا حَمْزَةُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .
وَقُمْ يَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ) .
فَقَالَ عُتْبَةُ : الْآنَ نَعَمْ … أَكْفَاء كِرَامٌ .
فَقَامَ عَلِيٌّ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَكَانَا شَائِيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ ؛ فَقَتَلَهُ .
ثُمَّ قَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَكَانَا مُتَقَارِبَيْنِ سِنَّا ؛
وَقَامَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَا شَيْخَيْنِ ؛ فَقَتَلَهُ …
ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عُبَيْدَةُ مُتَأَثُرًا بِجِرَاحِهِ .
وَمَا إِنْ قُتِلَ أَبْطَالُ قُرَيْش الثَّلَاثَةُ فِى لَحَظَاتِ مَعْدُودَاتٍ ؛ حَتَّى حَمِيَ وَطِيسُ الْمَعْرَكَةِ ، وَأَبْلَى حَمْزَةُ بَلَاءٌ مَلَأَ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ حِقْدًا عَلَيْهِ وَكَيْدًا منه .
وَلَمَّا بَلَغَتْ هِنُدٌ حَمْزَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ شَقَّتْ صَدْرَهُ ، وَاجْتَبَّتْ كَبِدَهُ وَمَضَعَتْهُ ؛ فَلَمْ تُسِغْهُ فَلَفَظَتْهُ … وَمِنْ هُنَا دُعِيَتْ بِآكِلَةِ الْمِرَارِ وَلَمَّا انْجَلَى غُبَارُ الْمَعْرَكَةِ ، وَشَاعَ خَبَرُ التَّمْثِيلِ بِالْمُسْلِمِينَ … خَيَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ حُزْنٌ عَمِيْقٌ ، وَأَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ لِتَرَى مَا حَلٌّ بِأَخِيهَا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِابْنِهَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا حَتَّى لَا تَرَىٰ مَا بِأَخِيهَا فَبَادَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ : يَا أُمَّهُ ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُكِ بِالرُّجُوعِ .
قَالَتْ : وَلِمَ ؟! لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ مُثْلَ بِأَخِي ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ … وَاللَّهِ لَأَصْبِرَنَّ وَأَحْتَسِبَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَأَخْبَرَ الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا قَالَتْ .
فَقَالَ : ( خَلْ سَبِيلَهَا ) .
فَأَتَتْ أَخَاهَا … فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ ، وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ؛ ثُمَّ قَالَتْ :
هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لِيُكَفِّنَ بِهِمَا .
قَالَ الزُّبَيْرُ :
فَلَمَّا هَمَمْنَا أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ بِهِمَا ، فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ شَهِيدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مُثْلَ بِهِ كَمَا مُثْلَ بِحَمْزَةَ ؛ فَوَجَدْنَا غَضَاضَةٌ وَحَيَاءٌ أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْأَنْصَارِيُّ لَا كَفَنَ لَهُ ؛ فَقُلْنَا : لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ ، وَلِلْأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ …
ثُمَّ نَظَرْنَا ؛ فَإِذَا أَحَدُ التَّوْبَيْنِ أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ … فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ …
وَكَانَ حَمْزَةُ رَجُلًا طُوَالًا ؛ فَإِذَا سَتَرَ الثَّوْبُ رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ ، وَإِذَا سَتَرَ رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ .
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : غَطُوا رَأْسَهُ بِالثَّوْبِ ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ بَعْضًا مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ وَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُزْنِ رَسُولِ اللَّهِ لا اللهُ عَلَى عَمِّهِ … فَقَدْ نَظَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى مَشْهَدٍ لَمْ يَرَ أَوْجَعَ مِنْهُ ؛ فَقَالَ :
(رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ … لَقَدْ كُنْتَ وَصُولا لِلرَّحِمِ ؛ فَعُولاً لِلْخَيْرَاتِ .
أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَثْلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ إِنْ ظَفِرْتُ بِهِمْ ) …
فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ قَبْلَ أَنْ يَبْرَحَ مَكَانَهُ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : وَإِنْ عَاقَتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فَكَفِّرَ رَسُولُ اللهِ عَنْ يَمِينِهِ ، وَأَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَمَرَ الرَّسُولُ الله بِالشُّهَدَاءِ ؛ فَدُفِنُوا جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ ، وَقَالَ :
انْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ ؛ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ، وَقَالَ :
( أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ ؛ إِلَّا وَاللَّهُ يَبْعَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ … اللَّوْنُ لَوْنُ دَم ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ ) . وَلَمَّا وَارَاهُمُ الرَّسُولُ لا تُرَابَهُمْ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَسْوَانَ حَزِينًا؛ فَمَرَّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَسَمِعَ بُكَاءَ النِّسَاءِ وَنَشِيجَهُنَّ عَلَى
قَتْلَاهُمْ ؛ فَأَهَاجَ حُزْنُهُنَّ حُزْنَهُ ، وَأَثَارَتْ لَوْعَتُهُنَّ لَوْعَتَهُ . فَطَفَرَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهِ الْكَرِيمَتَيْنِ وَقَالَ : ( وَلَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ ) .
فَسَمِعَ رِجَالُ الْأَنْصَارِ كَلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَحَزَّتْ فِي نُفُوسِهِمْ ، وَأَمَرُوا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَذْهَبْنَ إِلَى بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِيَبْكِينَ عَمَّهُ . سَمِعَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بُكَاءَهَنَّ عَلَى حَمْزَةً ؛ قَالَ : فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بُكَاءَهَنَّ عَلَى حَمْزَةَ ؛ قَالَ:
(رَحِمَ اللَّهُ الْأَنْصَارَ …
ارْجِعْنَ يَرْحَمُكُنَّ اللَّهُ ؛ فَقَدْ آسَيْتُنَّ وَعَزَيْتُنَّ)
صور مِن حَيَاةِ الصَّحَابَةِ | عبدالرحمٰن رأفت باشا