﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [ النساء: 76]
1- المسلمون
دوريات القتال والاستطلاع الأولى
الموقف العام
استقر المهاجرون بالمدينة، وآخي الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم وبين الأنصار، فأصبحوا إخواناً في الله.
ومعنى الإخاء أن تذوب العصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تذهب فوارق النسب واللون والوطن. وقد ظلت عقود الإخاء هذه مقدمة على حقوق القرابة حتى توارث التركات الى موقعة بدور، إذ بقي بعدها الإخاء المعنوي وانفصم الإخاء المادي في المواريث .
2- المشركون واليهود:
أ- المشركون
يتربص الأعراب المجاورون للمدينة الدوائر بالمسلمين، ويحاولون انتهاز فرصة سانحة للإيقاع بهم. وتحاول قريش جهدها القضاء على المسلمين في موطنهم الجديد، بعد أن فشلت في القضاء عليهم بمكة، كما يتمنى مشركو ومنافقو المدينة ان يتخلصوا من المسلمين الدخلاء.
ب- اليهود
طمع اليهود أول وصول محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أن يضموه إليهم، فوادعوه وعاهدوه على حرية نشر الدعوة للدين الجديد. ولكنهم لم يلبثوا حين رأوا أمر المسلمين يستقر ويسمو، ان بدأوا يقلبون للمسلمين ظهر المجن ويعملون الوقيعة بينهم، ولم يتركوا وسيلة للدس وإثارة البغضاء بين المهاجرين والأنصار ولإيقاظ الأحقاد الماضية بين الأوس والخزرج بذكر يوم (بعاث) ورواية ما قيل فيه من الشعر …. إلا استغلوها .
الهدف الحيوي من الدوريات
إشعار المشركين واليهود بقوة المسلمين لكي يتركوا أحرارا في نشر دعوتهم والدفاع عن عقيدتهم ضد المعتدين .
سير الحوادث
ا – سرية حمزة
أ ) قوات الطرفين:
اولاً – المسلمون
دورية قتال بقوة ثلاثين راكباً من المهاجرين بقيادة حمزة بن عبد المطالب.
ثانياً – المشركون
قافلة تجارية لقريش يحميها ثلاثمائة راكب بقيادة أبي جهل بن هاشم .
ب ) الهدف
الوصول إلى (العيص) على ساحل البحر، لتهديد طريق تجارة قريش بين مكة والشام .
ج) النتائج
وصلت قوات المسلمين إلى ساحل البحر الأحمر ناحية (العيص) على الطريق لتجارية الحيوية بين مكة والشام، وهددت قافلة قريش التجارية فعلا ، إلا أن (مجدي بن عمرو الجهني) حجز بين الطرفين، فعاد المسلمون دون قتال.
2- سرية عبيدة بن الحارث
أ) قوات الطرفين:
أولاً – المسلمون
دورية قتال بقوة ستين راكباً من المهاجرين بقيادة عبيدة بن الحارث.
ثانياً – المشركون
أكثر من مائتي راكب وراجل بقيادة أبي سفيان .
ب ) الهدف
الوصول إلى ( وادي رابغ ) لتهديد تجارة قريش بين مكة والشام .
ج) النتائج
وصلت قوات المسلمين إلى ( وادي رابغ ) على الطريق التجارية لقريش بين الشام ومكة، ففر من المشركين مسلمان كانا يكتمان إسلامهما التحقا بقوات المسلمين. وعاد الطرفان دون قتال، بعد أن أظهر المسلمون المشركين قوتهم.
3- سرية سعد
أ) قوات الطرفين:
أولاً – المسلمون
دورية استطلاعية بقوة ثمانية مهاجرين بقيادة سعد بن أبي وقاص .
ثانياً- المشركون
قافلة تجارية لقريش بحماية عدد غير معروف من رجالهم .
ب ) الهدف
الوصول إلى (الخرار) لتهديد طريق قريش التجارية بين مكة والشام .
ج) النتائج
لم يستطع سعد بن أبي وقاص اللحاق بالقافلة، ففاتته، لأن عيون قريش علمت بخروج المسلمين إليهم فأسرعوا بالحركة قبل أن يداهمهم الخطر.
4 – غزوة ودان
أ ) قوات الطرفين
أولاً – المسلمون
دورية قتال بقوة مائتي راكب وراجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً – المشركون
قوة من قريش ومن بني عمرة .
ب ) الهدف
الوصول إلى (ودان) لتهديد طريق قريش التجارية بين مكة والشام والعمل على التحالف مع القبائل المسيطرة على هذه الطريق .
ج) النتائج
وصلت قوات المسلمين إلى (ودان) إلا أنها لم تصطدم بقريش، بل لاقت بني ضمرة، فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم معهم حلفاً .
5 – غزوة بواط
أ ) قوات الطرفين
أولاً- المسلمون
دورية قتال بقوة مائتي راكب وراجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً – المشركون
قافة تجارية لقريش بحماية مائة راكب وراجل يقودهم أمية بن خلف.
ب ) الهدف
الوصول إلى (بواط) من ناحية جبل (رضوى) على الطريق التجارية لقريش بين مكة والشام .
ج) النتائج
وصلت قوات المسلمين إلى (بواط)، ولكن عيون قريش علمت بخروج تلك القوات، فأسرعت قافلتهم بحركتها، وسلكت طريقاً غير طريق القوافل المعبدة، ففاتت القافلة على دورية القتال .
وقد بقي المسلمون في (بواط) ما يقارب الشهر الواحد .
6 – غزوة العشيرة
أ) قوات الطرفين
اولاً – المسلمون
دورية قتال بقوة مائتي راجل وراكب بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً – المشركون
بنو (مدلج) وأحلافهم من بني ضمرة وقافلة تجارية لقريش بقيادة أبي سفيان.
ب) الهدف
الوصول إلى موضع (العشيرة) في منطقة (ينبع) على الطريق التجارية لقريش بين مكة والشام ، للتفاهم مع القبائل وإظهار قوة المسلمين للمشركين.
ج) النتائج
أقام المسلمون شهراً في (العشيرة)، فودعوا بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة .. أما قافلة قريش فتملصت من المرور (بالعشيرة) .
وعاد المسلمون دون قتال.
7- غزوة بدر الأولى
أ) قوات الطرفين:
أولاً – المسلمون
دورية قتال بقوة حوالي مائتي راكب وراجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وراجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً – المشركون
قوات خفيفة وسريعة أغارت على مراعي ضواحي المدينة واستاقت بعض إبل وأغنام المسلمين .
ب ) الهدف
مطاردة قوات المشركين وتخليص الغنم والإبل المنتهية .
ج) النتائج
وصلت قوات المسلمين إلى (وادي سفوان) قريباً من ( بدر) ، فلم تدرك قوات المشركين، فعادت أدراجها بدون قتال .
8- سرية عبدالله بن جحش
أ) قوات الطرفين
أولاً – المسلمون
دورية استطلاعية بقوة ثمانية مهاجرين بقيادة عبد الله بن جحش. تحركت الدورية في شهر رجب، ومع قائدها رسالة مكتومة، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم وألا يفتحها الا بعد يومين من مسيره، فإذا فتحها وفهم ما فيها، مضى في تنفيذها غير مستكره أحداً من أفراد قوته على مرافقته !… كان مضمون الرسالة: وإذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل (نخلة) بين مكة والطائف، (فترصد) بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم . . أطلع عبدالله قوته على كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، وأخبرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاه أن يستكره أحداً منهم على مرافقته .. فلم يتخلف منهم أحد. ومضى عبد الله بقوته هذه عدا سعداً بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان اللذين ذهبا يطلبان بعيراً لهما ضل، فأسرتها قريش، حتى نزل أرض نخلة فمرت قافلة قريش، فهاجمها المسلمون، فقتل في هذه المعركة من المشركين عمرو بن الحضرمي وأسر المسلمون رجلين من قريش وفر الرابع الى قريش . وعاد عبد الله بالقافة والأسيرين الى المدينة .
ثانياً – المشركون
قافلة تجارية بحماية أربعة رجال من قريش بقيادة عمرو بن الحضرمي.
ب ) الهدف
الوصول إلى (نخلة) واستطلاع أخبار قريش والحصول على المعلومات عنها، كما نص على ذلك كتاب الرسول، صلى الله عليه وسلم ولم يكن الهدف قتال قريش .
ج) النتائج
أولا – أدى ( اندفاع ) عبد الله بن جحش إلى القتال في الشهر الحرام، مما يخالف تقاليد العرب حينذاك، فانتهزتها قريش فرصة سانحة للدعاية ضد المسلمين. ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد ( قتالا )، بل كان يريد استطلاعاً .
ثانياً – وقع في هذه الغزوة أول قتيل من المشركين وأول غنيمة وأول أسيرين، وقد فادى الرسول صلى الله عليه وسلم هذين الأسيرين، فأسلم احدهما وعاد الثاني أدراجه الى مكة.
دروس من الدوريات
1 – الاستطلاع
استطاع المسلمون التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة المؤدية الى مكة خاصة الطريق التجارية الحيوية لقريش بين مكة والشام ، كما استطاعوا التعرف على قبائل المنطقة وموادعة بعضها .
2 – القتال
أثبت المسلمون أنهم أقوياء يستطيعون الدفاع عن أنفسهم تجاه المشركين من قريش والقبائل المجاورة وأهل المدينة، وتجاه اليهود . وأن بإمكانهم الدفاع عن عقيدتهم عند الحاجة.
وقد أراد المسلمون من ذلك أن تترك لهم الحرية الكاملة لنشر دعوتهم دون تدخل أعدائهم .
ب ) تحالف المسلمون مع بعض القبائل المجاورة
3 – الكتمان
ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب ( الرسائل المكتومة ) المحافظة على الكتمان وحرمان العدو من الحصول على المعلومات التي تقيده عن حركات المسلمين، والكتمان أكبر عامل من عوامل مبدأ ( المباغتة) أهم مبدأ من مبادئ الحرب. وقد سبق المسلمون غيرهم في ابتكار هذا الأسلوب الدقيق ( للكتمان ) قبل أن يفطن اليه الألمان ويستعملوه في الحرب العالمية الثانية.
4- الحصار الاقتصادي
هدد المسلمون أهم طريق تجارية بين مكة والشام، فأصبحت قوافل قريش غير آمنة حين تسلك هذه الطريق ، مما أثر أسوأ الأثر على تجارة قريش التي تعيش عليها، وهدد مكة بالحصار الاقتصادي بمحاولة حرمانها من سلوك طريق مكة – الشام بأمان .