الصراع الحاسم بين عقيدتين

“اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني”.

“اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد”.

محمد رسول الله ﷺ

غزوة بدر الكبرى المعركة الحاسمة الأولى للإسلام

الموقف العام

١-المسلمون

ازداد عدد المسلمين في المدينة وازدادوا قوة وتماسكاً، لكن حالتهم الاقتصادية كانت متردية، لأن اكثر المهاجرين فروا بأنفسهم وعقيدتهم من مكة وتركوا أموالهم هناك، ولأن الأنصار شاركوا المهاجرين بأرزاقهم القليلة، فلا عجب إذا رأينا المسلمين يفكرون جدياً في استخلاص أموالهم من قريش.

٢ – المشركون واليهود

أصبح للمشركين ثأر عند المسلمين في قتل عمرو بن الحضرمي، فلا بد من الأخذ بهذا الثأر حتى تعود لقريش وحلفائها كرامتهم وهيبتهم عند العرب .

كما أن الطريق التجارية الحيوية بين الشام ومكة أصبحت تحت رحمة المسلمين وحلفائهم ومعنى ذلك موت تجارة قريش وتردي مركزها الاقتصادي، كما ان انتشار نفوذ المسلمين وازدياد قوتهم يوماً بعد يوم لا يتفق مع احتكار قريش للسيادة على العرب .

تلك هي العوامل المهمة التي جعلت قريشاً تفكر جدياً في انتهاز أول فرصة القضاء على الدين الجديد، وكان اليهود في المدينة يثيرون الحرب الباردة ضد المسلمين ويحاولون اختلاق المشاكل لهم ويقومون بواجب (الرتل الخامس ) لقريش.

قوات الطرفين

1 – المسلمون

بلغت قوة المسلمين ( 315 ) رجلا من المهاجرين والأنصار بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان معهم فرسان فقط وسبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة والأربعة على البعير الوحد.

2 – المشركون

بلغت قوة المشركين ( 950 ) رجلا أكثرهم من قريش، معهم مائنا فرس يقودونها وعدد كبير من الإبل لركوبهم وحمل أمتعتهم، وكانت هذه القوة بقيادة عدد من رجالات قريش .

أهداف الطرفين

1- المسلمون

الاستيلاء على القافلة التجارية لقريش بقيادة ابي سفيان، التي كان يحميها بين ثلاثين إلى أربعين رجلاً .

ب ) البقاء في بدر بعد إفلات القافلة حتى يتسامع المشركون بقوة المسلمين فيهابوهم ويتركوا لهم حرية نشر الدعوة لدينهم .

2 – المشركون

آ ) حماية القافلة التجارية القادمة من الشام .
ب ) عند إفلات القافلة تضاربت الآراء في القتال أو العودة، فتغلب رأي القائلين بالقتال للأخذ بثأر عمرو بن الحضرمي للقضاء على قوات المسلمين – ولتعرف العرب قوة قريش وسطوتها .

1 – المسلمون

قبل المعركة

أ) خرج أبو سفيان أوائل الخريف من السنة الثانية للهجرة في تجارة كبيرة إلى الشام ، وقد أراد المسلمون اعتراضها في غزوة “العشيرة” عند ذهابها إلى الشام ولكنها تملصت منهم .

وتحين المسلمون عودتها من الشام ، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبد الله وسعيد بن زيد ينتظرانها حتى إذا وصلا إلى الحوراء، على طريق الشام – مكة مكنا هناك ، فلما مرت القافلة، أسرعا إلى المسلمين يخبرانهم بأمرها .

ندب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين للخروج ، وقال لهم: “هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها”، وخف بعض الناس وثقل بعض، لأنهم لم يظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيخوض معركة حاسمة ضد المشركين، بل ظنوا أن هذه الغزوة ستكون عبارة عن مناوشات طفيفة كما حدث في السرايا والغزوات السابقة، وأراد جماعة لم يسلموا أن ينضموا الى المسلمين طمعاً في الغنيمة، فأبي رسول الله عليهم الانضمام أو يؤمنوا بالله ورسوله .

ب) تحركت قوات المسلمين من المدينة لثمان خلون من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة بالترتيبات التالية :

أولا – دورية استطلاعية أمامية للحصول على المعلومات عن اتجاهات القافلة التجارية ونوايا قريش .
.
ثانياً – القسم الأكبر مؤلف من كتيبتين : كتيبة المهاجرين ورايتها مع علي بن أبي طالب وعمير بن هاشم ، وكتيبة الأنصار ورايتها مع سعد بن معاذ وهاتان الرايتان سوداوان .

ثالثاً – مؤخرة بإمرة قيس بن أبي صعصعة .

رابعاً – راية المسلمين العامة بيضاء مع مصعب بن عمير بن هاشم .

ج) ملكت قوات المسلمين طريق القوافل بين المدينة وبدر البالغ طوله حوالي ( 110) كيلومتراً، وقد قسم الرسول صلى الله عليه وسلم الإبل المتيسرة وعددها سبعون بعيراً على أصحابه ، وكان من نصيبه مع علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي بعير واحد يعتقبونه: تماماً كما يفعل أي فرد من قواته .

قال شريكا الرسول، صلى الله عليه وسلم في البعير: نحن نمشي عنك. فقال ﷺ: “ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما “. وأراد بذلك المساواة مع أي فرد من قواته.

د ) انطلق المسلمون مسرعين خوفاً من إفلات قافلة أبي سفيان منهم ، وبثوا عيونهم يتعرفون الأخبار، فلما وصلوا ، قريباً من الصفراء، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم دورية استطلاعية قوتها رجلان إلى بدر ، للحصول على المعلومات عن قريش وقافلتها ، فلما وصل المسلمون وادي ذفران، جاءهم الخبر بخروج قريش من مكة لنجدة قافلتهم .

ه) اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بما بلغه من أمر قريش طالباً مشورتهم فأدلی ابو بكر وعمر برأييهما، ثم قام المقداد بن عمرو فقال:

يا رسول الله ! امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا تقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب انت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (موفع في اليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.

فسكت الناس فقال الرسول ﷺ:” أشيروا علي أيها الناس”، وكان يريد بكلمته هذه الأنصار الذين بايعوه يوم العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم ولم يبايعوه على صد اعتداء خارج مدينتهم، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخشى ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن يهاجمه في المدينة فلهذا احس الأنصار أن الرسول يريد سماع رايهم، فقام سعد بن معاذ وقال: لكنك تريدنا يا رسول الله ، فقال: “أجل!”.

قال سعد: « لقد آمنا بك وصدقناك. وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك. عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض لما أردت فنحن معك . فوالذي بعثك لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تختلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بننا عدونا غداً: إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.

وارتحلوا جميعاً حتى إذا كانوا على مقربة من (بدر) انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم أمام قواته وبصحبته أبو بكر ، حتى وقف على شيخ من العرب . فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم، قال الشيخ : لا أخبر كما حتى تخبراني من أنتما؟

قال النبي ﷺ : “إذا أخبرتنا أخبرناك”، علم الرسول من شيخ العرب أن غير قريش قريبة منه، فقال لشيخ العرب: نحن من ماء، ثم انصرف وصاحبه عنه والشيخ يقول: «ما من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟ “، وهكذا لم يخبره الرسول صلى الله عليه وسلم عن هويته حتى لا تعلم قريش بمواضع المسلمين. وأرسل الرسول دوريتي استطلاع غرضهما الحصول على معلومات عن قوة قريش ومواضعها.

الدورية الأولى مؤلفة من علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه، استطاعت الوصول إلى ماء بدر ، وعادت ومعها غلامان لقريش ، فاستنطقها الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم منهما أن قريشاً وراء الكثيب (بالعدوة القصوى) ولما أجابا بأنهما لا يعرفان عدد رجال قريش، سألهما عدد كم ينحرون يومياً ؟ فأجابا: يوما تسعاً ويوماً عشراً ، فاستنبط الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك أنهم بين التسعمائة والألف، وعرف من الغلامين كذلك أن أشراف قريش جميعاً خرجوا لمنعه.

والدورية الثانية مؤلفة من رجلين من المسلمين وصلا ماء بدر ، فسمعا جارية تطالب صاحبتها بدين عليها والثانية تجيبها: “إنما تأتي العير غداً أو بعد غد فأصل لهم ثم أقضيك الذي لك”، فعاد الرجلان فأخبرا الرسول صلى الله عليه وسلم بما سمعا .

ز) تأهب المسلمون لخوض المعركة وعسكروا في أدنى ماء من بدر، فجاء الحباب بن المنذر إلى رسول الله، فقال:”أرأيت هذا المنزل ، منزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟”.

قال: “بل هو الحرب والرأي والمكيدة ” .

قال الحباب: “يا رسول الله. فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فنعسكر فيه ثم نعور (أي نفسد) ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.

أنقذ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الرأي ، فما حل نصف الليل حتى تحول المسلمون إلى معسكرهم الجديد، وامتلكوا مواقع الماء، وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنه بشر مثلهم، وإن الرأي شورى بينهم، وانه لا يقطع برأي دونهم ، وأنه في حاجة إلى حسن مشورة صاحب المشورة الحسنة منهم …

وأنجزوا بناء الحوض وملأوه ماء، ثم غوروا المياه الأخرى، وتم كل ذلك ليلا، ثم أخذوا قسطهم من الراحة بقية الليل، ليكونوا أقوياء في الصراع الوشيك .

3-المشركون

علم أبو سفيان بخروج محمد صلى الله عليه وسلم لاعتراض قافلته حين رحلته إلى الشام، فخاف أن يعترضه المسلمون حين عودته لقد كانت القافلة حوالي ألف بعير موقرة بالأموال، إذا لم يبق أحد من قريش رجالا ونساء لم يساهم فيها بحظ حسب إمكانياته الاقتصادية، حتى قوم ما تحطه القافلة بخمسين ألفاً من الدنانير .

ولما تأكد أبو سفيان من خروج محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه للتعرض لقافلته العزلاء إلا من ثلاثين أو أربعين رجلا، استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه مسرعاً الى مكة ليستنفر قريشاً الى أموالهم ويخبرهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد عرض لها في أصحابه .

وصل ضمضم الى مكة، فقطع أذن بعيره وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه وقد شق قميصه من قبل ومن دبر ، وجعل يصيح : يا معشر قريش ! اللطيمة (الإبل تحمل طيبا) ! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه … لا أرى أن تدركوها . الغوث الغوث … ولم تكن قريش في حاجة إلى من يستنفرها ، فقد كان لكل فرد منها في العير نصيب.

ولما فرغت قريش من جهازها واجمعت المسير، ذكرت ما كان بينها وبين بني كنانة من الحرب والحزازات ، فخشوا أن تضربهم كنانة من الخلف، وكان هذا المحذور يقعدهم عن الخروج لولا أن جاء مالك بن جشعم المدلجي ، وكان من أشراف بني كنانة ، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه ، …

إذ ذاك قررت قريش الخروج خاضعة لرأي دعاة الحرب وعلى رأسهم أبو جهل، أشد الناس عداوة للمسلين، وعامر بن الحضرمي أخو عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في نخلة والذي يحرص على الأخذ بثأره .

ولم يتخلف من أشراف قريش غير أبي لهب الذي أرسل مكانه رجلاً آخر ، كما حشد هؤلاء كافة القادرين على حمل السلاح من قريش وحلفائهم . وسبق أبو سفيان قافلته للحصول على المعلومات عن قوة المسلمين ومواضعهم، فلما ورد ماء بدر وجد عليه مجدي بن عمرو ، فسأله : هل رأى أحداً من المسلمين ؟ ، فأجاب مجدي : لم أر إلا راكبين أناخا إلى هذا التل، وأشار الى حيث أناخ الرجلان من المسلمين. فحص أبو سفيان مناخها ، فوجد في روث بعيريها نوى عرفه في علائف يثرب .. فأدرك أن الرجلين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جيشه منه قريب، فرجع إلى القافلة ليغير طريقها نحو الساحل ، تاركاً بدراً إلى يساره ، وأسرع في مسيره حتى بعدت المسافة بين القافلة وبين قوات المسلمين، وارسل أبو سفيان إلى قريش يطلب منهم أن يعودوا أدراجهم إلى مكة لنجاة قافلتهم من المسلمين. وأرسلت قريش عمير بن وهب الجمحي ليستطلع لهم قوة المسلمين، فرجع إليهم ليخبرهم أنهم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ولا كمين لهم ولا مدد، ولكنهم قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، فلا يموت منهم رجل قبل أن يقتل رجلا مثله . وتضاربت آراء قريش ، فمنهم من يريد الرجوع منهم بنو زهرة الذين رجعوا فعلا، ومنهم من يريد البقاء، ومعنى ذلك الاصطدام
بالمسلمين .

قال أبو جهل، زعيم الذين أرادوا البقاء لقتال المسلمين: “والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيم عليه ثلاثة ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها” .

وقصد حكيم بن حزام عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد ! إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها . هل لك الى ـن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر ؟
قال عتيبة : وما ذاك يا حكيم ..؟
قال حكيم : ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي .
قال عتبة : وقد فعلت . أنت علي بذلك ، إنما هو حليفي فعلي عقله (ديته) وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظلية – يقصد أبا جهل – فإني لا أخشى أن يشجر أي يخالف بين الناس ويحملهم على عدم الوفاق – أمر الناس غيره .

قال حكيم: فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته نثل درعاً – أي أخرج درعه – من جرابها : يهيئها – أي يتفقدها ويعدها للقتال . فقلت: يا أبا الحكم أبا الحكم، إن عتبة أرسلني إليك بكذا كذا .

قال أبو جهل: انتفخ والله سحره. يقصد ان عتبة جبن – حين رأى محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم بالله بيننا وبين محمد صلى الله عليه وسلم، وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه ، تخوفكم عليه . .. وبعث أبو جهل الى عامر الحضرمي فقال : هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينيك ، فقم فانشد خفرتك. فقام عامر الحضرمي فاكتشف، ثم صرخ: واعمراه !!واعمراه!!
ولما علم عتبة قول أبي جهل: انتفخ والله سحره، قال: سيعلم مصفر استه – أي الجبان – من انتفخ : سحره ، أنا أم هو!

ولم يبق من القتال مفر .

سير القتال

أ) أنجز المسلمون قبل بدا القتال ما يلي :

أ- انتخب الرسول صلى الله عليه وسلم موضعاً مشرفاً على منطقة القتال في بدر وبنى فيه مقره ـ العريش – وأمن حراسة هذا المقر .

ب – جرى ترتيب المقاتلين في صفوف وساوى الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصفوف بعد أن شجع أصحابه وحرضهم على الصبر في القتال . وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يصدوا هجمات المشركين رهم مرابطون في مواقعهم وقال لهم : « إذا اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل ، ولا تحملوا عليهم حتى توذنوا …..

ج- كانت كلمة التعارف بين المسلمين وشعارهم في القتال : أحد .. أحد.

2 – دخل المسلمون المعركة بالأسلوب الآنف الذكر : مقر قيادة كامل ، وسيطرة القائد واحد وأسلوب جديد في القتال لم تعرفه العرب من قبل ، هو أسلوب الصف .

3- أما المشركون فقد مارسوا أسلوب قتال ( الكر والفر ) بدون قيادة ولا سيطرة ، بحيث جرى قتالهم كأفراد لا كمجموعة موحدة .

4- بدأ المشركون بالهجوم أولا ، إذ هجم الأسود بن عبد الأسد على الحوض الذي بناه المسلمون قائلا: «أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه ، . فتصدى له حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف ضربة أطارت نصف ساقه، ومع ذلك حبا إلى الحوض لاقتحامه ، وتبعه حمزة يقاتله حتى قتله فيه .

5- برز من المشركين عتبة وشيبة ابنا ربيعة الوليد بن عتبة ، فخرج إليهم فتية من الأنصار ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعادهم وطلب خروج عبيدة بن الحارث وحمزة وعلي بن ابي طالب، لأنهم من اهله فهو يؤثرهم بالخطر على غيرهم ولأن شجاعتهم وممارستهم للقتال معروفة ، لذلك فإن نجاحهم مضمون على رجالات قريش : ما يرفع معنويات المسلمين ويضعضع معنويات المشركين .

بارز عبيدة عتبة وبارز على الوليد ، وبارز حمزة شيبة . فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وكذلك فعل علي ، واما عبيدة وعتبة فقد جرح كلاهما الآخر ، فكر علي وحمزة بأسيافهما على عتبة ، فأجهزا عليه واحتملا صاحبهما.

6-استشاط المشركون غضباً لهذه البداية السيئة ، فأمطروا المسلمين وابلا من سهامهم وهاجمتهم فرسانهم ، الا أن صفوف المسلمين بقيت صامدة في مواضعها تصوب نبالها على المشركين متوخية إصابة ساداتهم بالدرجة الأولى ، ولم يقطن المشركون لأسلوب المسلمين الجديد في القتال ، ما جعل رجالات المشركين تتهاوى وابل نبال المسلمين المصوبة تصويباً دقيقاً والمسيطر عليها .

7-ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه يقود صفوف المسلمين ، وأخذت هذه الصفوف تقترب رويداً رويداً نحو فلول المشركين التي فقدت قادتها … حتى تبعثرت صفوف المشركين وحينذاك فقط أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمرة لقواته : “شدوا” ، ومعنى ذلك القيام بالمطاردة .

وبدأت مطاردة المسلمين لفلول المشركين، وأخذوا يجمعون الغنائم والأسرى .

8-ابتدأت معركة بدر صباح يوم الجمعة 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة ، وانتهت مساءه وبقي المسلمون ثلاثة أيام في بدر بعد المعركة .. ثم غادروها عائدين إلى المدينة .

خسائر الطرفين

١ – المسلمون

استشهد أربعة عشر مسلماً .

٢ – المشركون

قتل سبعون رجلا وأسر سبعون أيضاً

أسباب انتصار المسلمين

1 – قيادة موحدة

كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد العام للمسلمين في معركة ( بدر ) ، وكان المسلمون يعملون كيد واحدة تحت قيادته : بوجههم في الوقت الحاسم للمحل الحاسم للقيام بعمل حاسم ، وهذا هو واجب القائد الكفء .

وكان ضبط المسلمين في تنفيذ أوامر قائدهم مثالا رائعاً للضبط الحقيقي المتين، وإذا كان الضبط أساس الجندية ، وإذا كان الجيش الممتاز هو الذي يتحلى بضبط ممتاز ، إذا كان الأمر كذلك ، فقد كان جيش المسلمين حينذاك جيشاً ممتازاً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان .

إن معنى الضبط فيما أرى ، هو إطاعة الأوامر وتنفيذها بحرص وأمانة وعن طيبة خاطر .

وقد كان المسلمون ينفذون أوامر قائدهم بحرص شديد وأمانة رائعة وبشوق وطيبة خاطر ، ومن حقهم أن يفعلوا ذلك ، لأن قائدهم يتحلى بصفات القائد المثالي .

ضبط للأعصاب في الشدائد ، وشجاعة قادرة في المواقف ، ومساواة لنفسه مع أصحابه : واستشارتهم في كل عمل حاسم.

رأى الخطر محدقاً بأصحابه قبل المعركة، لأنهم قليلون وقريش تفوقهم عدداً و عدداً .. فسيطر على أعصابه وتمالك نفسه وشجع أصحابه على الصبر في القتال وعندما اشتدت المعركة نزل يخوضها بنفسه ، وحسبك شهادة علي بن أبي طالب سيد الشجعان حيث يقول : ( إنا كنا إذا اشتد الخطب واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله ﷺ ، فما يكون أحد أقرب الى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم ( بدر ) ونحن نلوذ برسول الله وهو أقربنا إلى العدو).

ولم يؤثر نفسه بمال أو راحة على أصحابه ، وقد رأيت كيف ساوى نفسه مع أصحابه حتى في اعتقاب الإبل والمشي على الأقدام .

وشاور أصحابه حين بلغه خبر خروج قريش ، وسمع رأي المهاجرين والأنصار في لقاء المشركين وقبيل مشورة أحد أصحابه في تبديل معسكره في بدر حين نزل بأدنى ماء منها ، فانتقل بالمسلمين إلى حيث أشار الحباب ، وغور القُلب وبني حوضاً على القليب الذي آتاه . واستشار المسلمين في أمر الأسرى بعد المعركة ، وعمل بالرأي الذي أبداه أبو بكر الصديق ومشايعوه .

تلك مزايا القائد المثالي في كل زمان ومكان.

ولا بد للقائد من مقر يسيطر منه على المعركة ، فبنى العريش فوق رابية مشرفة على ساحة المعركة ، وكان لمقره حرس بإمرة آمر مسؤول .

كل ذلك جعل المعلمين يقاتلون كرجل واحد لغاية واحدة بقيادة قائد واحد .. وهذا عامل مهم من عوامل النصر في كل حرب .

أما المشركون فلم يكن لهم قائد عام . كان أكثر سراة قريش مع قوات المشركين ، ولكن البارزين من هؤلاء على ما يظهر هما رجلان : عتبة بن ربيعة وأبو جهل ، وقد رأيت كيف أنهما لم يكونا على رأي واحد وليس لهم هدف موحد ، بل أنهما كانا أقرب إلى العداوة منها الى الإخاء .

لذلك فقد طغت الأنانية الفردية على المصلحة الموحدة أثناء القتال ، وحاول كل رجل من رجالات قريش أن يظهر نفسه بطلا لتتحدث العرب عنه ، دون أن يكترث بأثر ذلك على نتائج المعركة.

٢ – تعبئة جديدة

طبق الرسول صلي الله عليه وسلم في ( مسير الاقتراب ) من المدينة إلى (بدر) تشكيلا لا يختلف بتاتاً عن التعبئة الحديثة في حرب الصحراء .

كانت له مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة ، واستفاد من دوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات، وتلك هي الأساليب الصحيحة لتشكيلات مسير الاقتراب في حرب الصحراء حتى في العصر الحاضر .

أما في المعركة فقد قاتل المسلمون بأسلوب ( الصفوف) بينما قاتل المشركون بأسلوب الكر والفر ، ولا بد لنا من بيان الفرق بين الأسلوبين، المعرفة عامل من أهم عوامل انتصار المسلمين.

القتال بأسلوب الكر والفر، هو أن يهجم المقاتلون بكل قوتهم على العدو: النشابة منهم والذين يقاتلون بالسيوف ويطعنون بالرماح ، مشاة وفرساناً ، فإن صمد لهم العدو أو أحسوا بالضعف نكصوا ، ثم أعادوا تنظيمهم وكروا ، وهكذا يكرون ويفرون حتى يكتب لهم النصر أو الفشل.

والقتال بأسلوب الصفوف ، يكون بترتيب المقاتلين صفين أو ثلاثة أو أكثر على حسب عددهم ، وتكون الصفوف الامامية من المسلحين بالرماح لصد هجمات الفرسان ، وتكون الصفوف المتعاقبة الأخرى من المسلحين بالنبال لتسديدها على المهاجمين من الأعداء .

وتبقى الصفوف في مواضعها بسيطرة قائدها ، حتى يفقد زخم المهاجمين بالكر والفر شدته .. عند ذاك تتقدم الصفوف متعاقبة الزحف على العدو .

يظهر من ذلك أن أسلوب الصفوف يمتاز على أسلوب الكر والفر بأنه يؤمن الترتيب ( بالعمق ) فتبقى دائماً بيد القائد قوة احتياطية يعالج بها الموقف التي ليست بالحسبان ، كأن يصد هجوماً مقابلا للعدو أو يضرب كميناً لم يتوقعه ، أو أن يحمي الاجنحة التي يهددها العدو بفرسانه أو بمشاته ، ثم يستثمر الفوز بالاحتياط من الصفوف الخلفية عند الحاجة .

أن أسلوب الصفوف يؤمن السيطرة على القوة بكاملها ، ويؤمن احتياطاً للطوارئ ويصلح للدفاع والهجوم في وقت واحد ، أما أسلوب الكر الفر ، فيجعل القائد يفقد السيطرة ولا يؤمن له أي احتياط للطوارئ .

إن تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لأسلوب الصفوف في معركة بدر عامل مهم من عوامل انتصاره على المشركين ، والتاريخ العسكري يحدثنا بأن سر انتصار القادة العظام كالإسكندر وهنيبال قديماً ونابليون ومولتكه ورومل ورونشتد حديثاً، هو أنهم طبقوا أسلوباً جديداً في القتال غير معروف أو قاتلوا بأسلحة جديدة غير معروفة .

استعرض الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال ، فعندما رآهم يتزاحمون ويدنو بعضهم من بعض جعلهم صفوفاً وأخذ يعدل صفوفه .

وبعد ذلك خطبهم حاثاً لهم على الجهاد ، وأمرهم أن يصدوا هجوم العدو وهم مرابطون في مواقعهم بتسديد النبال الى صدور العدو، كما أمرهم ألا يحملوا إلا بأمر منه.

فلما تهاوت رجال قريش وضعف زخم هجومهم ، أصدر إلى المسلمين أمره بالهجوم ، ثم بالمطاردة بعد انهزام المشركين.

لقد سيطر الرسول صلى الله عليه وسلم على الصفوف في دفاعها وهجومها ومطاردتها ، حتى لم يقدم أحد المبارزة إلا بأمر منه ، ولم يقم المسلمون بأي عمل إلا بأمر منه أيضاً.

وبذلك أمن السيطرة والاحتياط اللازم، تماماً كما في الحرب الحديثة .

لقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر أسلوباً جديداً في القتال، فانتصر .

٣) عقيدة راسخة

رأيت كيف كان جواب المهاجرين والأنصار للرسول حين استشارهم في مثال قريش . لقد علم المسلمون بأن قريشاً تفوقهم في العدد والعدد ، وأن عدد قوات قريش ثلاثة أمثال عدد المسلمين ، ومع ذلك اعتزموا الصمود . كما علموا أن قافلة قريش فاتتهم ، فلم يبق هناك كسب مادي يرجونه ، ومع ذلك صمموا على القتال .

لقد كان للمسلمين أهداف معينة يعرفونها ويؤمنون بها ، هي أن تترك الحرية الكاملة لهم لبث دعوتهم ، حتى تكون كلمة الله هي العليا .

فما هي أهداف قريش من حربها ، إلا أن تنحر الجزور وتطعم الطعام وتشرب الخمر وتعزف القيان ، فتسمع العرب بمسيرها ، فيها فيهابونها أبدأ بعدها ، كما يقول أحد زعمائهم أبو جهل وهل نستطيع تسمية ذلك أهدافاً أم ذلك طيش وغرور وعصبية جاهلية ؟

في هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء ، والأخوة بالأخوة … خالفت بينهم المبادئ ، ففصلت بينهم السيوف.

كان أبو بكر مع المسلمين. وكان ابنه عبد الرحمن مع المشركين. وكان عتبة ابن ربيعه مع قريش ، وكان ولده أبو حذيفة مع محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما استشار الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب في مصير الأسرى ، قال عمر : أرى أن تمكنني من فلان – قريب عمر – فاضرب عنقه ، وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم .

فما الذي يدفع لمثل هذا القول إلا عقيدة راسخة وليمان عظيم ؟ وهل يقاتل أصحاب هذه العقائد الراسخة كما يقاتل الذين لا عقيدة لهم إلا أهواء الجاهلية وعصبية الأنانية وحب الظهور ؟

٤- معنويات عالية

وشجع الرسول أصحابه قبل القتال وأثناءه ، وقوى معنوياتهم حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم بالعدد ، ولم تكن معنويات الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين عالية فحسب ، إنما كانت معنويات الاحداث الصغار الذين لم يمارسوا حرباً ولا قتالاً عالية ايضاً .

قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر ، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانها ، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل . فقلت : يا ابن أخي ، ما تصنع به ؟ قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه …

قال لي الآخر سراً من صاحبه مثله ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين : فضرباه حتى قتلاه ، وهما ابنا عفراء ، وقد استشهد هذان البطلان في بدر .

فإذا كانت معنويات الفتيان الأحداث بهذا المستوى الرفيع ، فكيف تكون معنويات الرجال ؟

لقد أثبتت كافة الحروب في كافة أدوار التاريخ، أن التسليح والتنظيم الجديدين والقوة العددية غير كافية لنيل النصر ما لم يتحل المقاتلون بالمعنويات العالية بالإضافة إلى كل ذلك لقد كان تنظيم وتسليح الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية ممتازاً ، كما كان عددهم ضخماً ، فلم يغن عنهم كل ذلك ، لأن معنوياتهم كانت منحطة .

لذلك كانوا عبئاً ثقيلا على حلفائهم الألمان في كل معركة اشتركوا فيها معهم .

بل كان الحلفاء يعتبرون المناطق التي تشغلها القوات الإيطالية : فراغاً عسكرياً لا يكترث به !!

إن المعنويات العالية التي كان يتحلى بها المسلمون في بدر ، من أهم أسباب نصرهم في تلك المعركة الحاسمة

لقد كانت معركة بدر صراعاً حاسماً بين عقيدتين .. وكانت الجولة الأولى فيها للإسلام .

دروس من بدر

1 – الاستطلاع

استفاد الطرفان من دوريات الاستطلاع في الحصول على المعلومات وليحولوا دون مباغتتهم ، وكان حصول الطرفين على المعلومات عن القوات ومواقعها جيداً ومفيداً .

وظهر لنا فائدة استنطاق الأسرى الذي أجراه الرسول صلى الله عليه وسلم مع غلامي قريش قبل المعركة في معرفة عدد قريش ، كما كان استنتاج أبي سفيان من فحصه روث ركائب المسلمين اللذين استطلعا موقع بدر ومعرفته هويتهما رائعاً حقاً .

إن تشبت الطرفين للحصول على المعلومات، حرم الطرفين من مبدأ المباغتة، فلم يستفد أحد الطرفين من هذا المبدأ الحيوي في هذه المعركة.

٢ – القيادة

برزت مزايا الرسول صلى الله عليه وسلم في القيادة بمعركة بدر : الشجاعة وضبط الأعصاب وعقد المؤتمرات الحربية قبل وأثناء وبعد المعركة ومساواة أصحابه مع نفسه بكل شيء، كما طبق الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة شروط انتخاب المقر الملائم للمعركة وأمن حراسته.

3- الضبط والمعنويات والعقيدة

ظهر بوضوح أثر الضبط المتين والمعنويات العالية والعقيدة الراسخة في انتصار المسلمين على قريش ، وستبقى هذه المزايا حيوية لكل انتصار في كل حرب .

4- القضايا التعبوية

أ) في مسير الاقتراب

كانت ترتيبات المسلمين في مسير الاقتراب ملائمة جداً ، مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة ، وراية لكل من المهاجرين والأنصار، وراية عامة للقوات كلها. كما كانت دوريات الاستطلاع أمام الرتل تحول دون مباغتته وتزوده بالمعلومات عن قريب .

إن ترتيبات المسلمين في مسير الاقتراب تشابه تماماً ترتيبات القوات النظامية الحديثة في مسير الاقتراب في حرب الصحراء .

ب ) في القتال

استخدم المسلمون لأول مرة ( أسلوب الصف ) في قتالهم ضد قريش ، بينما جمدت قريش على أسلوب الكر والفر ، وبذلك استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم السيطرة على قوته والاحتفاظ باحتياط للطوارئ.

لقد كان أسلوب الصف في القتال أسلوباً جديداً ، بينما كان أسلوب الكر والفر أسلوباً بالياً . .

ج ) كلمة التعارف

كانت كلمة التعارف في القتال بين المسلمين : أحد .. أحد ، وبذلك استطاعوا أن يتعارفوا في المعركة .

إن ظروف المعركة ليست ظروفاً اعتيادية ، ومن الضروري أن يكون هناك أسلوب واضح للتعارف بين المقاتلين ، خاصة وإن المسلمين والمشركين حينذاك كانوا يتشابهون في كل شيء : في الأشكال والقيافة وفي التسليح والتنظيم، مما يزيد أهمية كلمة التعارف ويجعل لها قيمة أعظم مما لو كان الطرفان المتحاربان يختلفان في أشكالهم وقيافتهم وتسليحهم وتنظيمهم .

٥ – القضايا الإدارية

أ) الأرزاق

كان المشركون ينحرون بين تسعة إبل وعشرة يومياً لتأمين الطعام الحار للمقاتلين ، وكانت هذه الإبل من سراة قريش ، أما المسلمون فقد كانوا يكتفون غالباً بالتمر والسويق ، لأن حالتهم الاقتصادية كانت متردية حينذاك.

ب ) الماء

بنى المسلمون حوضاً من الماء في (بدر) وملأوه بالماء واستفادوا منه يوم القتال أما بقية مياه بدر فغوروها لئلا يستفيد منها المشركون .

أما المشركون فكانوا محرومين من الماء يوم القتال ، ما جعل شجعانهم يحاولون اقتحام حوض المسلمين فلا يستطيعون إلى ذلك سبيلا .

لقد كان لنقص الماء عند المشركين يوم القتال أثر كبير في اندحارهم .

ج ) الغنائم

جمع الرسول صلى الله عليه وسلم غنائم المعركة وقسمها بالتساوي بين المسلمين من أهل بدر ومن عاونهم على إحراز النصر : جعل الفارس سهمين يستعين بالسهم الزائد على إعاشة فرسه وإعدادها للحرب ، وجعل للراجل سهماً واحداً ، وجعل للورثة حصة من استشهد ببدر ، وجعل حصة لمن تخلف بالمدينة فلم يشهد ( بدراً ) وإنما كان قائماً بعمل للمسلمين ، ولمن حرضه حين الخروج الى بدر وتخلف لعذر قبله الرسول .

إن النصر في الحرب لا يحرزه المقاتلون فقط ، بل يتعاون على إحرازه المقاتلون في الخطوط الأمامية والعاملون في الخلف لتهيئة أسباب النصر للمقاتلين، لذلك لم ينس الرسول صلى الله عليه وسلم العاملين في الخلف حين قسم الغنائم بين الناس.

د ) الأسرى

أولا – أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل أسيرين لشدة عداوتها للمسلمين ، إذ اعتبرهما مجرمين لا أسيرين .

لقد كانا عنيفين بعداوتهما للمسلمين حريصين على التنكيل بهم ، شديدين في إيذاء المستضعفين منهم ، وكانا من ألد خصوم الدعوة .

ثانياً – أما الأسرى الباقون وعددهم ثمانية وستون فقد وزعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على صحابته قائلا :”ستوصوا بالأسارى خيراً “. .. ثم فادى أغنياء الأسرى بالمال ، فكان الواحد منهم يدفع ما بين ألف درهم الى أربعة آلاف .

أما فقراء الأسرى ، فأطلق سراح بعضهم دون مقابل ، كما كلف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة ، ثم أطلق سراحهم بعد تعليم هؤلاء الأطفال .

و ) القتلى والجرحى

حفر المسلمون قليباً دفنوا فيه قتلى المشركين ، وهذا ما يطابق تعاليم الحرب في وجوب دفن قتلى الأعداء .

كما اعتنى المسلمون بجرحي المشركين، فضمدوا جراحاتهم أسوة بجرحي المسلمين .

ز ) التهذيب

استفاد المسلمون من الأسرى المتعلمين لتهذيب أطفالهم، فكان هؤلاء الأطفال النواة الأولى لكتاب الوحي والحملة الثقافة الإسلامية فيما بعد.

شارك هذا المقال:

مقالات مشابهة