﴿إِذ جاءوكُم مِن فَوقِكُم وَمِن أَسفَلَ مِنكُم وَإِذ زاغَتِ الأَبصارُ وَبَلَغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللَّهِ الظُّنونا، هُنالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنونَ وَزُلزِلوا زِلزالًا شَديدًا﴾
الموقف العام
1- المسلمون
نجح المسلمون في إعادة النظام الى صفوفهم بعد (أحد)، وتخلصوا من يهود بني النضير، وبذلك قوي مركزهم في المدينة قاعدتهم الأمينة، كما أثروا على معنويات قريش وكافة القبائل التي طمعت في مهاجمة المدينة.
لقد استعادوا في هذه الفترة سمعتهم، وأصبح سلطانهم مهيباً في المدينة وخارجها على حد سواء .
2 – المشركون واليهود
لم تستطع قريش لقاء المسلمين في بدر الصغرى، لأنها قدرت أن قوة المسلمين أكبر من أن تستطيع القضاء عليها وحدها .
كما لم تستطع القبائل أن تهاجم المدينة كما أرادت، إذ هاجمها المسلمون على انفراد وفي عقر دارها وتغلبوا عليها بالتعاقب.
وكان اليهود أضعف من أن يفكروا بالتعرض وحدهم بالمسلمين، ولكنهم يترقبون الفرص.
وكان لا بد من تجمع قوى قريش والقبائل الأخرى واليهود في صعيد واحد للقضاء على المسلمين، اذ أصبح المسلمون بدرجة من القوة يصعب معها القضاء عليهم اذا لم تتحشد كافة قوى أعدائهم، وفعلا قام الموتورون من يهود بني النضير بمهمة تحشيد قوات المشركين واليهود حول المدينة، ونجحوا بتحشيد أكبر قوة متفوقة للقضاء على الدين الجديد.
قوات الطرفين
1 – المسلمون
ثلاثة آلاف رجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 – المشركون
عشرة آلاف عدا اليهود من بني قريظة، منهم أربعة آلاف من قريش وستة آلاف من بني سليم وأسد وفزارة وأشجع وغطفان.
كانت قريش بقيادة أبي سفيان .
وكانت غطفان بقيادة عيينة بن حصن والحارث بن عوف.
وكانت أشجع بقيادة مسعر بن رخيلة.
أهداف الطرفين:
1 – المسلمون
الدفاع عن الاسلام .
2- المشركون واليهود
القضاء على المسلمين وانتهاب أموالهم وذراريهم .
التوقيت
كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة للهجرة واستمر الحصار حوالي شهر واحد.
قبل المعركة
1- المسلمون
آ) قرر المسلمون البقاء في المدينة وحفروا خندقاً عميقاً يحيط بشمال المدينة. ويقع بين حرة المدينة وجبل سلع: لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة المكشوفة؛ إذ أن جهات المدينة الاخرى محاطة؛ بالبساتين الكثيفة والعوارض الطبيعية الأخرى، وذلك يحول دون امكان اجراء القتال بقوات كبيرة في اطراف المدينة عدا الشمالية منها، حيث انها مكشوفة كما اسلفنا، لذلك اشار سلمان الفارسي بحفر الخندق، في هذه المنطقة، ولم يكن حفر الخنادق للأغراض الدفاعية معروفاً عند العرب من قبل.
قسم الرسول صلى الله عليه وسلم منطقة الحفر على اصحابه: لكل عشرة منهم أربعون ذراعاً، واشتغل هو بالحفر ايضاً، كأي فرد منهم، بل كان المسلمون يستعينون به عندما تصادفهم بعض العقبات أثناء الحفر، كظهور الصخور، فيحضر بنفسه لتفتيتها.
وكان العمل يستمر طيلة النهار، ثم يأوي المسلمون ليلا الى دورهم ليأخذوا قسطا من الراحة، وقد سيطر الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه على العمل. فلا يذهب أحد لعمله الخاص الا بموافقته.
ب) جمع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء والاطفال في بيوت قوية البنيان في منطقـــة امينة داخل المدينة إفادة من مناعتها لحمايتهم، وهجروا البيوت الواهنة .
ج) – بعد انجاز حفر الخندق، احتل المسلمون مواضعهم خلف الخندق واستفادوا من مناعة جبل سلع لحماية جناحهم الايسر من الالتفاف لقطع خط رجعتهم .
2 – المشركون واليهود
آ) – قصد نفر من اليهود قريشاً في مكة منهم سلام بن ابي الحقيق وحييّ بن أخطب، فدعوهم الى حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، ووعدوهم أنهم سيكونون معهم في القتال.
فلما وافقت قريش، قصد اليهود غطفان وغيرها من القبائل، ودعوهم الى حرب الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، وأخبروهم أن قريشاً معهم على ذلك، فوافقت غطفان والقبائل الأخرى .
ب) – لما وصلت قريش وغطفان والقبائل الاخرى الى ضواحي المدينة، استطاع حيي بن أخطب التأثير على اليهود من بني قريظة، فنكثوا عهدهم مع المسلمين وانضموا إلى الاحزاب.
ج) – كانت مواضع قتال الاحزاب في ضواحي المدينة كما يلي:
أولاً – قريش في موضع مجمع الأسيال .
ثانياً – غطفان وقبائل نجد في موضع ذنب بني نقمي.
ثالثاً – بنو قريظة في حصونهم في ضواحي المدينة.
سير القتال
1 – تحرج موقف المسلمين كثيراً، خاصة بعد انضمام بني قريظة للاحزاب، فقد كان بامكان هؤلاء اليهود التسلل الى داخل المدينة والتعريض بالنساء والاطفال خاصة وأنهم يعرفون تفاصيل مسالكها لانهم من اهلها، مما يؤثر على معنويات المسلمين الذين يقاتلون في ساحة المعركة، لأنهم أصبحوا غير مطمئنين على مصير عوائلهم وذراريهم وأموالهم.
كما كان بامكان اليهود القيام بحركة جريئة لقطع خط رجعة المسلمين الداخل المدينة. وبذلك يفسحون المجال للاحزاب لاقتحام الخندق دون مقاومة تذكر..
لذلك كان وقع نكث بني قريظة لعهدهم شديداً على نفوس المسلمين.
أرسل اليهود رجلا منهم الى داخل المدينة، فاستطاع التسلل الى الدور التي تجمع بها النساء والأطفال، ولكن هذا اليهودي لم يعد إلى قومه ليخبرهم عـن مواضع النساء والأطفال وعن درجة مناعتها وحمايتها، لأن امرأة مسلمة رأته يستطلع المواضع، فاستطاعت قتله مستفيدة من عمود خشبي.
ان هذا اليهودي كان دورية استطلاع للحصول على المعلومات عن مواضع النساء والأطفال. حتى يقوم بهجوم مباغت عليهم بعد التأكد من عدم تيسر الحماية لهم، ليضطروا المسلمين إلى الانسحاب من مواضعهم الاصلية لنجدة أهليهم وإنقاذ أموالهم.
ان قتل هذا اليهودي خلص المسلمين من خطر داهم، اذ جعل اليهود يفكرون أن في داخل المدينة حراساً أشداء من المسلمين، وليس من السهل التخلل من هذه الحراسة الشديدة. لذلك قبع اليهود في حصونهم لا يفكرون بالخروج.
2 – تحركت مفرزة من فرسان قريش فيهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل، ومروا ببني كنانة واستثاروا حميتهم للقتال، فلما وصلت هذه المفرزة الى الخندق واستطلعوا منطقة ضيقة فيه، فعبروها بخيولهم؛ فخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين للقائهم، واتجهوا فوراً الى الثغرة التي عبر المشركون منها لقطع خط رجعة المشركين أولاً ولمنع الامدادات من الأحزاب اليهم ثانياً، ثم نازل علي بن أبي طالب عمر بن عبد ود فقتله، كما قتل المسلمون رجلين من المشركين، وعادت بقية فرسان قريش هاربة الى قواعدها.
3- قامت مفرزة من المشركين بالهجوم على المسلمين باتجاه دار الرسول صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم المسلمون النهار كله حتى الليل، فلما حانت صلاة العصر تحرج موقف المسلمين لاقتراب المشركين من منزل الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لم يستطع المسلمون ان يصلوا، ولكنهم استطاعوا مع الليل صد مفرزة المشركين خائبة على اعقابها.
4 – حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد بعض الأحزاب عن المدينة لقاء ثلث الثمار، وكاد ان يصل في مفاوضاته مع قادة غطفان الى هذا الاتفاق، ولكن سادات الأوس والخزرج اقترحوا ألا يعطوا المشركين شيئاً من ثمارهم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على اقتراحهم هذا
5 – أثّر بقاء الاعراب مدة طويلة حول المدينة على معنوياتهم خاصة وان
الموسم شتاء، وان الاعراب لا يطيقون الصبر طويلاً على الحصار ولا على قتال مديد بصورة عامة، لذلك اخذوا يبدون تذمرهم من بقائهم مدة طويلة دون جدوى.
6 – جاء نعيم بن مسعود الى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره انه أسلم ولا يعلم قومه بإسلامه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما انت رجل واحد. فخذّل عنا ما استطعت، فان الحرب خدعة» …
خرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان نديماً لهم في الجاهلية، فقال لهم: «عرفتم ودي إياكم، وقد ظاهرتم قريشاً وغطفان على حرب محمد وليسوا كأنتم: البلد بلدكم به اموالكم وابناؤكم ونساؤكم لا تقدرون ان تتحولوا منه، وان قريشاً وغطفان ان رأوا نهزة وغنيمة اصابوها، وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم حتى تناجزوا محمداً».
قالت بنو قريظة: «أشرت بالنصح ولست عندنا بمتهم». ثم خرج نعيم الى قريش، فقال لهم: «بلغني ان قريظة ندموا، وقد أرسلوا الى محمد صلى الله عليه وسلم: هل يرضيك عنا ان نأخذ من قريش وغطفان رجالاً من اشرافهم فنعطيكهم فتضرب اعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأجابهم: ان نعم. فان طلبت قريظة منكم رهناً من رجالكم، فلا تدفعوا لهم رجلاً واحداً».
وجاء نعيم غطفان فقال لهم: «انتم اهلي وعشيرتي» . وقال لهم مثل ما قال لقريش … وحذرهم.
ـرسل ابو سفیان وسادة غطفان الى قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان في ليلة سبت، وطلبوا منهم الاستعداد للهجوم نهـــــار السبت، ولكن قريظة اعتذروا بأنهم لا يقاتلون يوم السبت؛ ثم طلبت قريظة رهائن من قريش وغطفان قبل أن تشرع بأي هجوم!
قالت قريش وغطفان: لقد صدق نعيم … !!
ولما رفض طلب قريظة قالت: لقد صدق نعيم ! وتفرقت قلوب الأحزاب وزالت الثقة بينهم.
7- ارسل الرسول صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ليلا ليستطلع اخبار الأحزاب، فرأى قريشاً تشد رحالها متجهة الى مكة، فلما علمت غطفان بارتحال قريش دون علمها، عادت ادراجها مع القبائل الاخرى الى مواطنها.
وحينذاك علم الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته النافذة ان المشركين فقدوا فرصتهم الثمينة، وان مثل هذه الفرصة لن تعود إليهم مرة أخرى؛ وإذا لم يستطع المشركون بعد تجمعهم الضخم هذا ان يقضوا على المسلمين، فكيف يستطيعون القضاء عليهم بعد تفرقهم؟
خسائر الطرفين:
1- المسلمون
ستة شهداء
2 – المشركون
ثلاثة قتلى
أسباب فشل الأحزاب
1- قيادة غير موحدة
لم تكن للأحزاب قيادة موحدة تستطيع السيطرة على جميع القوات المتيسرة وتوجيهها للعمل الحاسم في الوقت الحاسم.
كان لكل قبيلة قائد بل عدة قواد، ولم يستطع هؤلاء القادة تنظيم خطة موحدة للهجوم على المسلمين، وقد كان من المستحيل اتفاقهم على قائد منهم ليسيطر على الجميع، لان هذا القائد سينال شرفاً عظيماً يمتاز به على الآخرين، ولا يمكن للآخرين ان يقبلوا بهذا الامتياز.
لقد كانت النعرة الجاهلية لا الهدف المشترك هي التي تسيطر على القيادة. ولا يمكن ان تنجح مثل هذه القيادة في أي موقف بأي معركة حتى ولو كانت لها كل الظروف المؤاتية – كما في غزوة الخندق بالنسبة للـحزاب واليهود.
2 – المباغتة بالخندق
لقد كان حفر الخندق مباغتة تامة للأحزاب، فلم تكن العرب تعرف هــذا الأسلوب، كما لم تكن تعرف اسلوب القتال المناسب للتغلب على مثل هذا الموقف. لذلك بقي القتال مستكناً طول مدة الحصار، عدا محاولات قليلة قام بها المشركون لمحاولة اجتياز الخندق باءت كلها بالفشل…
3- الطقس
كان موسم القتال شتاء، وكان الاعراب في العراء يعيشون في غير مواطنهم التي يستفيدون فيها من موادهم المتيسرة للتدفئة وللإعاشة وللسكنى ..
لذلك لم يستطيعوا البقاء لحصار المدينة مدة طويلة.
4- انعدام الثقة
كانت الثقة بين الأحزاب انفسهم من جهة وبينهم وبين اليهود من جهة أخرى واهنة جداً، بل لم تكن هناك ثقة بينهم على الاطلاق.
قريش تريد القضاء على المسلمين بالإفادة من جهود القبائل واليهود.
والقبائل تريد الاسلاب بالدرجة الأولى من أي مصدر كان، ولو وقعت أموال أحلافهم بني قريظة بيدهم لأخذوها أيضاً.
واليهود لا يثقون بالجميع ويريدون القضاء على المسلمين بدماء قريش والقبائل الأخرى.
وهكذا انعدمت الثقة بينهم لتفرق الأهداف والمقاصد.
5- الصبر على الحصار
يحتاج الصبر على الحصار إلى قوات مدربة لها أهداف معلومة وقيادة مسيطرة، أما القبائل فلا صبر لها على الحصار، لأنها اعتادت على التنقل بين فترة وأخرى، كما إنها لا تطيق صبراً على فراق وطنها وأهلها مدة طويلة.
لذلك تذمر الأعراب من طول مدة الحصار – على قصرها، وآثروا الارتحال.
دروس من غزوة الخندق
1 – القيادة
عالجنا أسلوب القيادة المرتبك عند الأحزاب واليهود، مما كان له أسوأ الأثر على نتيجة معركتهم.
وبقدر ما كانت قيادة الأحزاب واهنة، كانت قيادة المسلمين كفوءة حازمة رشيدة.
قرر الرسول صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، وأمر بحفر الخندق، وانتخب منطقة الحفر في السهول الكائنة شمال المدينة، ووزع اعمال الحفر بالتساوي بين أصحابه، وسيطر على العمل، فلا يستطيع أحد ترك واجبه إلا بأمر منه، حتى أنجز أعمال حفر الخندق قبل وصول المشركين.
واشتغل هو بنفسه بالحفر كبقية أصحابه تماماً، بل استأثر دونهم بالمحلات الصلبة التي لم يستطع أصحابه التغلب عليها – كفلق الصخور القاسية !!
ثم قسم واجبات احتلال الموضع بين أصحابه، بحيث لا يغفل أحد من الخندق ليلا ونهاراً، على الرغم من برودة الطقس، وقد كان هو بنفسه لا يترك مقره إلا ليقوم بتفتيش الحراس وليشجعهم ويرفع من معنوياتهم.
وأهم من ذلك كله سيطرته على أصحابه عندما تأزم الموقف حين وصلت الأحزاب الى ضواحي المدينة بقوات متفوقة على المسلمين، وحين نكثت قريظة بعهدها، فأصبح الخطر يهدد المسلمين من الداخل والخارج .
2 – تعبئة جديدة
استفاد المسلمون من حفر الخندق للدفاع عن المدينة، وهذا الأسلوب الجديد من أساليب القتال يدخل في أساليب العرب الحربية لأول مرة في التاريخ .
إن القائد العبقري هو الذي يستخدم أسلوباً جديداً أو سلاحاً جديداً في القتال، والخندق هو الأسلوب الجديد الثاني الذي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم في القتال. بعد ان استخدم أسلوب الصفوف في معركة بدر كما رأينا.
لقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بفكرة حفر الخندق من سلمان الفارسي، لذلك قال فيه كلمته الخالدة: « سلمان منا أهل البيت». ليشجع التفكير المفيد ويشيد بالعاملين للمصلحة العامة ويقطع دابر العصبيات.
3- الحرب خدعة
رأينا أثر الاشاعات التي بثها نعيم بن مسعود في تفريق كلمة الأحزاب، ولا يمكن نجاح الأحزاب او غيرهم إلا يجمع الكلمة، فلما تفرقت كلمتهم، فشلوا.
إن الحرب الحديثة تعتمد على بث الاشاعات لتصديع الصفوف وبلبلة الأفكار، وقسم بث الاشاعات من أهم اقسام شعب الاستخبارات في تشكيلات الجيوش. وبقدر ما كانت الاشاعة تعمل عملها في صفوف الأحزاب، فان الاشاعة لم يكن لها أي أثر في صفوف المسلمين.
حاول المنافقون أن يبثوا سموم إشاعاتهم لتحطيم معنويات المسلمين، ولكن محاولتهم فشلت.
وعندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه لمعرفة موقف بني قريظة، وعاد هؤلاء اليه بعد أن تأكدوا من صحة إشاعة نكث بني قريظة بعهودها، حرصوا على ان
يخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر بكلام لا يفهمه غير الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه (بالرموز) حتى لا يؤثر هذا الخبر على معنويات المسلمين.
لقد عرف المسلمون إثر الإشاعة على المعنويات قبل أربعة عشر قرناً.
4- المبادأة:
غزوة الخندق هي المعركة الحاسمة الثانية بعد معركة بدر الكبرى، فلو نجح المشركون واليهود في هذه المعركة لتغير وجه التاريخ الإسلامي.
لقد استطاع اليهود أن يجمعوا الأحزاب حول المدينة، وعاونهم اليهود من بني قريظة، للقضاء على المسلمين. وهذا التحشد فرصة لا تعود أبداً، خاصة إذا فشلت الأحزاب.
ان معنى فشل الأحزاب بعد هذا التحشد الهائل، انهم لن يجتمعوا مرة أخرى، وأنهم لا يستطيعون القضاء على المسلمين بعد ذلك منفردين بعد ان عجزوا عن القضاء عليهم مجتمعين، ولهذه النتيجة أثر حاسم على انتشار الإسلام فيما بعد.
لقد انتقل المسلمون من دور الدفاع الى دور الهجوم في اليوم الذي انتهت به غزوة الخندق، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد انسحاب الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا».
وانتقلت المبادأة إلى يد المسلمين بعد هذه الغزوة، ولم يتركوها حتى شمل الإسلام الجزيرة العربية كلها، وارتفعت راية الإسلام شرقاً وغرباً فوق كل راية.